من عجائب الدنيا أن يبدأ دعاة الإصلاح الترويج لحالة الطوارئ.
فمنذ يومين تزدحم الساحة السياسية بمبادرات تدعو إلى إعلان حالة الطوارئ المؤقتة، للخروج من الحالة السياسية التي تمر بها البلاد.
آخر المبادرات طرحها وزير الإعلام السابق الزميل راكان المجالي، تتمحور المبادرة حول قانون الانتخاب الحالي كسبب مباشر للأزمة وكيفية الخروج منه، وخصوصاً بعد حل مجلس النواب وانسداد آفاق المخارج الدستورية التقليدية، بما يدفع إلى التفكير بقانون مؤقت يرتبط بإعلان حالة طوارئ مؤقتة، بما في ذلك تأجيل قصير لموعد إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة إلى موسم الربيع المقبل.
أيضا وفي مبادرة تحت عنوان "هل فات الأوان" طرح الزميل محمد أبو رمان مبادرة أخرى وفي السياق ذاته تقول "المخرج الوحيد الذي يراه السياسيون يتمثّل في المادة 94 من الدستور؛ في التعامل مع القوانين المؤقتة، وذلك بأن تصدر المحكمة الدستورية فتوى بأنّ الأوضاع السياسية الحالية في البلاد أقرب إلى حالة الطوارئ التي تتيح للسلطة التنفيذية إصدار قوانين مؤقتة في ظل غياب البرلمان، ما يسمح بتعديل قانون الانتخاب، وفق التوافق الجديد".
لعلم الزميل أبو رمان فإن المحكمة الدستورية لا تصدر فتاوى أبداً، وليس من اختصاصها إصدار الفتاوى، لأنها باختصار تصدر قرارات بناء على قضايا تنظر فيها، ولا تتبرع بإصدار فتاوى.
لا أدري كيف يقبل دعاة الإصلاح أن يكونوا في لحظة ما دعاة لحالة الطوارئ، لحالة الأحكام العرفية.
متفقون تماما أن هناك حالة سياسية غير طبيعية تمر بها البلاد، وإذا كان النظام يتحمل جزءا كبيرا من هذه الأزمة فإن جماعة الإخوان يتحملون جزءا كبيرا أيضا، وهم الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الحالة.
منذ سنوات تمارس الجماعة سياسة استقواء على الدولة وعلى أصدقائها في المعارضة، كما مارست سياسة الحرد، والمقاطعة لكل شيء، قاطعت الحوار مع الحكومات، ورفضت المشاركة في عضوية لجنة الحوار الوطني، ولم تقبل بصفقة عون الخصاونة.
وعندما جاء الربيع العربي، ومالت الكفة في دول قريبة لصالح إخوانهم في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، أخذتهم مطالبهم اتجاهات أخرى، وأصبحوا لا يلتفتون إلى المكاسب الصغيرة، وتوسعت شقة الخلاف بينهما، ووصلوا مع الدولة وكل مندوبيها للحوار مع الإخوان إلى طرق مسدودة، لأنهم لا يريدون أن يلتزموا بشروط الدولة، ويريدون من الدولة وكل التيارات الأخرى في المجتمع أن تنحني لشروطهم.
بوضوح ،الإخوان الآن عالقون على الشجرة، وكل محاولات أصدقائهم المتأخرة لإيجاد حلول ما أصبحت أكثر صعوبة عليهم، فلا الدولة ورجالاتها وحلفاؤها يقبلون أن يخضعوا لإملاءات الإخوان، خاصة بعد أن نجحت الدولة في تسجيل أكثر من مليونين للانتخابات، ولا الإخوان في حالة تنظيمية تسمح لهم بالعودة عن قرار المقاطعة مجانا من دون أن يقدموا شيئا لقواعدهم.
الشيء الوحيد والطبيعي أن يعود الإخوان إلى الحالة السياسية ويشاركوا في الانتخابات بعد الحصول على تعهدات بنزاهة الانتخابات، وهم يعرفون أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا في الشارع أكثر مما فعلوه في مسيرة الجمعة الماضية.
لكن الشيء الذي يستحق الدعم والاهتمام من الدولة ومن كل دعاة الإصلاح بدلا من الدعوة إلى حالة الطوارئ، هو تعزيز الخيار الثالث في المجتمع، خيار القوى الديمقراطية المؤمنة بالتعددية، قولا وفعلا.
العرب اليوم