«خدمة العلم» وملف الأرقام الوطنية
يقف الآلاف من الشباب في طوابير، أمام دائرة التعبئة، بعد ان تمت دعوتهم لاجل خدمة العلم، واعمارهم تتراوح بين الثامنة عشرة، والسابعة والثلاثين.
أغلب هؤلاء يعتقدون انه لم تتم دعوتهم بهذه الطريقة الا لوجود توجه غير معلن حالياً لاعادة خدمة العلم،ولو بشكل مختلف، ولايصّدق هؤلاء ان القصة روتينية، وتشاهد بأم عينيك آلاف الاشخاص والسيارات وهي تحيط بمبنى التعبئة في «دابوق».
لا يصدقون أنها روتينية، لانها برأيهم لو كانت كذلك لشملت الأعمار المطلوبة، فعلياً من عمر الثمانية عشرة إلى عمر الاثنين والعشرين فقط.
فوق ذلك يتذمر كثيرون من هذا الوضع، لان بعضهم خارج الأردن، ولا يعرف كيف سيقوم بتصويب أوضاعه، وهل يؤثر ذلك على عمله أو وظيفته، وهل سيتم سؤاله حال عودته الى الاردن، وتعريضه الى اي اجراءات؟!.
مع ماسبق قامت «التعبئة» في فترة ما، باحالة كل من له تصريح اقامة في الضفة الغربية، ويحمل بطاقة صفراء، أو ولد أحد والديه في الضفة الغربية الى دائرة المتابعة والتفتيش للتأكد من مواطنته.
مراجعة المتابعة والتفتيش باتت في كل شيء،من تجديد الجواز،الى اي معاملة اخرى،مما يجعل كثرة تعتقد انها في الطريق الى سحب الرقم الوطني في اي لحظة، ولاي سبب او اجتهاد، فتعيش تحت وطأة المخاوف والارباك والذعر.
جعل الرقم الوطني هاجساً يومياً، بات ُمربكا لحياة كثيرين، خصوصاً، حين تواجههم القصة عند كل حركة وسكنة ومعاملة، ولم يبق سوى مراجعة دائرة المتابعة والتفتيش في دفع فواتير الكهرباء والمياه.
يتفهم المرء دور دائرة المتابعة والتفتيش السياسي، لكننا نؤمن بطريقة «فنية» اخرى غير المراجعة الوجاهية،اي الذاكرة الالكترونية التي تحدد الفرق بين من هو مواطن او غير مواطن،وبشكل حاسم، بدلا من جعل العملية مستمرة، طوال العمر، و عند كل معاملة.
عرفت ابناء عشائر،ايضاً راجعوا المتابعة والتفتيش لمجرد ان امهاتهم ولدن في الضفة الغربية، او من جذور في الضفة، هذا على الرغم من ان اسم المواطن في هذه الحالة عنوان بحد ذاته، لعشيرة معروفة.
دعوة الشباب، عموماً لمراجعة «التعبئة» تركت ارتداداً ليس سهلا، فقد هزت شجرة الشباب،خصوصاً، بعد تلك الانشغالات في الحراكات السياسية في العالم العربي،وتم تذكيرهم بشكل مفاجئ ان حالة الاسترخاء السلبية،قابلة للطي رسمياً في اي لحظة.
خدمة العلم يجب ان تعود،بشكل مختلف، عما سبق وقد كان هناك اكثر من مشروع لاعادتها، لمدة قصيرة، يمزج بين الخدمة العسكرية والمدنية، الا ان قلة المخصصات والتمويل، أدت الى التراجع عن هكذا مشاريع.
لابد ان تعاد الخدمة حتى نتخلص من سلبيات كثيرة غزت الشباب، ونراها في الجامعات وكل مكان،وليس من سلبيات كعدم احترام البلد، والتجاوزعلى هيبة المؤسسة العامة والدولة، واطالة اللسان والعين على كل ماهو عام، والاستهتار بالموروث الوطني.
غير ان هذه العودة يجب ان تكون مصانة بشروط،أبرزها عدم الخلط بين المطلوبين وعدم المطلوبين،وقد كان بالامكان صياغة الدعوة لمراجعة التعبئة للاعمار المؤهلة للخدمة فقط، أي من الثمانية عشرة الى عمر الاثنين والعشرين.
وأن تكون هذه الدعوة عبر المدارس والجامعات كذات الأسلوب القديم، مع دعوة الآخرين من غير الطلبة بطريقة مناسبة، وفتح نافذة في كل سفارة أردنية في الخارج، من اجل التسهيل على الأردنيين في الخارج.
عودة خدمة العلم، أمر استراتيجي في بلد يقف على أطول حدود مع العدو، ومن اجل شد عود الشباب، وضبط ايقاعهم، ضمن الحد الادنى، ذلك الحد الذي يجعل الإنسان يعرف الفرق بين الوطن،واعتبار الوطن مجرد شقة مفروشة للاقامة.