اغتصب كما تشاء!

اغتصب كما تشاء!
الرابط المختصر

التقرير "المستفز" الذي أصبحنا عليه أمس، على صفحات جريدة الغد، بتوقيع الزميلة رانيا صرايرة، يختصر لنا واقع السلوك الرسمي العام، وشكل الحلول القانونية التي تنفذها الهيئات الرسمية للهروب من المسؤولية الأخلاقية أمام المواجهات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية!

الخبر الذي أورده التقرير يفيد بأن القاصر التي تعرضت للاغتصاب، بدل أن "ترمى" في دور الرعاية أو تكون عرضة لجريمة شرف، يمكن أن تستفيد من عرض قانوني ممتاز وربما لا يتكرر، بحيث يتم تزويجها لمغتصبها لمدة يجب ألا تقل عن خمس سنوات (!!!)، ثم تتحرر هي من كلام الناس، ويتحرر هو من الملاحقة القانونية، ويا دار ما دخلك شر!

لا أعرف ما الذي استفزني بالضبط، أهو الخبر، أم تفاصيله، أم توقيته؟ لا أعرف لماذا قفزت إلى ذهني صورة وطن، تم التطاول عليه بالسرقة والسمسرة والاحتيال والنهب، ثم وجدوا له حلا فلكيا، بحشره في زاوية الإفقار والتجويع والإهانة، لمدة محددة ليتسنى للمتطاولين عليه، الإفلات من العقوبة؟!

خمس سنوات ستقضيها الطفلة المغتصبة تحمل حقيبتها وطفلا أو أكثر على كتفها، تنتقل من بيت تعمل فيه خادمة مع أهله الذين لن يطيقوها وسيعتبرونها جسما غريبا يدخل بيتهم النظيف الشريف، إلى بيت ينظر إليها كساقطة، ارتضت على نفسها أن تمرغ اسم العائلة بالتراب، حين قبلت أن تغتصب، أو حين لم ترم بنفسها من فوق الجسر، بعد الحادثة الأليمة التي ألمت بهم!!

والمغتصب الظريف، يمارس حياته بشكل عادي جدا، يدخن ويلعب مع أصحابه في المقهى، ويعود كل مساء ليتطاول من جديد عليها ضربا واهانة واغتصابا لا يتوقف، بحكم القانون.

ثم يخرج من البيت، يتحرش ببنات الناس، ويقيم علاقة عاطفية جادة مع أخرى، تدعو أن تمر السنوات الخمس بطرفة عين.

ولن يكون عرضة لأي مساءلة قانونية كانت لولا هذا الحل الساحر لتزج به في السجن بقية عمره، أو حتى يكون أمام حكم بالاعدام!

أفهم أن الالتفاف على القوانين والتشريعات باستنباط أحكام تخفف من وطأة القضايا الكبيرة، من باب ألا تكون "موت وخراب ديار"، وهذا مقبول في مجتمعاتنا التي تتعاطف عادة مع الضحية لا مع الجلاد.

لكن أن يتم ذلك حتى يهرب الجاني بفعلته، وينعم بحرية الحركة والسفر مثلا، فهذا غير مفهوم ولا مقبول بالمرة! فهذا الحكم لم يراع الضحية، التي من المفترض أنها قاصر، ولا يجوز تزويجها قبل سن الثامنة عشرة.

لم يراع أنها الطرف الذي سيدفع الثمن في كل الأحوال، لأن ذاكرة مجتمعنا في هذه الأمور تحديدا، قوية جدا، فلا الزواج الصوري ذاك ولا انقضاء السنين الخمس، سيمسح عنها عار الاغتصاب.

بل إن حلولا مماثلة، بالنسبة لمجتمعنا أحادي النظرة في تلك القضايا، سيمهد لانطباع عام أنهم زوجوها إياه لأنها متورطة معه! والثمن لا يقتصر على ذلك، بل سيتعداه إلى الظلم الشديد الذي ستلاقيه الزوجة الصغيرة من زوجها المغتصب وأهله، وهذا ليس خيالا، بل الشذوذ عن تلك القاعدة هو الخيال!إذن، من المستفيد من كل تلك "الحفلة"؟

أهو المجتمع الذي لن يفجع بجرائم شرف أخرى، أم بعض المرضى الذين سيستفيدون من العرض قادم الأيام، أم الجناة على حياة بناتنا وشرفهن وقصصهن التي تلوثت وهن بعد قاصرات؟

الغد