أحكام السؤال والاستجواب في النظام الدستوري الأردني

أحكام السؤال والاستجواب في النظام الدستوري الأردني
الرابط المختصر

في آخر دراسة أعدها مرصد البرلمان الأردني بمركز القدس للدراسات السياسية حول أداء النائبات الأردنيات في مجلس النواب السادس عشر تبين أن النائبات قد تفوقن على زميلاتهم في البرلمان السابق بعدد الأسئلة البرلمانية، في حين أنهن لم يوجهن أي استجواب للحكومة.
إن مثل الدراسة والأرقام التي تضمنتها حول السؤال والاستجواب يدفعنا إلى البحث في أحكام كل من السؤال والاستجواب في النظام الداخلي لمجلس النواب وذلك بغية الوقوف على فاعليتها وقدرتها على تنظيم أهم صورتين من صور الرقابة السياسية المقررة لمجلس النواب على السلطة التنفيذية. فالسؤال وفقاً لأحكام المادة (114) من النظام الداخلي لمجلس النواب هو استفهام العضو من رئيس الوزراء أو الوزراء عن أمر يجهله بشأن من الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم أو رغبة في التحقيق من حصول واقعة وصل علمها إليه، أو استعلامه عن نية الحكومة في أمر من الأمور. فطبيعة السؤال تتمحور حول قيام النائب بتجميع معلومات من الوزير حول واقعة معينة أو قرار اتخذه يتعلق بشؤون وزارته. لذا فهو حق شخصي فردي بحيث لا يجوز أن يوقع السؤال أكثر من نائب واحد كما لا يجوز توجيهه إلا لوزير واحد، والذي يكون ملزماً بالإجابة على السؤال خطياً خلال مدة أقصاها ثمانية أيام من تبليغه السؤال.
أما فيما يتعلق بشروط السؤال فقد قسّمها النظام الداخلي لمجلس النواب إلى شروط شكلية وشروط موضوعية. فالشروط الشكلية تتمثل في ضرورة أن يقدم السؤال إلى رئيس المجلس مكتوباً، وأن يكون موجزاً، وأن ينصب على الوقائع المطلوب استيضاحها، وأن يخلو من التعليق والجدل والآراء الخاصة.
أما الشروط الموضوعية للسؤال فتتمثل في عدم مخالفته لأحكام الدستور، وألا يشتمل على عبارات نابية أو غير لائقة، وأن يخلو من ذكر أسماء الأشخاص أو المس بشؤونهم الخاصة، أو أن يكون في السؤال مساس بأمر تنظره المحاكم، كما لا يجوز أن يشير السؤال إلى ما ينشر في الصحف.
إن الشروط السابقة، وتحديداً الموضوعية منها، قد جاءت للتضييق من نطاق السؤال إلى أكبر حد ممكن وذلك من خلال اشتراط أمور غير موضوعية تتنافى مع الغاية من تقرير الأسئلة البرلمانية والتي تتمثل في حظر توجيه السؤال الذي يشير إلى أسماء الأشخاص أو الذي يشير إلى ما ينشر في الصحف. فما الضرر من أن يشير السؤال إلى أسماء أشخاص معينين ارتبط بهم قرار الوزير أو تصرفه الحكومي، أو أن يشير السؤال إلى ما هو منشور في الصحف عن أحد الوزراء؟.
إن للنائب الحق في الاستفهام من الوزير عن أي أخبار أو تقارير صحافية وردت في أي من الصحف الورقية أو الإلكترونية؛ حيث يفترض أنه في مصلحة الوزير أن يتم توجيه مثل هذه الأسئلة له حتى يتمكن من الرد وتفنيد أي إدعاءات أو اتهامات غير قانونية وجهت له من خلال التقارير الصحافية.
ومن أحكام السؤال الأخرى التي تمتاز بالتعارض وعدم الفعالية، أن النظام الداخلي قد أجاز تحويل السؤال إلى استجواب إذا لم يقتنع النائب بجواب الوزير وذلك استناداً لأحكام المادة (118) من النظام الداخلي لمجلس النواب. كما يمكن تحويل السؤال إلى استجواب إذا لم تجب الحكومة خلال مدة شهر من ورود السؤال إليها استناداً لأحكام المادة (121) من النظام الداخلي لمجلس النواب. إن التساؤل الذي يثور هنا هو مغزى تقييد الوزير بثمانية أيام للرد على السؤال إذا كان النظام الداخلي يعطي الحكومة فرصة أخرى هي شهر من تاريخ ورود السؤال إليها للإجابة عنه قبل أن يتحول إلى استجواب. فما حكم السؤال الذي لم يقم النائب بالإجابة عليه رغم مرور ثمانية أيام؟ فهل يمكن تحويله إلى استجواب؟. كما ما الحكمة من إعطاء "الحكومة" مهلة شهر أخرى للإجابة على السؤال حسب المادة (121) من النظام الداخلي في الوقت الذي يُعد فيه السؤال حقاً شخصياً فردياً يوجه من نائب واحد لوزير واحد.
