استحقاق 15 تموز
تتوالى الأنباء عن نيّة بعض القوى السياسية الصاعدة، مثل "24 آذار"، تنظيم اعتصام بتاريخ 15 تموز (يوليو) الحالي قرب وزارة الداخلية. ولربما سيتبع ذلك "بزحف ليلي" إلى دوار الداخلية بهدف زيادة منسوب الضغط على صناع القرار لتسريع وتيرة الإصلاح والتأكيد على جديته.
أهمية هذا الحدث تكمن في تعقيد التعامل معه: فهذا النفر من المعتصمين سيكونون قادرين على تهديد أمننا، وبالتالي يستنفرون كل قوى الدولة والمجتمع التي لا تريد العبث بالأمن، ولكنها وبذات الوقت لا تريد لهذا الحدث أن يشكل سببا للانقضاض على حرية التعبير والتجمع والاعتصام المكفول بالقانون.
من زاوية مبدئية ونظرية، لا بد من التأكيد أن سلوكا سياسيا من هذا النوع ليس إصلاحيا، ولا يعي معنى حق الاعتصام والتعبير عن الرأي الذي يجب أن يكون ضمن حدود القانون، وبما لا يمس أمن الأردنيين وطمأنينتهم وحرياتهم، فالقاعدة أن "حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين" لا تبدو في ذهن من يخططون لاعتصام الداخلية. ثانيا، هكذا اعتصام يفترض أيضا احتكار الحقيقة، لأنه يتجاوز مجرد كونه حرية فئة من الأردنيين في التعبير عن آرائهم، ليصبح تعطيلا للحياة العامة إلى أن تتم الاستجابة لمطالب المعتصمين، وهذا ليس من حرية التعبير في شيء. أما من زاوية عملية، وبهدف توقيف مثل هذه السلوكيات السياسية المؤذية لنا جميعا، وفي محاولة الإجابة عن كيف يمكن إيقاف مثل هذه الاستفزازات من دون المساس بحقوق الاعتصام والتجمع المكفولة بالقانون، فبتقديري أن الأسلم معرفة من هي القوى السياسية التي تحرك هكذا اعتصامات، أو ربما القوى التي "تمون" عليها حتى لو كانت غير أردنية، ومن ثم الاشتباك معها سياسيا في محاولة لإقناعها بضرورة التفريق ما بين حق الاعتصام وبين الاعتصام المخل بالأمن والاستقرار المجتمعي المؤذي للإصلاح والمعطل له.
البراغماتية تملي ضرورة التفاوض الآن مع القوى السياسية المحركة لهذا النوع من الاعتصامات والتي نعلمها جميعا، وربما هذا هو الوقت لإعادة أو إعطاء بعض الميزات/ المؤسسات التي تم أخذها بالسابق من الحركة الإسلامية.
حركات الاعتصام غير مقتنعة بخط المسير الإصلاحي، ولا تبدو مؤسسات الدولة السياسية الرسمية قادرة على استيعاب أو احتواء تصعيدات من نوع 15 تموز (يوليو) المزمعة؛ فالبرلمان يعتبر من وجهة نظر قوى المعارضة السياسية فاقدا للشرعية كونه برلمان الدوائر الوهمية، والحكومة وبسبب بعض الأخطاء في التعاطي مع ملفات الفساد، تظهر وكأنها في موقع الدفاع عن النفس وبلا قدرة على احتواء ما يحدث. هذا كله يحتم أن يكون الاشتباك والتفاوض ملف دولة وليس حكومة أو برلمان، والهدف يجب أن يستمر في كونه استيعاب وتحجيم دعوات التصعيد الاعتصامي.
شخصيا، أفهم الاعتصام المزمع على أنه "حركشة" سياسية غير بناءة ستضعف وتبطئ جهود الإصلاح وتقلل عدد المتحمسن له ليس إلا، فاستدامة الضغط بهدف تسريع الإصلاح لها قنواتها العديدة الأخرى الأكثر فعالية وإنتاجية.
الغد