صوت ضائع..مراكز الاقتراع الأردنية تميز ضد ذوي الاعاقة
خرجت الشابة العشرينية هلا محفوظ من منزلها يملؤها الحماس، في طريقها للمشاركة في أول انتخابات تشريعية يحق لها التصويت فيها، لكنها ما لبثت أن شعرت بخيبة الأمل عندما وصلت إلى مركز الاقتراع. تفاجأت هلا، وهي من ذوي الإعاقة، أن صندوق الاقتراع في الدور الثالث، ولن تستطيع إليه. تقول:"طلبت منهم أن ينزلوا الصندوق، لكنهم رفضوا وأخبروني أن حملي إليه مع الكرسي أسهل. لم أقبل.اعتبرت الأمر مهين عن أنه تمييز ضدي كشخص من ذوي الإعاقة".
تضيف محفوظ:"قبل انتخابات مجالس المحافظات اللامركزية العام 2017، زارنا أعضاء من الهيئة المستقلة للانتخابات في الجامعة الأردنية، وأكدوا لنا أن مراكز الاقتراع ستكون مهيأة لاستقبالنا وشجعونا على المشاركة. ، لكن للأسف معظم المراكز كانت صناديق الاقتراع فيها في أدوار عليا ، رغم أن مداخلها مهيأة، وهذا ما نسميه تهيئة منقطعة، لا تحقق الهدف النهائي".
ليست هلا محفوظ وحدها من رفضت ممارسة حقها الانتخابي، احتجاجا على عدم تمكينها من الوصول إلى صندوق الاقتراع بطريقة لائقة. المرشح السابق للانتخابات النيابية موسى الدردساوي( 48 عاما)، من محافظة العقبة، رفض التصويت في الانتخابات النيابية لعام 2016 بسبب وجود مركز الاقتراع في طابق علوي لا يتيسر له الصعود إليه دون مساعدة. يقول أنه حاول التواصل آنذاك مع الجهات المعنية في "المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة"، والهيئة المستقلة للانتخابات، لكن دون جدوى، مؤكدا أن المعيقات التي واجهها هو والعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة في انتخابات عام 2016 تكررت ذاتها عام 2020.
خلال ترشح الدردساوي إلى الانتخابات، قام بجولة على مراكز الاقتراع في محافظة العقبة. يقول:" زرت أكبر مركزين للاقتراع ينتخب فيهما أشخاص من ذوي الإعاقة وللأسف لم يكونوا مهيئين لاستقبالهم. وأحد المراكز لم استطع الدخول إليه بسبب عدم توفر منحدر خاص (رمبة) على مدخله". يتابع: "تواصلت مع الهيئة المستقلة للانتخابات وأخبرتهم بذلك، وعدوا بتوفير المنحدر .. خلصت الانتخابات وما جابوه"
التهيئة النموذجية
الهيئة المستقلة للانتخابات كانت وقعت مذكرة تفاهم وبروتوكول تعاون مشترك مع "المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في أب \ أغسطس العام 2020" بهدف توسيع قاعدة مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في العملية الانتخابية، وضمان حقهم في الاقتراع والترشح، وتضمنت تهيئة 23 مركزا نموذجيا، و تهيئة 175 مركزا بشكل جزئي.
يقول رأفت الزيتاوي الناطق الإعلامي باسم "المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة" أن الهيئة لم تحدد لهم المراكز المهيأة، ولم يكن واضحا لهم آلية توزيع هذه المراكز، موضحا أن التهيئة النموذجية تشمل: البنية التحتية، الممرات المناسبة للكراسي المتحركة، دورات المياه الخاصة بذوي الإعاقة، ولوحات ارشادية بخط واضح لضعاف البصر، وتوفير لغة بريل للمكفوفين، والمصاعد الكهربائية. أما داخل غرفة الاقتراع فيجب أن لا يزيد ارتفاع الصندوق عن 76 سنتيمتراً، ليستطيع الشخص وضع الورقة باستقلالية، وأن يتوفر عازل مخصص للأشخاص ذوي الإعاقة.
يضيف الزيتاوي:"بالنسبة للأشخاص غير القادرين على الكتابة،المكفوفين أوالذين لديهم بتر في الأطراف العليا، أو الأشخاص الصم، فمن حقهم أيضا اصطحاب مرافق يساعدهم على دخول المركز والاقتراع".
ويشير الزيتاوي إلى أن العديد من الشكاوى التي وصلتهم خلال انتخابات عام 2020 عبر شركائهم في المراقبة مثل"مركز الحياة- راصد" و"المجلس الوطني لحقوق الإنسان" وتناولت "تعرض الأشخاص ذوي الإعاقة في مراكز الاقتراع غير المهيأة للحمل إلى الطوابق العليا، وتسجيلهم في مراكز غير مهيأة، وعدم تقبل بعض لجان الفرز العاملة مع الهيئة المستقلة للانتخابات فكرة وجودهم كمراقبين محليين، والحد من حركتهم في المراقبة". ويقول: "كل ذلك يعتبر تمييزا، و انتهاكا لكرامة وخصوصية الأشخاص من هذه الفئة. الأصل أن يدخل ذوي الإعاقة مركز الاقتراع ويقوم بكل الإجراءات بنفسه. لكن عندما يكون المركز غير مهيأ فستحصل انتهاكات كثيرة بحقه".
