الإصلاح منظومة بيئية وليست إجرائية
لا يكفي وجود وزارة للتنمية السياسية وأخرى لتطوير القطاع العام والتخطيط لمواجهة تحديات من قبيل العنف المجتمعي وتراجع أداء المؤسسات العامة (والخاصة أيضا) والعزوف السياسي وضعف المشاركة العامة والانتماء وتهميش الطبقة الوسطى وضعف/ إضعاف المجتمعات، ولا يكفي وجود مؤسسات من قبيل تشجيع الاستثمار ومكافحة الفساد ليتقدم الاستثمار ونقضي على الفساد، ولا تحل وزارة التخطيط الأزمة الاقتصادية والمالية، فالإصلاح للأسف الشديد ليس هبة أو منحة ولا قرارات وتشريعات ومؤتمرات وندوات وورش أعمال، ولا تنشئة (للأسف الشديد أيضا) ولا بيانات الحكومة أمام مجلس النواب، ولا خطط وبرامج وبروباغندا يعدها مستشارون واختصاصيون (ومستشرقون) أيا كانت تجاربهم والجامعات التي تخرجوا منها، وحتى وأيضا لو كانوا يتقنون اللغة الإنجليزية!!
ما نحتاج إليه لأجل الإصلاح تدركه بوضوح تام وبسيط الحاجّة فضة المفضي من دون خبرات إضافية، وما يفعله في أحسن الأحوال الشباب والصبايا والخبراء والمستشارون الهابطون علينا من المجهول هو أن يقولوا لنا ما نعرفه من قبل أو ما لا نحتاج إليه، فعندما تكون المجتمعات والمؤسسات المعبرة عنها البلديات والمؤسسات المجتمعية، والنقابات العمالية والمهنية، والأحزاب السياسية، والجماعات الاجتماعية والسياسية والمهنية، قادرة على امتلاك موارد ومؤسسات وتوليد فرص عمل على قدم المساواة مع القطاع العام والقطاع الخاص، وعندما تكون قادرة على توفير/ تأمين/ تنسيق ضمان اجتماعي وتأمين صحي وفرص تعليم ورعاية جيدة ومكافئة لما يتلقاه الخمس المحظوظ في البلد، لن يكون هناك عنف مجتمعي ورياضي ولا عشائرية سياسية ولا تسرب تعليمي، ولا عزوف سياسي وعام عن المشاركة والانتخابات، وستكون هناك أحزاب سياسية قوية وفاعلة وبرلمان قادر على اشتقاق تشريعات وسياسات إصلاحية وملائمة، وتوجيه الحكومة ومراقبتها نحو التعبير الفعلي والدقيق عن متطلبات الإصلاح وما يريده المواطنون وما يحتاجون إليه بالفعل. السلوك الاجتماعي الذي تسلكه جماعات من المهمشين، مثل العنف والتعصب والتطرف بكل أشكاله (الدينية والقومية والإثنية والجغرافية والاجتماعية)، وبيع الأصوات في الانتخابات، والتسول، والبيع على الإشارات الضوئية، والانحراف والجريمة، ليست هوايات يمارسها هؤلاء الناس من قبيل التسلية، ولا هي استجابة جينية حتمية، وقد رأينا من هؤلاء الكثير الكثير ممن ترقى ونشأ من الهوامش إلى الواجهات السياسية والاجتماعية، فقط لأن الفرصة أتيحت لهم للتغيير، ولكن عندما تضيق الفرص والآفاق ويغيب التنافس العادل في العمل والتوظيف والتعليم وتوزيع الموارد والإنفاق والضرائب لن تفيد القوانين والتشريعات والمؤسسات، والرغبات والنوايا الحسنة!!
الغد