أن يذهب الإخوان المسلمون اليوم الى مجمع النقابات المهنية لعقد مؤتمر صحافي حول "مسيرة الجمعة" ، لا يعني بالضرورة أن النقابات المهنية بمجملها موافقة على المشاركة في المسيرة.
كان بإمكان جماعة الإخوان أن يعقدوا كعادتهم دائما المؤتمر في مقر حزبهم، لكنها "معركة" سوف تستخدم فيها الاسلحة كلها ، البحث عن المناصرين، بعد أن تخلى الرفاق والاصدقاء وعادوا إلى رشدهم السياسي، وتركوا الإخوان المسلمين وحدهم يحملون وزر المسيرة، وتوسيع قاعدة الشراكة مع اعضاء حزبهم في النقابات، مع أنهم يعلمون جيدا أن أي قرار من أية نقابة ليس ملزما لاعضائها في المشاركة أم عدمها، في المسيرة، فلو عمّم نقيبا المهندسين والمهندسين الزراعيين (العضوان في الإخوان) بيانا لأعضاء نقابتيهما بضرورة المشاركة فهذا لا يعني جوازا قرارا واجب التنفيذ سوى من اعضاء الاخوان في النقابتين، وكانت الحركة أصلا قد عمّمت على جميع كوادرها الاصحاء والمرضى بضرورة المشاركة في المسيرة.
لمسيرة الاخوان المسلمين هدف واحد، هو ضرب العملية الانتخابية، فلا برنامج اصلاح ولا غيره من المبررات التي تساق من قبل قيادات الجماعة يمكن أن يكون مقنعا الآن، وقد بقي الاصلاح متعثرا برأي الجماعة منذ انطلاقه، فماذا حصل الآن، ولماذا هذه الجمعة تحديدا؟.
قلت أكثر من مرة، إن جماعة الاخوان أذكى في التكتيك من الدولة، وهم قادرون على أخذ الدولة بأجهزتها كافة إلى الملعب الذي تريد، وتختار المباراة، وساعة اللعب، وأيضا الحكام إن أرادت، وهذا ما فعلته في أكثر من موقع.
الدولة، مثل الاخوان، لم تستوعب حتى الآن أن الجماعة خرجت من حضنها، والاخوان ايضا لم يستوعبوا انهم خارج حضن الدولة، لهذا فاللعب الان على المكشوف بين الفريقين، مع انهما عملا ويعملان على ادامة الثنائية المعروفة (الدولة والاخوان)، لكن يبدو ان شروط اللعب اصبحت في غير صالح الطرفين، فتغيرت النظرة لبعضهما بعضا.
مسيرة الاخوان، حق طبيعي، لاي حزب سياسي ان يستعرض قوته، لكن على ان تكون اهداف المسيرة، ومطالبها واضحة تماما، وليس كما هو حاصل الآن، ( وراء الأكمة ما وراءها)، وهذا لا يعني أن الطرف الآخر، لا يضمر اهدافا أخرى، فإذا تقابلت الجمعة مسيرتان، واحدة للاخوان والثانية للدولة، فلا احد يضمن ساعتها أن تبقى الأمور سلمية، حتى لو أصدر الإخوان مئات التعاميم، وابلغوا مئات الرسائل، فلا أحد يستطيع ضمان لحظة جنون من أي طرف مشارك في المسيرة، وعندها فإن كل عقال الاخوان والدولة لن يستطيعوا لملمة جراحها (لا سمح الله).
الامور لم تنته حتى الآن، وبإمكان الطرفين أن يجلسا حول طاولة الحوار، ويتفقان على شكل المسيرة، واهدافها وساعتها، ويضمنان سلامة المشاركين فيها، لان كل اصلاح العالم لا يساوي أن نخسر قطرة دم تذهب مجانا من اي مشارك في المسيرتين، وها نحن نرى كيف تخسر المجتمعات السلم الاجتماعي عندما يكون اصلاحها بالدم، لا بالتوافق السلمي.
إذا لم يتفق الطرفان (وانا ضد وضع الدولة في مواجهة الاخوان. فالواهمون بقوة الاخوان وقدرتها على تحريك الشارع سوف يكتشفون أن الارقام التي تتحدث عنها الجماعة سراب، وليست واقعية ابدا) فلا يبقى لنا سوى الحل الالهي ،الوسيلة الوحيدة ، لمنع الصدام المحتمل، وتكون الجمعة المقبل (جمعة شتاء غزير)، تمسح برحمتها على قلوبنا جميعا، من اجل ازالة ما علق بنا من اوساخ الدنيا، وقذارة السياسة وانتهازيتها.
العرب اليوم