أسعار الغذاء تتراجع عالميا وترتفع محليا!
حزمة الاجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا فيما يتعلق بتعديل التعرفة الكهربائية واعادة تسعير بعض المشتقات النفطية يبدو انها حاولت ان تتجنب قدر الامكان التأثير على استقرار الاسواق المحلية, من خلال التركيز على قطاعات قادرة على تحمل تبعات الزيادة الجديدة, الا ان ذلك قد لا يكون مضمونا اذا لم تواكبه مراقبة دقيقة لحركة الاسعار والاجور, فيما اذا كان الذين شملهم رفع الدعم لن يقوموا بتجيير الاضافات التي فرضت عليهم لتصب على المتعاملين معهم ايا كانوا جهات ام افرادا ليقع المحذور في ارتباكات من غير المعروف مداها.
من المبكر الحكم على انعكاسات مثل هذه القرارات التي تأتي في سياق ما تعهدت به الحكومة للتخفيف من ازمتها المالية خلال موازنة العام الحالي, لان ما هو متعارف عليه من خلال التجارب السابقة في هذا الشأن, ان هنالك الكثير من القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية تتحين الفرصة في مواجهة الاجراءات التي تمس مصالحها, لكي تردها الى غيرها عن طريق غلاء في الاسعار وارتفاع للاجور يدفع ثمنها المستهلك ومتلقي الخدمة اولا واخيرا.
لعل اهم التحسبات التي يترقبها المواطنون هو مدى التغييرات المنتظرة التي ستطرأ على اسعار المواد الغذائية تحديدا, ما دامت تشكل حوالي اربعين بالمئة من نفقات الاسرة الاردنية, حيث تتحكم في ذلك عوامل داخلية وخارجية معا من حيث ارتفاع التكاليف على التجار والمستوردين والصناعيين نتيجة تطبيق الاجراءات المتخذة او ما هو قادم منها على الطريق, وكذلك الحال بالنسبة لمعدلات الاسعار العالمية سواء كانت ارتفاعا او انخفاضا, فاذا ما ارتفعت في بلاد المنشأ سارعنا الى الاستفادة من رفعها بلا اية ضوابط مع ان الكميات المتوفرة هي بالاسعار السابقة, اما اذا ما انخفضت فيتم الاكتفاء برفع بسيط او استقرار السعر المحلي كما هو عليه بلا اي تغيير في احسن الاحوال.
ما يؤكد ذلك ان احدث البيانات التي اظهرتها الاحصاءات العامة الاردنية ومؤشر متوسط اسعار الغذاء لمجموعة البنك الدولي انه رغم انخفاض متوسط اسعار الغذاء العالمية خلال الثلث الاول من العام الحالي 2012م بنسبة 27% مقارنة بذات الفترة من العام الماضي, الا ان الرقم القياسي لاسعار المستهلك للغذاء محليا ارتفع بنسبة 3.8% خلال ذات الفترة, مما يبين الاتجاه الصعودي الواضح لاسعار المواد الغذائية في الاسواق المحلية بعدما بلغ الفارق بين معدل الاسعار المحلي والعالمي اكثر من ثلاثين بالمئة لصالح المستوردين.
تشير هذه الاحصائيات على سبيل المثال انه على مستوى الحبوب فقد تراجعت الاسعار محليا بنسبة 1.54% خلال الثلث الاول من هذا العام في حين تراجع متوسط اسعار الحبوب العالمية بنسبة 22.7% خلال ذات الفترة, والحال ذاته ينطبق على الزيتون والدهون التي ارتفعت في الاسواق المحلية بنسبة 3.48% رغم انها تراجعت عالميا بنسبة 30% في فترة المقارنة نفسها.
هذه الدلالات تعني ان ما يجري في الاسواق المحلية يتجاوز في مؤشراته الداخلية والخارجية كل المعايير المعتمدة في حركة الاسعار صعودا او هبوطا, بما يدل على ان المستهلك يظل هو الحلقة الاضعف التي لا حول لها ولا قوة في الاذعان لما تطرحه الاطراف التي يتعامل معها من جهات تجارية وصناعية وخدمية على اختلاف مجالاتها, اما حمايته وضمان حقوقه فما زالت تشريعاتها تراوح مكانها على مدى سنوات طوال من دون اقرار!
span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span