الإخوان بين الخلافات والانتخابات
لعلها الأولى من نوعها تلك المائدة المستديرة التي استضافها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية للحوار، بحضور طرفي الخلاف في جبهة العمل الإسلامي والإخوان، حيث فرد كل متحدث منهم أوراقه ووجهة نظره بلا حرج. والحق أنه كان حوارا رفيعا ومفيدا يقدّر للطرفين قبول الخوض فيه مع بقية الحضور من سياسيين وإعلاميين. وكما تكشّف في مداخلات الجميع، فالقضية ليست إخوانية داخلية؛ فالطروحات من كل طرف تعني الوطن والمواطنين، وهي في صميم الهموم الوطنية والاستراتيجية للدولة. وخذ على على سبيل المثال قضية العلاقات الأردنية الفلسطينية في تجسيدها المباشر إخوانيا، أي العلاقة مع حماس، فهذه وغيرها بالحق ليست شأنا تنظيميا داخليا لا يجوز زجّ الآخرين فيه، هي هكذا في الأحزاب التآمرية السريّة، لكن في حياة سياسية ديمقراطية، فإن ذروة الجدوى السياسية والحزبية أن تكون رؤية كل طرف مطروحة بشفافية وعلنا على بساط الحوار الوطني.
في التقاليد الحزبية القديمة (الشمولية)، فإن القضايا الخلافية تبحث حصريا في الأطر الداخلية، وما يعلن هو فقط وجهة النظر التي اعتمدت رسميا، بل إن "تسريب" وجهة نظر أخرى كان يعتبر جريمة تعلق من أجلها مشانق تنظيمية. واذا كان الحزب في السلطة فمشانق حقيقية وإعدامات بالجملة على الشبهات. وتاريخ الأحزاب الشيوعية والقومية مترع بالأمثلة؛ فالتربية على رفض الآخر واحتكار الحقيقة ووحدانية الرؤية والمرجعية، تولد ردّة فعل متطرفة للنفي والإقصاء والإلغاء حين ينبت الآخر داخل البيت. ويمكن افتراض أن التعايش بين أطراف الخلاف الإخواني وقبول أن تقوم تعبيراته بالتخاطب علنا مع الرأي العام، يلعب دورا تربويا إيجابيا ويروض الجميع على السلوك الديمقراطي
بالطبع هناك توتر لا يمكن اخفاؤه، ومشاعر قويّة متبادلة من اللوم، ومن جانب الإصلاحيين شعور قوي بأن الطرف الآخر يجيد التآمر والتأليب ويحمل نوايا اقصائية. وبصعوبة تمكن كل طرف الإمساك عن مناكفةٍ بالوقائع يمكن أن تنزلق بمستوى الحوار. ولو حدث الحوار عقب عودة متضامني أسطول الحرية لأمكن الاستشهاد بالتجاهل الغريب لأبرز شخصية إخوانية كان على السفينة مرمرة، وهو المراقب العام السابق سالم الفلاحات، حتى إنه لم يكن بين المحتفى بهم في مجمع النقابات. وكان حريا أن يلقي الكلمة الرئيسية بدل المراقب العام الحالي همّام سعيد
الجزء الثاني من الحوار دار حول الانتخابات النيابية؛ ويحمل المعتدلون ذكريات مؤلمة عنها، فأسوأ تزوير وقع بحق الإخوان جاء وهم في القيادة وطال أغلبية مرشحيهم وفق إحصاءات قدمها د. نبيل الكوفحي. وتفسير هذا الأمر قصّة أخرى. ولم يقرر الإخوان بعد المشاركة في الانتخابات، لكن الجميع اعترض على التردد إذا توفرت الضمانات لنزاهة الانتخابات
حتى الآن يحسم التيار المتشدد مناصب الحزب لنفسه، وبقيت المعركة على موقع الأمين العام، فماذا سيحدث للانتخابات النيابية؟ وفق أغلب المراقبين فالقانون الجديد رغم أنه لا يغيّر شيئا جوهريا، لكنه يقدم للإخوان ميزات أفضل، لكنها ميزات قد تبددها ترشيحات بلا توافق