إعادة بناء تحالف الإصلاح
بعد مرور ما يزيد على عام على ثورة الشارع العربي وانتفاضته على الاستبداد والفساد, استطاعت بعض الشعوب أن تقفز درجات عديدة على سلم الديمقراطية والتحرر, ودفعت ثمناً لذلك مهراً غالياً من الدماء والشهداء, وما زال أمامها عدة عقبات لتتربع على قمة الحرية وإعادة السلطة للشعب.
إلاّ أن بعض الشعوب ما زالت تدفع الثمن الباهظ, ولم تحقق بغيتها بالتحرر من الاستعمار الداخلي, الذي يثبت للقاصي والداني أنه لا يقل بشاعة ودموية عن الاستعمار الخارجي, وأن ظلم الأنظمة القمعية أشد مضاضة على الشعوب من ظلم الأجانب والأغراب.
أما في الأردن فإن العام المنصرم كان مليئاً بالتجارب والدروس المتعددة والمتنوعة على صعيد الحراك الشعبي وتفاعل مختلف الأطراف السياسية معه, وعلى الشعب الأردني الذي لم يحصد إلاّ العقير حتى هذه اللحظة أن يعمد الى إعادة النظر وتقويم كل ما جرى, وأن يستوعب الدرس جيداً من أجل إعادة بناء تجربة جديدة في الحراك الشعبي والإصلاح, وللحيلولة دون التردّي في حفرة الإحباط والفتور, وهذا يقتضي إعادة بناء تحالف الإصلاح على أسس جديدة واضحة, وتبني رؤية سياسية سليمة واضحة ومحكمة, تصلح لترتيب الخطوات العملية والفعلية بطريقة منهجية سليمة بعيدة عن النزق والانفعال وبعيدة عن التوتر والانغلاق, وبعيدة عن التقليد والاستنساخ.
أول معالم هذه الرؤية أن الإصلاح عملية شعبية بالدرجة الأولى بمعنى أنها من رؤية الشعب وصناعته وفعله وإنتاجه وانجازه, وأي عملية إصلاح ليست منحدرة من سلالة شعبية نظيفة, لن تحظى بالقبول ولا بالمصداقية, ولا بالتفاعل ولا بالنجاح.
وثاني معالم هذه الرؤية أن الإصلاح لا يمكن أن يتم ويتحقق من خلال المعادلة السياسية السابقة والقائمة, التي سمحت بإنتاج الفساد وتجذره, وتسيد نخب الفساد والفاسدين الذين احكموا قبضتهم على مؤسسات صنع القرار, وسيطروا على مقدرات الدولة ومواردها واحتكروها بعيداً عن المشاركة الشعبية الصحيحة والفاعلة, ولذلك لا بد من تغيير جوهري بالمعادلة وإعادة بنائها على أسس سليمة واضحة بالكامل, تتمحور حول إعادة السلطة الكاملة للشعب في اختيار الحكومات ومراقبتها ومحاسبتها وعزلها.
وثالث معالم هذه الرؤية أن الإصلاح لا يمكن أن يجري على أيدي الفريق الذي تحمل مسؤولية المرحلة السابقة والذي تلوث بالفساد عقلاً ويدا, وهذا يقتضي إيجاد فريق جديد نظيف يتولى مسؤولية صياغة المرحلة الجديدة, ويتمتع بشرعية شعبية أصيلة.
ورابع هذه المعالم إبعاد المنافقين والمتزلفين عن الصف الإصلاحي, وإبعاد أعداء الإصلاح عن اختراق تحالف الإصلاح وان لا يسمح لصنائع الفساد والمتواطئين مع الاستبداد أن يتحدثوا باسم الإصلاح, وان لا يسمح لمروجي الإشاعات والافاكين الذين افنوا حياتهم في خدمة أجندات أصحاب الثراء المشبوه أن يكون لهم موضع قدم في الصف الإصلاحي, والذين يعمدون الى تفريق الصف الإصلاحي وشرذمته, وزرع الأسافين بين مكوناته الكبرى.
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span