نشر موقع "ذا كونفرسيشن" مقالا تحدث فيه عن ظاهرة التقارب اللغوي، والتي يجد المرء خلالها نفسه يتحدث بشكل مختلف قليلا عن لهجته الأصلية بعد الاستماع إلى شخص لديه طريقة مميزة في التحدث.
وقال فرانسواز مرمويت، في المقال الذي ترجمته "عربي21 لايت"، إن هذه الظاهرة هي أمر ربما يكون أي شخص قد فعلها في مرحلة ما، حتى لو كانت التحولات دقيقة للغاية لدرجة عدم ملاحظتها، وأضاف أن الناس يميلون إلى التقارب تجاه اللغة التي يلاحظونها من حولهم، سواء كانت نسخ الكلمات أو تراكيب الجمل أو تقليد النطق.
ما هو التقارب بالضبط؟
وتحدث الكاتب عن ماهية التقارب وكيفية ارتباطه بتعديلات الكلام الأخرى مثل تبديل الشفرة، والتي تشير إلى التناوب بين أنواع اللغة، أو تغيير النمط، والذي يحدث عندما يستخدم الشخص ميزات لغوية مختلفة في مواقف مختلفة؛ حيث ذكر أن التقارب يشير إلى التحولات التي يقوم بها الناس في حديثهم لتقريب كلام من حولهم، وهذا تعريف واسع يهدف إلى شمول جميع أنواع التعديلات.
ويبين أن يمكن تقليد جوانب الكلام التي تتم ملاحظتها بالفعل؛ أو ربما تستعمل الكلمات التي تعتقد أن الشباب يستخدمونها هذه الأيام، ويمكن أيضًا أن يكون تبديل الشفرة أو تغيير النمط أمثلة على التقارب، طالما أن التغيير يتعلق بالشخص الذي تتحدث إليه، لكن يمكن للناس أيضًا الحديث بطريقة مختلفة عن طريقة من يتحدثون إليه، وهذا ما يسمى الاختلاف، ويمكن أن يحدث تبديل الشفرة وتغيير النمط لأسباب أخرى أيضًا، مثل ما تشعر به وما تتحدث عنه وكيف تريد أن يُنظر إليك.
هل التوقعات كافية لتغيير الكلام؟
وذكر الكاتب أنه ولتحديد ما إذا كان الناس يتقاربون في طرق نطق معينة يتوقعونها ولكنهم لا يواجهونها في الواقع، كان بحاجة إلى بدء استقصاء حول خاصية يتوقع الناس بشأنها توقعات واضحة، لذلك صمم تجربة في شكل لعبة تخمين، طلب فيها من أكثر من 100 مشارك أن يقولوا مجموعة من الكلمات المتضمنة كلمة "أنا"، و في الجزء الأول من اللعبة قرأوا جُمَلًا على شاشة الكمبيوتر وقام بسجل حديثهم، وفي الجزء الثاني من اللعبة طلب من المشاركين الاستماع إلى الكلام الذي قرأه متحدث بلكنة جنوبية ملحوظة، وطلب منهم الرد بنفس الطريقة، ومن خلال مقارنة كلامهم قبل وبعد سماع اللهجة الجنوبية، تمكن من تحديد ما إذا كانوا متقاربين.
ولاحظ الكاتب أنهم قاموا بالفعل بتحويل نطق بعض الحروف إلى نطق جنوبي أكثر قليلاً عند الاستماع إلى المتحدث بلكنة جنوبية، وكان هذا دليلًا واضحًا على أن الناس لا يلتقون فقط في الكلام الذي يلاحظونه، ولكن أيضًا على الخطاب الذي يتوقعون سماعه.
أصول اجتماعية أم زلات؟
ولفت الكاتب إلى أن هذا يعني أن الناس ينظرون إلى اللهجات على أنها مجموعات متماسكة من السمات اللغوية المختلفة، وتساءل عن سبب حدوث ذلك وكيفية إدراكه من طرف المتلقي.
ويجيب قائلًا إنه في البداية من المهم الإشارة إلى أن التقارب عادةً ما يكون دقيقًا للغاية؛ حيث يمكن النظر إلى التقارب المبالغ فيه بشكل مفرط على أنه استهزاء أو استعلاء، فربما شاهدت الناس يتحولون إلى أسلوب حديث أبطأ وأعلى صوتًا وأبسط عند التحدث إلى شخص مسن أو متحدث غير أصلي، وغالبًا ما يعتمد هذا النوع من التقارب الشامل على افتراضات حول الفهم المحدود، ويمكن أن يأتي بنتائج عكسية اجتماعيًا.
ووفقًا للكاتب؛ فإنه بالنسبة للتقارب المدفوع بالتوقعات فقد يكون مثل هذا الخطأ الزائف أكثر احتمالًا، وإذا لم يكن لديك هدف خطاب فعلي تتقارب معه، فقد تلجأ إلى أفكار غير دقيقة أو مبسطة أو نمطية حول كيفية تحدث شخص ما. ومع ذلك؛ فإن التحولات الطفيفة يمكن أن يكون لها عدد من الفوائد، من الموافقة الاجتماعية إلى التواصل الأكثر كفاءة ونجاحًا.
ويرى الكاتب إن إعادة استخدام المصطلحات التي يستخدمها محاورونا ليس فقط أسهل من الناحية المعرفية بالنسبة لنا ولكن غالبًا ما يكون لها فائدة إضافية تتمثل في تسهيل التواصل. وإذا كان بإمكان الناس توقع الكيفية التي سيتحدث شخص ما ثم يتقاربون على أساس هذا التوقع، يمكن أن يكون التواصل، من الناحية النظرية، أكثر كفاءة. وإذا كانت التوقعات دقيقة، فقد يكون التقارب الذي يحركه التوقع أحد الأصول الاجتماعية، وتشير بعض تفسيرات التقارب إلى أنه نتيجة تلقائية غير مقصودة لفهم الكلام.
ويؤكد الكاتب - في النهاية - على أنه بغض النظر عن سبب حدوث التقارب، فمن الواضح أنه حتى المعتقدات عن الآخرين تلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل طريقة استخدام الناس للغة؛ للأفضل أو للأسوأ.