إغلاق باب الدم بفتح أبواب الحوار
كنا ومانزال نرى أننا جميعا في الأردن نجحنا، خلال عدة شهور من المسيرات والاعتصامات، في تحقيق المعادلة الإيجابية التي تحفظ لأي جهة سياسية أو مطلبية أن تعبر عن رأيها وموقفها، وأن نحافظ أيضا على الأمن والقانون. وحتى أمس، كان دور رجال الأمن حفظ أمن المسيرات، وأصبح مألوفا أن نرى شرطيا يناول متظاهرا الماء والعصير، ولم يكن هناك أي محاولة لاستنساخ أي نموذج تم في أي عاصمة عربية، لأن ما يجري في بلادنا مختلف، والروح مختلفة.
وما كان أمس على دوار الداخلية لا يقبله أحد منا. ومن فقد دمه أو أصيب من المواطنين أو رجال الأمن أفقد نموذجنا تميزه. وكما تم التعامل سابقا مع الاعتداء على مسيرة المسجد الحسيني، فإن الحاجة ماسة إلى تحقيق جاد يصل بنا إلى الحقيقة الكاملة، وأن يدفع المتسبب الثمن عن كل دم سال في غير مكانه.
لكن جزءا أساسيا من التعامل مع ما جرى يحتاج إلى علاج جذري، يجعلنا ننهي كل مسار يمكن أن يصل بنا إلى تكرار هذا المشهد. ولنتذكر أن التظاهر والمسيرات، أيا كان شكلها السياسي ومضمونها، هي وسيلة لنصل إلى الإصلاح وحل المشكلات. وليس مطلوبا الاعتصام إلى الأبد، بل أن نحقق النتائج، وبخاصة أننا على مسافات متقاربة، وتحت لواء الدستور والقانون. وكان يفترض أن تنتهي الحوارات التي قادها الملك إلى أن نجلس بواقعية لنصل إلى النتائج. وحتى بعد اللقاءات، فإن كل رسائل الملك كانت تحمل خطابا جادا لتحقيق الإصلاح على صعيد قانوني الانتخاب والأحزاب، ومكافحة الفساد، وحرية الجامعات سياسيا، وإصلاح الإعلام. لكن من دون أن تكون الإرادة كاملة لدى الجميع للجلوس والحوار، فإننا سنبقى نجد منفذا لمزيد من التوتر، وظهور عناوين سياسية جديدة نعلم جميعا مرجعياتها.
نحتاج سرعة أكبر وآليات أكثر فعالية في تحقيق الرؤية الإصلاحية التي يتفق الجميع على عناوينها، لكننا نحتاج إلى أن ندرك أن الحوار وحده هو الذي يوصلنا إلى الإصلاح وليس غيره. أما الشارع فإنه مرحلة ليفتح الأبواب أمام التوافق والحوار.
كل حريص على الإصلاح وأمن الأردن واستقراره يفترض أن يتخلى عن أي ذاتية أو بناء تحركه على أساس أن الظرف يسمح له بمكاسب أكبر. وعلينا أن نتحدث بلغة إصلاحية واضحة، وسقف لا يتغير كل يوم. ومن واجب الجهات الرسمية تفعيل آليات الوصول إلى النتائج، وأهمها قانون الانتخاب.
إذا كنا جميعا نرفض ما جرى أمس، ونعزي أنفسنا بكل قطرة دم أردنية لرجل أمن أو مواطن، ونؤكد أن حق التعبير مقدس، وأن تكريس النموذج الأردني الإيجابي واجبنا جميعا، ونطالب بتحقيق يضع الأمور في نصابها.. إذا كنا نتفق على كل هذا، فإننا لن نصل إلى الإصلاح التوافقي إذا لم تكن طاولة الحوار هي التي نجتمع حولها وليس أي مكان آخر. ونتمنى أن يكون ما جرى بابا ندخل منه إلى طاولة الحوار.
نريد أن ننهي حالة الخندقة والمسيرات المتناقضة لمصلحة الدخول في حالة سياسية إيجابية؛ فالإصلاح مطلبنا جميعا. وحتى إن كان هناك من يرغب في مزيد من المسيرات، فلتكن في مكان لا يمس مصالح الناس ولا يعطل حياة المواطنين، لأن حق الحياة الطبيعية مقدس، مثلما حق التعبير مصون. لكن لنتذكر أن الإصلاح هو الهدف وليس أمورا أخرى.
الغد