من خلال استبيان أجريناه شمل 20 شخصا من ذوي الإعاقة يتفق 15 شخصا، ممن شاركوا في انتخابات برلمانية وبلدية سابقة، مع الأشخاص الذين قابلناهم في هذا التقرير. واتفق 52% منهم على أن المعلومات المقدمة من الهيئة المستقلة والجهات المعنية حول آلية تسجيلهم في مراكز اقتراع لم تكن كافية.
مشاركة ضعيفة
كفل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (20) لسنة 2017 ممارسة ذوي الاعاقة جميع حقوقهم دون تمييز. حيث تنص المادة 5 (أ) من القانون على أنه " لا يجوز حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة من حقوقهم أو حرياتهم أو تقييد تمتعهم بها أو ممارستهم لأي منها، ولا يجوز تقييد حريتهم في اتخاذ قراراتهم على أساس الإعاقة أو بسببها."
وكفلت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها الأردن عام 2006 ودخلت حيز التنفيذ عام 2008، حقهم في المشاركة السياسية والعامة، إذ جاء فيها " تكون إجراءات التصويت ومرافقه ومواده مناسبة وميسرة وسهلة الفهم والاستعمال".
يؤكد الناطق الرسمي باسم الهيئة المستقلة للانتخابات جهاد المومني أنه "رغم توفير مراكز خاصة لاستقبالهم في العام 2016 كانت نسبة مشاركتهم متدنية جدا، ما دفع الهيئة لتخفيض عدد مراكز الاقتراع المهيأة لانتخابات 2020 من 23 مركزا إلى 11 مركزا في محافظات المملكة". لكن المومني لم يستطع تزويدنا بأرقام محددة لعدد الأشخاص ذوي الإعاقة ممن مارسوا حقهم الانتخابي.
وأضاف المومني: " بحسب الاتفاقية بين "المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة" والهيئة المستقلة للانتخابات فإنه يفترض بالأشخاص ذوي الإعاقة الذهاب إلى دائرة الأحوال المدنية لتسجيل أنفسهم كذوي إعاقة، لتقوم الدائرة بعد ذلك بإدراج أسمائهم في الجداول ومراكز الاقتراع الخاصة بهم."
وقد وصل عدد ممن يحق لهم الانتخاب من الأشخاص ذوي الإعاقة في العام 2020 إلى نحو700 ألف ناخب وناخبة حسب المجلس الأعلى" من أصل أربعة ملايين و640 ألف ناخب وناخبة.
من كوكب آخر
يرى الصحفي والناشط المهتم بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، رامي زلوم، أن عدم توفير التسهيلات في مراكز الاقتراع لا يعبر عن التمييز ضد هذه الفئة من المواطنين بقدر ما هو مؤشر على غياب الوعي لدى المسؤولين ب"أهمية القضية". يقول ساخرا :" ربما يعتبرون الأشخاص ذوي الإعاقة من عالم خاص أو كوكب آخر".
ويبين زلوم أن ضعف مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في الانتخابات هو نتيجة صعوبة وصولهم إلى مراكز الاقتراع. "هناك عدد من الأشخاص رفضوا الذهاب لأنه لا توجد مواصلات تخدمهم، فغالبا يذهبون بسيارات الأجرة وهذه تكلفتها مرتفعة بالنسبة لهم"
تجربة محمد حوامدة في الوصول لمراكز الاقتراع بمحافظة جرش لم تختلف كثيرا عن تجربة محفوظ والدردساوي، إذ يؤكد أن التسهيلات في انتخابات عام 2020 لم تتحسن عما كانت عليه في عام 2016 .
يقول حوامدة: "في انتخابات 2016 تهافت متطوعو المرشحين على مساعدتي للصعود للدور الثاني عند وصولي إلى مركز الاقتراع بمحافظة جرش، لكن بعد التصويت بقيت انتظر نصف ساعة أبحث عمن يساعدني في النزول، ثم طلبت من رجال الأمن العام مساعدتي في ذلك". يتابع:" في عام 2020 كان صندوق الاقتراع أيضا في الدور الثاني ولم أجد من يحملني وانتظرت حتى جاء رئيس لجنة الاقتراع وأحد أعضاء اللجنة وساعدوني".
ويلفت حوامدة إلى أن المنحدر الخارجي (رمبة) المخصص لتسهيل حركة المقعدين كان حادا جدا لم يتمكن من الصعود عليه إلا بمساعدة آخرين، مشيرا إلى أن رجال الأمن أيضا لم يسمحوا بدخول السيارات لمراكز الاقتراع. يقول:"يمكن أنا بقدر أمشي لحالي بالكرسي، لكن كيف يمكن لكبير في السن كبار أن يقطع مسافة تصل لأكثر من 400 متر حتى يصل باب مركز الاقتراع!".
* نفذ هذا التقرير بالتعاون مع شبكة أريج