إصلاح مجلس الوزراء
رغم انشغال الحكومات السابقة في اصلاح القطاع العام بوساطة برامج وخطط جرى ترجمتها عن طريق شركات استشارية اجنبية ووكلائها الرسميين إلا ان النتيجة العامة هي مزيد من الترهل الاداري وضعف الانتاجية ومزيد من التعقيدات الادارية في مختلف وزارات ومؤسسات الدولة.
حتى مجلس الوزراء الذي يُفترض فيه ان يكون مثالا للاصلاح الاداري كان احد معاقل الترهل والبيروقراطية والتجاوز على الانظمة, فالمجلس كان يعمل من دون مؤسسية عمل, لا بل انه جرى في السابق محاولات صريحة لتجاوز دوره من خلال ايجاد انظمة ومؤسسات لها قوانين مستقلة لاتخاذ قرارات وتمرير صفقات مشبوهة بعيدة عن مسألة الحكومة وبحجة تسريع اتخاذ القرارت وتسهيل الاجراءات الاستثمارية, والحقيقة ان تلك كانت بهدف تفكيك المؤسسات الرسمية وبعثرة القرارات الحكومية وخلق ازدواجية في العمل الرسمي.
اليوم جرى في التعديل الوزاري الاخير لحكومة الرفاعي استحداث منصب وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء, والواقع ان هذا المنصب جاء بعد التغييرات التي شملها مكتب رئيس الحكومة في الشهور الاربعة الاولى من تشكيلها عقب تعديلات اجراها في بعض المناصب خاصة فيما يتعلق بمنصب الدكتور معن النسور حينها الذي تم تصميمه ليكون همزة الوصل التنفيذية والتنسيقية بين الرئيس وطاقم وزارته, الا ان التصميم للمنصب افشل المشروع حينها والذي على اثره جاء التعديل في مكتب الرئيس, وذلك لانه لم يخلق اساسا ومن رحم الدولة اي منصب رسمي لتولي لتلك المهمة التنسيقية, ولم يكن هناك قانون ينظم تلك العملية اساسا او يحميها او يدفع بتنميتها, كما ان الوزراء لا يتقبلون أية توصيات او متابعات من أية جهة حتى لو كانت بتعليمات من الرئيس اذا كان لقب الشخص المعني اقل درجة من رتبة وزير.
منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء هو الوجه الحديث للمهمة السابقة لكن باسلوب تجاوز فيه الرفاعي الاخطاء التي وقع بها في السابق, فهو جاء بوزير سابق له خبرة طويلة في عمل الحكومات, وجرى استحداث النظام الاداري لرئاسة الوزراء وتم توشيحه بالارادة الملكية ليضمن ديمومة العمل بغض النظر عن الوزير او الحكومة الموجودة.
المنصب الجديد سيكون بمثابة المطبخ الرئيسي لمجلس الوزراء, وهو معني بجميع التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تناقش في قاعة اجتماعات الوزراء, والجديد في الامر, ان اسلوب العمل للوزراء ولكبار المسؤولين سيكون وفق منهجية جديدة تؤسس لمرحلة حديثة في اصلاح اهم مؤسسة تنفيذية للحكومة وهي مجلس الوزراء التي جرى تهميش دورها في عهد الحكومات السابقة نتيجة التغول عليها من مؤسسات ومسؤولين متنفذين نجحوا في جعل تلك المؤسسة هيئة ثانوية في المشهد الرسمي لاجهزة الدولة.
وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء سيعمل على تقديم المشورة للرئيس فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي وادارة مجلس الوزراء, لذلك يفترض ان يكون هناك كفاءات قادرة على تقديم تلك الخدمات لا ان يتم الاعتماد على شركات اجنبية كما حدث في السابق.
المنصب الجديد يعزز آلية صنع القرار ووضع معايير لجدول اعمال مجلس الوزراء, وبالتالي يفترض ان يتم الغاء التشوهات السابقة المتمثلة في قيام الوزراء بتمرير قرارات وعرضها على المجلس في آخر لحظة من دون اعداد مسبق لها.
من المفترض ان نسمع عن اداء سياسي لمجلس الوزراء وان لا يكتفي بالتصريح الاعلامي الخجول الذي اعتاد الاردنيون على قراءته عقب جلسة مجلس الوزراء والمتمثل اساسا في تعيين فلان او احالة فلان على التقاعد. المواطن بحاجة ان يرى ويسمع ما يدور في مجلس الوزراء من نقاش حول السياسات العامة والقضايا المختلفة.
من المهام الصعبة والمطلوبة لتعزيز الاصلاح في المجلس هي عملية التوثيق التي ستُناط بفريق الرئاسة التابع للمنصب الجديد, فليس معقولا ومقبولا ان لا تكون هناك محاضر اجتماعات لمجلس الوزراء, وقد عانينا في »العرب اليوم« الكثير من ذلك خاصة عندما حاولنا ان نعلم ما جرى في جلسة مجلس الوزراء يوم 21 من شهر ايلول سنة 2007 التي جرى فيها مناقشة اتفاقية الكازينو الشهيرة حينها, حيث قالت لنا الجهات الرسمية في الرئاسة انه لا توجد محاضر اجتماع لمجلس الوزراء.
مشروع اصلاح مجلس الوزراء وان كان متأخرا إلا انه خطوة مهمة لاعادة هيبة الدولة ومؤسساتها وفق احكام الدستور وازالة التضاربات والتشوهات في العمل الرسمي, لكن الضامن لنجاح تلك العملية هو مدى تقبل الوزراء وكبار المسؤولين لتلك الفكرة والابتعاد عن الشخصنة من جهة, والعمل الجاد من فريق الرئاسة في اعداد الاولويات حسب المصلحة الوطنية بشكل نزيه لا يعطي افضلية لاحد.
العرب اليوم