إلاّ الدم !
ركن رئيسي في نهج الدولة الأردنية تجنب إراقة الدم الأردني، سواء كان هذا في إدارة أي خلاف مهما كان نوعه بين السلطة التنفيذية وأي طرف، وحتى في المراحل الصعبة والتي أستخدمت فيها بعض الجهات الخارجة عن القانون السلاح ضد الدولة كان ضبط النفس نهج الدولة إلى حين استنفاذ كل الوسائل السلمية والسياسية، وحتى في المراحل التي شهدت ممارسات سياسية إنقلابية وحتى خروج سياسي عن الدستور والقانون كان النهج هو الإحتواء وتجنب لغة الدم، لهذا لا يسجل على الأردن أي إعدامات سياسية ولا إغتيالات وتصفية جسدية بل إننا من الدول القليلة جداً وربما الوحيدة التي يتحول فيها قادة المعارضة والإنقلابات والحركات إلى مسؤولين ويصبحون من أشد المدافعين عن الدولة.
وعلى الجانب الآخر فإن هذا النهج لا يعني أن يكون دم رجال الأمن رخيصا، فحرمة الدم يجب أن تكون لغة الجميع، ولهذا فإننا نحزن ويحزن كل أردني عندما يسقط أي رجل أمن شهيداً أو مصاباً برصاصة من أي مجرم أو شخص، فالأردنيون لم يعتادوا على قصف طائرات جيشهم لبيوتهم أو سفك دمائهم بسلاح أمنهم، وليس لدينا ثقافة النسيان في المعتقلات والتعذيب الوحشي والإغتيالات، ولهذا لا يقبلون أن يروا دم رجل أمن يسيل في أي مكان، لأن غياب ثقافة الدم لدينا حكمة وليست ضعفاً في الدولة، ويستفزنا أن نرى صورة شباب أردني من أي جهاز عسكري شهيداً في أي مدينة أردنية.
«معان» قضية تفاءل الجميع خيراً بالجهد المبارك لرئيس مجلس النواب والمجلس الكريم لحلها، فهي ليست قضية سياسية بل تطبيق قانون على مطلوبين، وكما هي غالية وعزيزة دماء أبناء معان فإن دماء أبناء المؤسسة الأمنية عزيزة فكلها دماء أردنية، وربما لا يريد البعض أن تصل جهود حل الأزمة التي يتشارك فيها مجلس النواب مع أهل معان الكرام إلى نتائج إيجابية، والبعض يتمنى أن تتحول معان إلى بؤرة فوضى، والبعض يحب أن تكون قضية سياسية وأمنية وأن تسيل الدماء فيها من الناس الأبرياء ورجال الأمن، لأن في أذهانهم نماذج لمدن في دول أخرى يحبون أن تكون في الأردن، والبعض يحب تصوير معان كمعقل للتطرف، وكل هذا ليس حقيقياً، فمعان مدينة مثل كل مدننا لها همومها وآمالها، ولهذا وجدنا تفاعلاً كريماً من أبنائها مع جهود مجلس النواب، لكن هناك من هو متضرر من تطبيق القانون الذي هو مصلحة لنا جميعاً ولأهل معان، فالدولة مظلتنا جميعاً مهما كان لأي طرف ملاحظات على أداء أي حكومة أو مسؤول.
الدم لغة غير أردنية، ولا تمارسها الدولة ولا الناس، وكل من يسعى لكسر هذه الثقافة والنهج فإنه يفتح أبواب الشيطان علينا جميعاً، والقانون هو العلاج، والرفض لهذه السلوك واجبنا جميعاً في كل مدننا وقرانا مهما كانت توجهاتنا السياسية، أبواب الدم يعني التضحية بميزة الأمن والآمان، وهذا ما يريده البعض هنا وهناك ولو كان على حساب الأردن ومؤسساته وأهله وفي مقدمتهم أهل معان الكرام.
الرأي