اسلاميو الاردن واكراهات السلطة
مع تقديري الشديد للحركة الاسلامية في الاردن ورموزها وبرامجها،فان اللافت للانتباه،هو وجود لغة مزدوجة،هذه الايام،فذات الاسلاميين الذين نددوا بعلاقات مبارك مع اسرائيل،ونددوا ايضا بمعاهدة السلام،ونددوا اخيرا بخنق قطاع غزة يسكتون اليوم.
الرئيس محمد مرسي،اول رئيس عربي منتخب،ولايحق لاحد الطعن في شرعيته،ولا في صدقيته،حتى لانبقى نزاود على بعضنا البعض،لكننا نتأمل تعهداته بالحفاظ على كل الاتفاقيات والمعاهدات،بما في ذلك معاهدة كامب ديفيد.
لم نسمع نقدا لهذا التوجه،ولم نسمع مطالبات باسقاط المعاهدة ولا اعتبارها خيانة،الا في فترة الدعاية الانتخابية،ولانرى اليوم الا هدوءا شديداً،والرأي عند اسلاميي الاردن يقول ان المعاهدة من «اكراهات السلطة» ولابد من الصبر عليها.
يرد مرسي على رسالة لرئيس الكيان المحتل،شمعون بيريز،وحين ُتسرب اسرائيل الخبر عامدة،بما فيه من دفع عملية السلام،تتبرأ الرئاسة المصرية من الرسالة،وتنكرها،فيقوم بيريز بنشر صورة عنها على حسابه في التويتر،فتعترف الرئاسة المصرية لاحقا بالرسالة.
يسكت اسلاميو الاردن على تطبيع الرئيس الاسلامي،باعتبار ذلك من اكراهات السلطة،وباعتبار ان هذه سياسة ورغبة بطمأنة واشنطن من ان الاسلاميين لم يأتوا لحرب.
في قصة ثالثة يتم الاعتداء على الجيش المصري الباسل في سيناء،ويستشهد افراد منه،في صورة مؤلمة لانقبلها للمصريين،ولان غزة طرف في القصة،باعتبار أن دعما ما جاء من فصائل في غزة،فان العقاب وقع على كل غزة.
الرئاسة المصرية وبالتنسيق مع الجيش قرروا هدم اكثر من الف نفق،تعيل اهل غزة،وتؤمن لهم الدواء والطعام،واغلقوا المعابر،وحجزوا فلسطينيين في المطارات،وهكذا يتورط النظام المصري الجديد،في معاقبة كل اهل غزة،ردا على حفنة تورطت في المشكلة.
لم نسمع كلمة هنا،والطاغوت الذي رحل،اي حسني مبارك،كانت مهاجمته تتم لانه كان ينسف نفقا،او يغلق معبرا،وها نحن نرى مشهدا اسوأ بحيث يستبسل الرئيس الجديد لاثبات صلاحيته الدولية،ويقرر هدم اكثر من الف نفق.
في اشارة رابعة يغلق الرئيس المصري قناة تلفزيونية وصحيفة،لانهما تجاوزا بالكلام عليه،مع تهديده غير اللائق،فلا نسمع رد فعل،لان هذه مسموحة للرئيس المصري،لكونه اسلاميا،فيما لو فعلها احد هنا في الاردن،لقيل ان النظام عرفي والدولة تعتدي على حرية الاعلام،ولو فعلها النظام المصري البائد،لسمع تنديدا مصريا وعربيا.
هذا على الرغم من ان لدينا تجاوزات تفوق كل هذه الممارسات،لكنها هنا تصبح حرية تعبير،وهناك تصبح تجاوزا على الرئيس المنتخب،ولان نظرية اكراهات السلطة مرنة وممتدة،فهي تعطي للرئيس شرعية اغلاق وسائل اعلام.
نحن لا نكره الاسلاميين،ولا نحرض عليهم،وقد انتخبناهم مرارا في الانتخابات النيابية،غير اننا نقول ان المبدأ لا يتجزأ،والمعيار الاخلاقي واحد،فكما تحتفل هنا بفوز مرسي وترسل وفودا لتباركه،عليك ان توقفه ايضا عندما يتجاوز حده.
في النماذج الاربعة يأتي السؤال عما اختلف على المصريين مابين مبارك ومرسي،مادام كلاهما يغلق معابر غزة ويهدم الانفاق بذريعة مجموعة ارهابية،وماداما يغلقان وسائل اعلام،ويراسلان رؤوس اسرائيل،ويلتزمان بالمعاهدة مع العدو.
نظرية اكراهات السلطة المسموح بها للاسلاميين فقط،وغير المسموح بها،لاي نظام من غير الاسلاميين،ستقودنا الى مضاعفات اخطر واسوأ،خصوصا،حين يبحث الرئيس الاسلامي عن مباركة عواصم العالم لوجوده،فيضطر ان يرسل الرسالة تلو الرسالة.
في المحصلة ستأخذ اسرائيل،كل ماتريده تحت هذه الوطأة،بل لربما ستحصل اكثر واكثر،ومازلنا ننتظر بيانا يتيما من الاسلاميين هنا يندد بتطبيع الرئيس مع اسرائيل،ويندد بخنق غزة،ويندد ايضا بقطع الدواء والغذاء عنهم وهدم الانفاق.
الدستور