استقالة وصفي الرواشدة
في خطوةٍ جريئةٍ ومشرفةٍ, أقدم نائب الشوبك "وصفي الرواشدة" على تقديم استقالته من مجلس النواب السادس عشر; احتجاجاً على ما جرى في المجلس حول قضية (الكازينو), التي تعد من الخطوات التاريخية النادرة في مسيرة الأردن التشريعية, وتنمّ الاستقالة عن روح وطنية عالية, وانتماء وطني أصيل, وجرأة ورجولة قل نظيرها في هذا الزمن الصعب, عبّرت عنها كلمات قويّة وعبارات جيّاشة تفيض بالفهم العميق واليقين المفعم بسلامة الرأي وقوة المنطق.
جاءت الاستقالة لتعبّر عن معنى الوفاء الحقيقي لهذا الوطن الذي شيّده الأردنيون بدمائهم الزكيّة عبر العقود السالفة من أجل أن تنعم الأجيال بالحريّة والكرامة والإرادة المطلقة, والرفاه الكريم والحياة العزيزة لا أن يكون وطناً مستباحاً لحفنة طارئة ونخبة مصنّعة ومصطنعة تسطو على مقدراته وتنهب خيراته وتدوس على معتقداته, وتتنكر لتراثه وحضارته الفذّة, وهويّته الأصيلة التي نفخر بها جميعاً.
تؤكد لنا هذه الاستقالة أنّ هذا الشعب يزخر بالرجالات والشخصيات الوطنيّة, الذين تظهر معادنهم الأصيلة في المواقف الصعبة, وفي اللحظات الحرجة التي يستجاب فيها لنداء الوطن, واستغاثة الفضيلة الباكية في عصر اليتم والتشريد والمطاردة لمعاني النخوة والشهامة والمروءة التي يراد تحنيطها في متاحف التاريخ, تحت مسميات المرونة والسياسة والدبلوماسية والانحناء للعاصفة.
يقول الرواشدة في استقالته:"... قد ظهر جليّاً أنّ مسيرة الإصلاح سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية, ما هي إلاّ شعارات جوفاء هدفها شراء الوقت, إلى حين أن يتمكن الفاسدون من التسلل إلى جسم شعبنا الذي انتفض على الفساد والتهميش وبيع مقدرات الوطن وتحويل مكوناته إلى سلع للبيع تسهيلاً للمخطط القذر القادم والقائم لمستقبل وطننا الغالي وتحويل أبناء هذا الوطن إلى شعب مسلوب القيم, يجاهد في لقمة عيشه, يلتقط فتات ما يلقى إليه تحت مختلف المسميات, وليتمكن الفاسدون المفسدون من إحكام قبضتهم..."
استقالة النائب الرواشدة زادت ما هو واضح لدى قطاعات كبيرة وكثيرة من شعبنا, وضوحاً وجلاءً, حيث لم يعد مجدياً البتّة الاستمرار بالتنكر للحقائق, وممارسة مخادعة النفس والناس, حول مسيرة الإصلاح الحقيقي والجاد والجوهري وحول مؤسسات العصر الماضي, التي تعد جزءاً مهماً من مخلفات ونتاج تاريخ الفساد والظلم والعسف والاستبداد, وينبغي أن تتولد لدينا جميعاً الجرأة الكافية لإحداث التغيير المطلوب, الذي يجب أن تشترك به جميع القوى الإصلاحية والمنادون بالتغيير المنشود.
وهنا ينبغي التنبيه لقضية كبيرة وخطيرة على غاية من الأهميّة, أنّ الإصلاح لا يتمّ إلاّ على أيدي المصلحين, الذين يؤمنون بالإصلاح ايماناً عميقاً وثابتاً, لا تشوبه شائبة, ومستعدون للتضحية بدمائهم وأموالهم من أجل الحريّة والكرامة والعزّة, ولا يمكن للفاسدين والمفسدين الذين أسهموا بضياع الوطن وسطوا على مقدراته وعبثوا بالمال العام أن يكونوا هم سدنة الإصلاح, ومن يسهم في حركة التغيير.
ولذلك على الشعب الأردني أن يدرك تماماً أنّه لا بد من فريق وطني نظيف, يشهد لهم بنظافة اليد والتاريخ, ولم يتلوثوا بقضايا الفساد السابقة, من أجل أن يتمكنوا من رفع راية الإصلاح والصدع بمسيرة التغيير المنشودة, وهذا يقتضي التخلص من كل مخلفات مرحلة الضياع والعبث والفساد السابقة, والبدء بمرحلة جديدة بدستورها وتشريعاتها ومؤسساتها ورجالاتها وأفكارها.
نحن أمام لحظة تاريخية, تقف فيها الشعوب العربية كلها أمام حافّة التغيير والإقلاع نحو مستقبل الحريّة الكاملة, والتخلص من حقبة الإقطاع والعبودية, وهذا يحتّم على الرّجال الغيورين المنتمين لهذا الوطن, الصادقين في ولائهم لأمّتهم وحضارتهم أن يوحدوا صفوفهم ويستمعوا لنداء الوطن والأمة ونداء الأجيال والشباب ويصدعوا بالأمر الوارد من فوق سبع سماوات {ادخلوا عليهم الباب, فإذا دخلتموه فإنّكم غالبون}.