استحقاقات دستورية أمام مجلس النواب السابع عشر

استحقاقات دستورية أمام مجلس النواب السابع عشر
الرابط المختصر

بعد أن انفض سامر الانتخابات النيابية تتجه الأنظار إلى مجلس النواب السابع عشر وإلى الاستحقاقات الدستورية التي تنتظره، والتي يأتي في مقدمتها دعوته إلى الانعقاد للبدء بمباشرة مهامه الدستورية في الرقابة والتشريع. إن أول دورة برلمانية سيعقدها مجلس النواب الجديد ستكون دورة غير عادية من المفترض دستوريا أن تبدأ قبل الرابع من شهر شباط المقبل وإلا عاد مجلس النواب المنحل بحكم الدستور. فالفقرة (1) من المادة (73) من الدستور لا تشترط فقط أن تُجرى الانتخابات النيابية خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ حل مجلس النواب السابق، بل يجب أن يجتمع المجلس المنتخب الجديد قبل انتهاء الأربعة أشهر وإلا اعتبرت نتائج الانتخاب ملغاة واسترد المجلس المنحل كامل سلطاته الدستورية.

إن الأصل أن يبدأ أي مجلس نواب جديد حياته البرلمانية بعقد دورة عادية حدد الدستور الأردني موعدا ثابتا لانعقادها هو الأول من شهر تشرين الاول من كل عام، حيث يقوم جلالة الملك في ذلك اليوم بدعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورة عادية ويفتتحها بإلقاء خطاب العرش أمام مجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب مجتمعين وذلك استنادا لأحكام المادة "78" من الدستور. إلا أنه ولما كان يفصلنا عن بدء الدورة العادية أكثر من ثمانية أشهر ورغبة في عدم تعطيل السلطة التشريعية وتغييبها طيلة هذه الفترة، فقد أوجد المشرع الدستوري دورة غير عادية يجتمع بها مجلس النواب الجديد في الفترة ما بين انتخاب أعضائه وموعد بدء الدورة العادية.

أما عن مدة الدورة غير العادية، فإنها يجب أن لا تتجاوز بأي حال من الأحوال يوم "30" أيلول من العام الحالي، حيث يجب أن تفض تلك الدورة في ذلك اليوم لكي يتمكن مجلس النواب السابع عشر من عقد دورته العادية الأولى في الأول من شهر تشرين الاول من العام الحالي.

أما عن أحكام الدورة غير العادية في الدستور الأردني، فهي تعتبر كالدورة العادية وتنطبق عليها الأحكام الدستورية الخاصة بالدورة العادية كافة كافتتاحها وشروط تمديدها وتأجيلها. فالملك سيفتتح الدورة غير العادية لمجلس الأمة بإلقاء خطاب العرش، وله الحق في أن يؤجل جلسات مجلس الأمة خلالها ثلاث مرات فقط وذلك وفقا لأحكام المادة "81" من الدستور.

إن الأصل أن يكون خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية، إلا أن الظروف الدستورية قد شاءت أن يلقيه جلالة الملك في افتتاح الدورة غير العادية للمجلس السابع عشر، لتكون هذه هي المناسبة الثانية في تاريخ الأردن التي يلقى بها خطاب العرش في افتتاح دورة غير عادية. فقد سبق وأن قام المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه بإلقاء خطاب العرش في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس النواب التاسع التي عقدت في 20 نيسان 1967.

وبعد الجلسة المشتركة للاستماع إلى خطاب العرش، يعقد مجلس النواب أولى جلساته برئاسة أكبر النواب الحاضرين سنا ويساعده أصغر عضوين حاضرين سنا وذلك لانتخاب رئيس لمجلس النواب خلال الدورة غير العادية، فقد نصت الفقرة "2" من المادة "69" من الدستور على أنه إذا اجتمع مجلس النواب في دورة غير عادية ولم يكن له رئيس فينتخب المجلس رئيساً له تنتهي رئاسته بانتهاء الدورة غير العادية، ذلك أن الفقرة "1" من المادة "69" من الدستور تلزم مجلس النواب في بدء كل دورة عادية بأن ينتخب رئيساً له لمدة سنة شمسية. هذا يعني أنه خلال فترة زمنية قصيرة لن تتجاوز بضعة أشهر سيشهد مجلس النواب الجديد انتخابات رئاسية مرتين، وهو ما سيؤثر سلبا على كفاءته التشريعية والرقابية خاصة في ظل التنافس المحموم بين النواب على رئاسة المجلس والمناكفات والمراهنات المتوقعة بين الكتل البرلمانية التي تسعى إلى تمثيل لها في المكتب الدائم لمجلس النواب.

وبعد انتخاب الرئيس يقوم مجلس النواب بانتخاب لجنة من أعضائه لوضع صيغة الرد على خطاب العرش السامي والتي يجب أن تقر من قبل المجلس قبل أن يقوم رئيس المجلس مع وفد من النواب برفع الرد إلى جلالة الملك وذلك خلال أربعة عشر يوما من إلقاء خطاب العرش وذلك استنادا لأحكام المادة "79" من الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب.

أما الاستحقاق الدستوري الثاني الذي ينتظر مجلس النواب الجديد فيتمثل في مناقشة البيان الوزاري لحكومة عبد الله النسور والتصويت على الثقة به. فبموجب التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011، فإنه يجب على كل حكومة تؤلف في ظل حل مجلس النواب بأن تتقدم ببيانها الوزاري وأن تطلب الثقة على ذلك البيان خلال شهر من تاريخ اجتماع المجلس الجديد وذلك استنادا لأحكام الفقرة "5" من المادة "53" من الدستور. فإذا لم يتقدم رئيس الوزراء النسور باستقالة حكومته الخطية، فإنه يكون ملزما وفق أحكام الدستور بأن يقدم بيانا وزاريا ليحصل على ثقة أعضاء مجلس النواب عليه.

ومن ثم يأتي الاستحقاق الثالث المتمثل في المشاورات التي سيجريها جلالة الملك مع الكتل البرلمانية والنواب المستقلين لاختيار شخص رئيس الوزراء القادم، حيث تعهد جلالة الملك في أكثر من مناسبة بأن يكون لمجلس النواب الجديد دور أساسي في اختيار رئيس الوزراء القادم. ومن ثم سينصرف رئيس الوزراء المختار إلى التشاور مرة أخرى مع أعضاء مجلس النواب لاختيار أسماء فريقه الوزاري، بحيث تقوم الكتل البرلمانية والنواب المستقلين بتسمية الوزراء الذين سيشكلون مع رئيس الوزراء حكومة جديدة منبثقة عن مجلس النواب، وإن كان لا يمكن اعتبارها حكومة برلمانية بالمعنى الدستوري الكامل.

وبعد انتهاء هذه الاستحقاقات الدستورية، يفترض أن يبدأ مجلس النواب في ممارسة دوره التشريعي في إصدار القوانين وتعديلها، حيث يختلف الوضع في الدورة غير العادية عنه في الدورة الاستثنائية في أن مجلس النواب لا يكون عمله محددا بجدول أعمال مسبق وموضوعات لا تجوز مناقشة أي أمر خارجها، ذلك أن جدول أعمال مجلس النواب في الدورة غير العادية يكون مفتوحا أسوة بجدول أعمال الدورة العادية لمجلس النواب.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم