لقاء بمناسبة مئوية الدولة حول الحركة الثقافية والأدبية الأردنية منذ التأسيس وحتى اليوم

عقد منتدى الفكر العربي، يوم الأربعاء 03/02/2021، لقاءً حوارياً عبر تقنية الاتصال المرئي، حول الحركة الثقافية والأدبية الأردنية في مئة عام، حاضر فيه د. سمير قطامي أستاذ النقد والأدب العربي الحديث. وشارك بالمداخلات في اللقاء، الذي أداره الوزير الأسبق وأمين عام المنتدى د. محمد أبوحمور، كل من: الأستاذ هزاع البراري أمين عام وزارة الثقافة، والكاتب الروائي والناقد الأدبي المغربي الأستاذ أحمد المديني، وأستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة قطر د. امتنان الصمادي، وأستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة البلقاء التطبيقية الناقد د.عماد الضمور، و أمين سر رابطة الكُتاب الأردنيين الناقد الأستاذ محمد المشايخ.

ناقش المُحاضر د. سمير قطامي دور الملك المؤسس عبدالله بن الحسين في النهوض بالتعليم باعتباره ركيزة أساسية للفكر والثقافة، ودوره في التهيئة لقيام الحركة الثقافية والأدبية والصحافية في الأردن ورعاية المثقفين والمبدعين، واستقطاب الأدباء والشعراء العرب في مجالسه، فشهدت الساحة الأردنية شعراً سياسياً واجتماعياً غزيراً. كما انعكست كل التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية التي شهدها الوطن العربي على إنتاج الأديب والشاعر الأردني، الذي لم يكن يوماً منعزلاً عن هموم وطنه وأمته.

وأوضح المتداخلون التلازم ما بين نشوء الدولة الأردنية ونشوء حياتها الثقافية؛ إذ تأسست الدولة الأردنية على مبادئ نهضوية شكّلت مجتمعاً متنوعاً يتوحد في طموحه مما أسهم في نمائه وتطوره في ميادين الإدارة والتعليم والثقافة والسياسة والعسكرية، وغيرها. وما تزال الحياة الثقافية والحراك الثقافي الأدبي في نشاط وتوسّع بفضل جهود الدولة الأردنية بهيئاتها الثقافية والأكاديمية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني كافة. كما أشار بعض المتداخلين إلى ملامح الخطة الوطنية لاحتفالية مئوية تأسيس الدولة، وما تتضمنه من محاور وأهداف تخدم الأدب والثقافة والتاريخ الأردني. ومن هنا تبرز أهمية دراسة التغيرات التي طرأت على الخطاب الشعري والأدبي والثقافي خلال مئة عام الماضية، والتركيز على تصوير المجتمع الأردني وقضاياه في الأدب الأردني، إضافة إلى دراسة الأعمال الفكرية والأدبية التي تعود إلى مرحلة التأسيس.

التفاصيل:

أوضح المُحاضر د. سمير قطامي دور الملك المؤسس عبدالله بن الحسين في النهوض بالتعليم في إمارة شرق الأردن، باعتبار التعليم الحجر الأساس للفكر والثقافة في الدولة؛  وقد عمل على إنشاء المدارس، فوصل عددها في ذلك الحين خلال سنتين إلى 44 مدرسة، وأوجد مديرية للتعليم باسم مديرية المعارف والتي تحولت إلى وزارة للمعارف عام 1923، وعقد مؤتمراً للمعلمين، وقام بتوحيد المناهج في جميع المدارس، كما شجّع وزارة المعارف على إرسال البعثات الدراسية بشكل متواصل، وازداد عدد المدارس ليصل عام 1948 إلى 70 مدرسة للبنين، وإحدى عشرة مدرسة للبنات.

كما أوضح د. قطامي دور الملك المؤسس في النهوض بالحركة الثقافية والأدبية والصحافية في الأردن على الرغم من محدودية الموارد والإمكانيات وظروف الانتداب البريطاني حتى الاستقلال عام 1946، واستقطب جلالته المثقفين والأدباء والشعراء العرب، فشهدت الساحة الأردنية شعراً سياسياً واجتماعياً غزيراً، تناول فيه الشعراء الشؤون العامة بما فيها الأحوال الاقتصادية، إضافة إلى صدور عدد من الأعمال القصصية والمسرحية والروائية، ومشاركة المرأة في الحياة الثقافية، مما ينمّ عن إدراك واقع المرأة الأردنية وتطلعاتها وأهمية دورها في نهضة الأمة.

وركّز د. قطامي على التطورات السياسية والعسكرية والاقتصادية والديمغرافية التي شهدها الوطن العربي، والتي كان لها تأثير قوي على الأردن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ممّا انعكس على الأدباء ونتاجهم الأدبي والشعري الذي تميّز بالفكر الوطني والقومي، حيث بيّن هذا النتاج آلام الأمة وعذاباتها وصراعها، ومعاناتها المعيشية والاجتماعية؛ مشيراً إلى أن الأديب الأردني لم يكن يوماً في معزل عن هموم أمته ووطنه.

وقال أمين عام المنتدى والوزير الأسبق د. محمد أبوحمّور في كلمته التقديمية: إن الدولة الأردنية تُعد نموذجاً للتلازم بين نشوء مؤسسات الدولة ونشوء الحياة الثقافية؛ إذ خرجت الإبداعات الثقافية الأردنية إلى الفضاء العربي وانطلقت الطاقات بالإنتاج الفكري والأدبي والفني، وتوفرت أسس النهضة الثقافية من خلال نشر التعليم، وتشجيع إصدار الصحف والمجلات، ورعاية العلماء والأدباء والمثقفين. فنشأت الحياة الثقافية في الأردن رغم أنها دولة تأسست وعاشت ولا تزال وسط دائرة من اللهيب والصراعات والحروب؛ وأهمها الصراع المتعلق بالقضية الفلسطينية، فيما كل أشكال الثقافة لا تنمو إلا نتيجة الاستقرار والأمن الشامل، واستناداً إلى فكر راسخ وإيمان قوي بالمسؤولية واستجابة فاعلة للتحديات.

وأشار د. أبوحمّور إلى ما أوضحه سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي في مقاله "على عتبة المئوية الثانية للدولة"، الذي نُشر في الصحافة المحلية الأسبوع الماضي، حيث إن الدولة الأردنية قامت في ظل أوضاع إقليمية معقدة بعد زوال الدولة العثمانية، لكنها ظلَّت دولة تحمل مبررات بقائها لسببين: الأول أنها قامت على أسس النهضة العربية، والثاني أن الأردنيين ومعهم إخوانهم من رجالات العرب ومثقفيهم كانوا جزءاً من هذه النهضة، واستطاعت هذه الدولة الناشئة في حينها أن تعمل بمبادئها النهضوية، وفي الوقت نفسه أن تنجح في تشكيل مجتمع متنوع يتوحد في طموحه النهضوي، ويسهم الجميع في نمائه وتطوره في ميادين الإدارة والتعليم والثقافة والسياسة والعسكرية، وغيرها.

وبيّن أمين عام وزارة الثقافة الأستاذ هزاع البراري ملامح الخطة الوطنية لاحتفالية مئوية تأسيس الدولة الأردنية، وهي خطة فكرية ثقافية قامت بإعدادها وزارة الثقافة بالتعاون مع القطاعات والوزارات والجامعات المختلفة. ومن أهداف هذه الخطة طباعة كتب عن تاريخ الأردن في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وكتب أُخرى عن مستقبل الدولة الأردنية ودورها ومكانتها على المستوى العالمي، إضافة إلى إصدار موسوعة مئوية الدولة الأردنية بالاعتماد على منهج أكاديمي علمي، من أجل تقديم السردية الأردنية بشكل متكامل. وكذلك توثيق 140 مؤسسة رسمية وغير رسمية، والبحث عن الوثائق الخاصة بالدولة الأردنية خارج البلاد وترجمتها وأرشفتها. ومن محاور الخطة أيضاً محور خاص للشباب الريادي المبتكر، وما يقدّمه من حلول وأفكار ابتكارية للمئوية الثانية للدولة في المجالات كافة.

