عقد منتدى الفكر العربي، لقاءً حوارياً وجاهياً وعبر تقنية الاتصال المرئي، حاضر فيه أستاذ الفلسفة والعقائد والأديان المقارنة في جامعة الإمام الأوزاعي في لبنان د. أسعد السحمراني، وشارك بالمداخلات، في هذا اللقاء الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبو حمّور، المستشار الأسبق في الرئاسة اليمينة الأستاذ علي عبدالله الضالعي، والتربوية ومسؤول نقابة المعلمين في مدينة تعز اليمنية الأستاذة عبير عوض، والمفكر وأمين عام المنتدى الإسلامي للفكر والتنمية في داكار الدكتور الشيخ محمد سعيد باه من السنغال، ورئيس المجلس الأعلى الصوفي في فلسطين الدكتور الشيخ عبدالكريم نجم، ورئيس منتدى وزارة الأوقاف للحوار الفكري الدكتور الشيخ محمد العايدي، ورئيس الرابطة السورية للأمم المتحدة في سورية د. جورج جبور، ورئيس شبكة الإذاعات الإقليمية بالهيئة الوطنية الأستاذة منال هيكل من مصر، وحضر اللقاء عدد من المهتمين والباحثين والكتّاب.
أوضَح المُحاضر د. أسعد السحمراني أن التصدي للتحديات التي تواجه المجتمعات والأمة العربية وتؤدي إلى تجزئتها وتفككها يكون من خلال اعتماد المواطنة القابلة للتنوع والتعددية في إطار الوحدة الوطنية في كلّ بلد عربي، وفي فضاء العروبة الحضارية الجامعة، وإلتزام مسار حماية الدولة الوطنية بكل مكوناتها وهيكلياتها الإدارية بوصفها حافظة للنظام العام، والاستقرار، والسلم الأهلي.
وأشار د. السحمراني إلى أن الرسالات السماوية الخالدة والتي كان مقصدها تحقيق كلّ ما يصون كرامة الإنسان ويحفظ حقوقه، أكدت من خلال حاملي الرسالات – عليهم السلام – على محبة الوطن، والتعلق به، والتضحية من أجله، والرجوع إليه، مبيناً شخصية السيد المسيح عليه السلام التي اتسمت بحب الوطن من أعماق القلب والدعوة لذلك، ونصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي أكدت على الوطنية والمواطنة ونبذ التعصب والفكر الإلغائي.
ودعا د.السحمراني إلى صياغة خطاب فكري يحدد موجبات الالتزام الوطني، ويؤكد قيمة المواطنة والانتماء في حياة الشعوب والأمم، والعمل الجاد من قبل النخب والمفكرين لتحقيق الأمن الثقافي الذي يصنع فضاءً يحقق معه المواطن أسس الانتماء الوطني، وتوجيه الاستثمارات الوطنية للتربية على المواطنة من خلال مراجعة النص الديني والإيمان بلا تعصب، والوقوف على مخاطر أطماع الأعداء ومؤامراتهم ونشرها أمام أجيال الأمة وتقويتهم بأفكار وآراء تتناسب مع المراجع الدينية.
ومن جهته بَيّن د.محمد أبو حمّور أهمية تعزيز مفهوم المواطنة ونبذ الخلاف وتأكيد أهمية العيش المشترك، وإعطاء المواطنين حقهم من العيش الكريم القائم على أساس العدل والمساواة، مشيراً إلى أن هذا ينسجم مع تعاليم الإسلام السمحة، وما دعا إليه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في الأوراق النقاشية الملكية، وخصوصاً في الورقة السادسة المتضمنة البناء على ما هو مشترك، ونبذ الخلافات، وترسيخ سيادة القانون لتشمل جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء.
وبدوره لفت الأستاذ علي عبدالله الضالعي إلى أن قيم المواطنة لا تتعارض مع الشرائع السماوية وإنما تجعلها سلوكاً يحتكم إليه المجتمع، ذلك أن المواطنة تعكس متطلبات الدولة المدنية وآلياتها بالتعامل مع المواطنين، وتقوم على أساس الحوار الموضوعي، وتُخضِع الجميع لحكم سيادة القانون وليس لقوة القبيلة.
وأكدت الأستاذة عبير عوض أن غياب مفهوم المواطنة الصحيحة يعد عاملاً أساسياً في ما تمر به بعض الدول من حروب وأزمات اقتصادية واجتماعية وتدهور ثقافي وعلمي، وأن هذا كله يتم وفق مخططات استعمارية تركز على إثارت النعرات الطائفية والقبلية وتحريض الأقليات العرقية.
وتناول د.محمد سعيد باه أسس التربية الصالحة والتنشئة التي يجب أن تنشأ عليها الأجيال القادمة، مشيراً إلى ضرورة أن تنبثق هذه الأسس من القيم التاريخية والتراثية والهوية الثقافة في المجتمعات العربية.
وتحدث د.عبد الكريم نجم عن أهمية التوجه نحو تحرير الموروث الثقافي والديني من المؤثرات الخارجية التي تنال من سلامة النسيج الاجتماعي الوطني الجزئي لكل دولة على حدا، والكلي للدول العربية في المنطقة.
وبَيّنَ د.محمد العايدي أن المشتركات الإنسانية هي التي تشكل المواطنة، وأنها تقوم على وحدة الدستور والأهداف للدولة، ووحدة الأرض، ووحدة المصير المشترك، وتسعى إلى تحقيق الثوابت والمبادئ والحقوق التي وضعها الإسلام وفرضتها القوانين العالمية.
وقال د.جورج جبور: إن المواطنة تعني الانتماء الجامع الذي يقبل التنوع والتعددية، موضحاً بأن المنطقة العربية تقوم في أساسها على الشريعة الدينية التي تدعو إلى الانتماء للوطن والأرض والعقيدة، مشيراً إلى أهمية تطبيق مفهوم المواطنة على أرض الواقع في الدول العربية على الرغم مما يحمله من تعقيدات وتحديات داخلية وخارجية.
وأشارت الأستاذة منال هيكل إلى دور الإعلام في قضية المواطنة وبناء الإنسان، لكونه يعد أحد المنابر المهمة في صنع القرار والتعبير عن الآراء المختلفة، وذلك من خلال تعزيز فكرة الانتماء الوطني، والارتقاء بالرؤى المختلفة التي تطرح أفكار تقدم الشعوب، مع التوعية بالحقوق والواجبات لتصبح هذه الشعوب بدورها جزءاً من القيمة المضافة في عملية التنمية، وهو ما تسعى المجتمعات العربية إلى تحقيقه.