ربما كان على فيروز وهي على أبواب الثمانين أن تعتزل الغناء لتحافظ على صورتها الأسطورية ولا تسمح لهذه الصورة بالاهتزاز والتراجع بحكم السن الذي لا يرحم.
فيروز لا يجوز أن تسلك طريق صباح التي كانت شحرورة ثم أصبح ظهورها في البرامج التلفزيونية يثير الشفقة وهي تحاول أن تتصرف كأي عجوز متصابية ، أو أن تقتفي أثر وديع الصافي الذي شاخت حنجرته وأصبح صوته أسوأ حتى من صوت جورج وسّوف فاستنفذ أغراضه ، ولم تعد ابتساماته المصطنعة وأسنانه الصناعية تثير الإعجاب الذي كان يثيره صوت وديع الصافي قبل نصف قرن.
لاعبو كرة القدم يعترفون بالوصول إلى نهاية الطريق في ثلاثينيات العمر فيعتزلون في الوقت المناسب ، لكن بعض الفنانين والفنانات يظنون أنهم عابرون للزمن.
مثل صباح ووديع الصافي ، مستقبل فيروز أصبح وراءها، والمحكمة لم تكن بوارد غناء أو عدم غناء سفيرة النجوم السابقة ، فالمسألة التي كانت مطروحة أمامها مالية وليست فنية ، والجانب المذنب الذي صدر الحكم ضده هو فيروز التي وكلت أهم المحامين وخسرت القضية.
فيروز لا تقـدّم مسرحيات جديـدة ولكنها تريد إعادة تقديم المسرحيات الغنائية القديمة. وهي لا تفعل ذلك لوجه الفن وإسعاد الجمهور ، بل لتجني أجـوراً باهظة ، فهي تتقاضى مبالغ هائلة ، لكن المسرحيات التي تريد فيروز إعادة تقديمها للجمهور ليست من ابداعها ، فقد ألفهـا ولحنها الأخوان رحباني رحمهما الله عاصي ومنصور ، وليس من حقـها أن تستأثر بدخل تلك المسرحيات وتحرم ورثة عاصي ومنصور من نصيبهـم العادل ، فهذه المسرحيات ليست ملكاً لها وحـدها ، وفي جميع الحالات لا داعي لمناقشة عدالـة المحكمة التي أخذت قرارها بعد أن اطلعت على جميع جوانب القضية.
التعاطف الذي تتمتع به فيروز إعلامي بالدرجة الأولى فالمحكمة لم تمنع فيروز من الغناء كما قالت الصحافة ، بل قالت بأن على فيروز كمتعهد مسرحيات أن تتوصل إلى اتفاق مع شركائها في وراثة الأخوين رحباني ، لاقتسام الدخل.
تستطيع فيروز -إذا وجدت مستمعين- أن تواصل الغناء حتى سن المئة، وتستطيع أن تعيد تقديم المسرحيات السابقة شريطة أن تتوصل إلى اتفاق مع ورثة مؤلفي وملحني تلك المسرحيات لأن لهم حقوقاً لا يحق لفيروز أن تستولي عليها.