وأوضح الكاتب الروائي والناقد الأدبي المغربي د.أحمد المديني أن تجربة الكتابة الأردنية السردية الحديثة كانت مكوناً ورافداً مهماً في كتابة السرد العربي الحديث خاصة في مجال الرواية؛ إذ كانت التجربة السردية الأردنية وما تزال متميزة منذ بدء تبلورها بشكل بارز من خلال عدة أعمال روائية صدرت بعيد النكسة عام 1967، وكانت تعكس حالة الشعوب العربية، ومن هذه الروايات: "أنت منذ اليوم" لتيسير سبول، و"اعترافات كاتم صوت" لمؤنس الرزاز، و"سلطانة" لغالب هلسا.

وأشارت أستاذة الأدب العربي الحديث في جامعة قطر د. امتنان الصمادي إلى أهمية تصوير المجتمع الأردني بشكل واضح ودقيق في أعمال الأدباء الأردنيين، خاصة في خضم تركيزهم على الهموم القومية التي تتجانس وتتقاطع مع الهموم الأردنية، وذلك من أجل توجيه المزيد من الاهتمام نحو القضايا الداخلية الهامة على مستوى البنية المجتمعية، وتفعيل دور الأدب في التأثير على المجتمع الأردني وتطويره والتقدم به.

وأوضحت د. الصمادي تميّز الأديب الأردني على المستوى العربي، وحصوله على الجوائز وتكريمه وأعماله الأدبية من جائزة كتارا وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي وغيرها؛ إذ يحمل مبدعو الأردن رايته خارج وطنهم ويكونوا مصدر ثقة في تكوين صورة الأدب الأردني في الخارج، مما يُبرز أهمية تقديرهم وتكريمهم ودعمهم من قبَل الدولة الأردنية. 

وبيّن أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة البلقاء التطبيقية الناقد د.عماد الضمور أهمية دراسة الدواوين الشعرية التي تعود إلى مرحلة تأسيس الدولة ما بين عامي 1921 و 1948، وذلك لأهمية رسائلها التعليمية والأخلاقية والقومية ودور الشعر في تعزيز الانتماء، إضافة إلى دراسة تطور الشعر في الأردن بدءاً من القصيدة العامودية، ثم قصيدة التفعيلة، وانتهاء بقصيدة النثر، وذلك لرصد تغيرات الخطاب الشعري والأدبي والثقافي خلال المئة عام الماضية؛ إذ إن الساحة الأدبية الثقافية اليوم تشهد تراجعاً في الشعر لصالح الأعمال السردية، تلك الأعمال التي تأثرت بالعولمة والتداخل في الأجناس الأدبية.

وقال أمين سرّ رابطة الكُتّاب الأردنيين الناقد الأستاذ محمد المشايخ: إن هناك أعداداً كبيرة من الهيئات الثقافية والأكاديمية والنقابية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المبدعة التي تعمل على دعم وتفعيل الحراك الثقافي الأدبي الحالي في الأردن، إضافة إلى إنجازات الدولة الأردنية في الحفاظ على هذا الحراك وتشجيعه من خلال نظام تفرغ المبدعين، وجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، وتكريم المبدعين والمميزين في مختلف المجالات الثقافية، والتوسع في طباعة وإصدار الكتب والمجلات الثقافية، ومشروع الذخيرة العربية، ومنح التأمين الصحي للمبدعين، وتخصيص عدد من المقاعد لأبنائهم في الجامعات الرسمية، وإلغاء الدور الرقابي لدائرة المطبوعات والنشر.

يذكر أن وقائع هذا اللقاء تبثّ بالصوت والصورة من خلال قناة منتدى الفكر العربي على منصة YouTube، وعلى الموقع الإلكتروني للمنتدى www.atf.org.jo