أخطأ "الإخوان"..

أخطأ "الإخوان"..
الرابط المختصر

تنسيب قرار مقاطعة الانتخابات من قبل الحركة الاسلامية بأنه جاء بناء لفقدانها الامل في التغيير الديمقراطي، وانها قاطعت لكونها لا تريد الاستمرار بإعطاء شرعية لقرارات "خاطئة" لا تتوافق ورؤيتها، امر مهم وكلام استراتيجي كبير وعميق.

لكن اذا توقع الإخوة في الحركة الإسلامية أننا سنصدق ونبتاع هذه الصحوة الاستراتيجية الاخوانية المفاجئة فهم واهمون، لأن لا تاريخهم السياسي الحديث يدعم قصتهم ولا خلافاتهم البينية تشي أن بمقدورهم تبني هذا الخطاب السياسي الاستراتيجي الجديد.

قرار المقاطعة يأتي لأسباب الخلاف الداخلي الإخواني، واستمرار النار بالاشتعال تحت الرماد، ولضعف القيادات الاخوانية في التأثير بقواعدها السياسية واقناعها بجدوى وضرورة المشاركة، ما يعزز قناعة ازمة القيادة داخل صفوف الاسلاميين، ولأن من يتهمون بالاعتدال داخل الحركة الاسلامية لم يجدوا مفرا إلا ان ينظرّوا للمقاطعة إثباتا لولائهم للحركة وانتمائهم لتيارها السياسي العريض.

لو كانت الحركة الاسلامية جادة في أسبابها الموجبة للمقاطعة لبدأت بالتهيئة لذلك منذ سنوات، على الأقل في خطاباتها النظرية، ولوجدت الآن كثيرين يصطفون خلفها، ولكنها بهذا القرار تهرب للأمام من دون أي مسوغ سياسي مقنع.

سبب المقاطعة الوحيد، الذي قد يجد آذانا صاغية، هو عدم وجود اتصال مباشر بين الحركة الإسلامية والحكومة، فربما لو انه تم دعوتهم لمائدة الكبار والحديث معهم حول الانتخابات بكل تفاصيلها لكان لهم موقف آخر.

قرار الحركة خاطئ ولا ينسجم مع تاريخها السياسي القديم والحديث، فقد كان لتواجدها في المؤسسات السياسية أكبر الأثر في التأثير، واحيانا توقيف بعض القرارات التي تعارض، وهي وان لم تستطع ايقاف بعض السياسات التي تتنافى مع مبادئها إلا ان وجودها وتثبيتها لرأيها أسهم في الحراك السياسي العام. المثل الأوضح على ذلك مقاطعة الإسلاميين لكلمة كلنتون في البرلمان عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل: فلو أنهم لم يكونوا في البرلمان لما قاطعوا الكلمة احتجاجا ولا علم عنهم العالم بأسره. المقاطعة، ايضا، لا يمكن أن تعني التقاعد السياسي للحركة الاسلامية، فإذا ما كانت مرحلة العمل المقبلة ستركز على العودة للدعوة والإسهام في إصلاح المجتمع فهذا خير، اما اذا كانت الحركة ستلجأ لمنابر اخرى للتعبير عن نفسها مثل الجامعات والبلديات كما فعلت في السابق، ما قد يزيد من منسوب التسييس في هذه المؤسسات ويبعدها عن اهدافها النبيلة، فهذا غير مقبول. الانتخابات ستحدث وستنتج مجلسا شبيها بالرابع عشر، وسيشارك بعض من منتسبي الحركة أو المتعاطفين معها، وقد يترشح بعضهم، فالمجتمعات تسير بمن حضر وأسهم، أما من استمرأ الاعتزال في لحظة حاجة مجتمعه له فقد خرق قواعد السلوك وأخلاقيات العمل السياسي. قرار المقاطعة لن يؤثر إلا قليلا على إجراء الانتخابات، بل من إيجابياته أنه سيعطي مساحة سياسية لقوى إسلامية اخرى للصعود والتعبير عن هذا اللون السياسي المهم والأساسي في المجتمع الاردني. قرار المقاطعة ليس نهاية المطاف بالضرورة، ولا نرى ضيرا في حوار بين الحكومة والحركة مباشر أو من خلال وسطاء سياسيين، ولكن "فقط" على قاعدة هديهم لسواء السبيل وجلبهم لجادة الصواب، وليس لتقديم اي تنازل سياسي غير مبرر.