أما فيما يتعلق بالاستجواب؛ فقد عرفته المادة (122) من النظام الداخلي لمجلس النواب بأنه محاسبة الوزراء أو أحدهم على تصرف له في شأن من الشؤون العامة. فالفرق بين السؤال والاستجواب هو أن طبيعة السؤال تقتصر فقط على جمع معلومات حول واقعة أو قرار معين صادر عن الوزير، في حين أن الاستجواب يرقى إلى مستوى محاسبة الوزير سياسياً عن أي تصرف له في شأن من الشؤون العامة. لذا فمن الطبيعي أن يكون الاستجواب حق غير ذي شخصي وفردي بحيث يمكن للعضو أن يستجوب وزير أو أكثر.
ويشترط في الاستجواب ما يشترط في السؤال من حيث الشروط الشكلية والموضوعية. لذا فإنه يحظر أن يتضمن الاستجواب الموجه للوزير أسماء أحد الأشخاص، أو أن يشير الاستجواب إلى ما ينشر في الصحف، وهو ما يُعد تقييداً غير مبرر من نطاق الاستجواب من شأنه أن يحد من طبيعة الرقابة السياسية التي قررها الدستور الأردني لأعضاء مجلس النواب على السلطة التنفيذية.
أما إجابة الوزير على الاستجواب فيجب أن تكون خطية وخلال أسبوعين كأقصى حد، إلا إذا رأى رئيس المجلس أن الحالة مستعجلة ووافق الوزير على تقصير المدة. كما يمكن أن يطلب الوزير من رئيس المجلس تمديد المدة السابقة إذا كان الجواب يقتضي إجراء تحقيق أو جمع معلومات يتعذر معها تقديمه خلال المدة المحددة.
إن الأثر المترتب على عدم اقتناع النائب برد الوزير هو أن يطلب تحويل الاستجواب إلى طرح الثقة بالوزير المتخصص أو بالوزارة كاملة بعد أن يبين أسباب عدم اقتناعه، لكن مع مراعاة أحكام المادة (53) من الدستور التي تشترط لعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير منها أن يقدم طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب.
إن ما يؤخذ على النظام الداخلي لمجلس النواب فيما يتعلق بالاستجواب أنه لم يعتبر حالة عدم إجابة الوزير على الاستجواب المقدم خلال مدة الأسبوعين أو أي تمديد يطلبه الوزير سبباً لتحويل الاستجواب إلى طرح ثقة. فالوزير المستجوب يعي تماماً أن عدم قيامه باحترام موعد تقديم الجواب على الاستجواب لن يكون له أي عواقب دستورية، حيث لا يملك النائب أن يطلب تحويل الاستجواب إلى طرح ثقة بسبب عدم قيام الوزير بالرد خلال المدة القانونية. كما أن كلا من السؤال والاستجواب المقدمين في دورة سابقة لايمكن إدراجهما في جدول أعمال دورة لاحقة إلا إذا صرّح مقدموها بتمسكهم بهما بكتاب خطي يقدمونه لرئيس المجلس، وهو ما يعكس عدم جدية النظام الداخلي في التعامل مع الأسئلة والاستجوابات المقدمة والتي يجب أن يتم إدراجها في جدول أعمال أية دورة برلمانية لاحقة من دون طلب مقدميها وذلك نظراً لأهميتها الدستورية.
إن الأحكام السابقة المتعلقة بشروط إجازة كل من السؤال والاستجواب والتي جاءت ضيقة أكثر من اللزوم وعدم وجود آلية قانونية واضحة لإلزام الوزراء باحترام المواعيد الدستورية لتقديم ردودهم على الأسئلة والاستجوابات قد جعل من هذه الوسائل الرقابية من مجلس النواب على الحكومة غير ذي جدوى في الواقع العملي. لذا فهناك حاجة ملحة لمراجعة أحكام السؤال والاستجواب في النظام الداخلي لمجلس النواب لتفعيل مثل هذه الآليات الرقابية ولتحقيق الغاية من وجودها. ففي ظل الأحكام الحالية للسؤال والاستجواب، فإن التعديلات الدستورية الأخيرة التي هدفت إلى إعادة التوازن في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تصبح غير ذي قيمة فعلية لاستمرار نهج هيمنة السلطة التنفيذية على مهمات وصلاحيات السلطة التشريعية.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم