لماذا يهجر بعض المستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي؟
تطرقت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في تقرير لها إلى أسباب هجران بعض النشطاء لمواقع التواصل الاجتماعي، وفقا لتجارب خاصة، فيما يؤكد الخبراء أن معدلات التعلق بتطبيقات التواصل في ارتفاع.
وأشارت "بي بي سي" إلى أن أناسا كثرا يقضون وقتا كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، مستندة في ذلك إلى دراسة عالمية أجريت في تموز/يوليو الماضي، قدرت أنه في المتوسط، يقضي الفرد ساعتين و29 دقيقة يوميا على تلك التطبيقات والمواقع، بزيادة 5 دقائق عن العام الماضي.
وبينما قد يرى البعض أن ذلك عادة سيئة يجب التقليل منها، فإنه بالنسبة لآخرين يعتبر إدمانا فعليا يحتاجون إلى المساعدة للتغلب عليه، بحسب بي بي سي.
وذكرت منظمة "يوكات" (UK Addiction Treatment (UKAT البريطانية التي تدير مراكز لعلاج إدمان مواقع التواصل الاجتماعي أنها لاحظت زيادة قدرها 5 في المئة في عدد الأشخاص الذين ينشدون المساعدة لمواجهة تلك المشكلة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
وقال أحد المرشدين بمنظمة يوكات، نونو ألبوكيركي: "لا ريب في أن المجتمع صار يعاني من اعتماد قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وشبكة الإنترنت بشكل عام، منذ تفشي الوباء".
وقد أدى الوعي المتزايد بتلك المخاوف إلى إقلاع المزيد من الأشخاص مثل غيل عن استخدام وسائل التواصل، أو على الأقل إلى تقليص الوقت الذي يقضونه عليها. وقد لفت ذلك انتباه تلك المواقع.
وفي وقت سابق من العام الجاري، ذكرت مؤسسة ميتا التي تمتلك فيسبوك أن عدد المستخدمين اليوميين النشطين للموقع انخفض للمرة الأولى في تاريخه.
كما أشارت مذكرة داخلية لموقع تويتر سُربت الشهر الماضي إلى أن الأشخاص الذين كانوا في السابق هم المستخدمين الأكثر نشاطا أضحوا ينشرون تغريدات أقل.
ولم ينف تويتر دقة ذلك التسريب، بل إن مالك تويتر الجديد، رجل الأعمال والملياردير إيلون ماسك، تساءل في وقت سابق من العام: "هل تويتر بصدد الاحتضار؟".
وفي الأيام الأخيرة الماضية أدى شراؤه الموقع إلى إعلان بعض مشاهير هوليوود تركه بسبب آراء ماسك حول حرية التعبير والخطط التي يعتزم تطبيقها فيما يتعلق بالخدمة التي يقدمها الموقع.
ولكن بالعودة إلى العالم الواقعي، ما الأسباب الأخرى التي تدفع الناس إلى مغادرة وسائل التواصل الاجتماعي؟
ونقلت "بي بي سي" شهادة لشابة بريطانية، عن تجربتها مع ترك مواقع التواصل، حيث قالت غيل ماكدونالد إنها عندما وصلت إلى أعلى إحدى قمم سلسلة جبال سييرا نيفادا بإسبانيا في وقت سابق من العام الحالي، لم تكتف بالتوقف لاستيعاب تلك اللحظة.
وأوضحت ماكدونالد أنها فعلت ما يفعله العديد من الأشخاص، حيث شرعت في البحث عن أفضل بقعة لالتقاط صورة شخصية، "سيلفي"، كي تنشرها على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إنها تعترف بأنها اقتربت بشكل خطير من حافة القمة بينما كانت تفعل ذلك.
بعد هذه الواقعة التي عنفها زوجها بسببها، قررت التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتذكر غيل، وهي مغتربة بريطانية تعيش بالقرب من مدينة غرناطة الإسبانية، بأنها شعرت بأنه "ينبغي أن يتوقف هذا الأمر.. لقد كان التقاط صورة في السابق هو أول شيء أفكر فيه بمجرد خروجي من السيارة".
وقالت: "التفكير طوال الوقت في خلق محتوى، والقلق بشأن ما ينبغي أن أقول، كل ذلك كان يشغل حيزا ذهنيا أكبر مما ينبغي ويخفض من معنوياتي".
وبعد ذلك بأسبوع، كتبت على صفحتيها على فيسبوك وإنستغرام أنها سوف تقلع عن استخدام المنصتين.
وأوضحت غيل: "من المذهل أن هذه كانت التدوينة التي لاقت استحسان أكبر عدد من المتابعين على إنستغرام. الجميع كانوا يكتبون تعليقات من قبيل 'ليتني أستطيع أن أفعل ذلك أيضا'، و'يا لك من شجاعة'".
وكانت غيل تقضي حوالي 11 ساعة في المتوسط كل أسبوع على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أكدت أن التفكير في التوقف عن استخدام تلك التطبيقات كان مخيفا أكثر من تركها فعليا.
وأضافت: "بمجرد توقف شعوري بأعراض الانسحاب في بادئ الأمر، لم أعد أتوق إليها. شعرت بالتحرر والانعتاق. مضى على إقلاعي عن استخدام مواقع التواصل ستة أشهر، وها أنا قد استعدت شيئا من الشعور بالحرية والسلام الذي شعرت به عندما أقلعت عن شرب الكحول".
وفي السياق، ذكرت رائدة الأعمال أورفاشي أغاروال، التي توقفت عن استخدام إنستغرام في عام 2014، ولكن ذلك لم يدم سوى نحو عام واحد، أنها قامت بإغلاق حساباتها الشخصية للمرة الثانية في آب/أغسطس من العام الحالي، مؤكدة أنها لن تعود إليها هذه المرة.
وقالت مؤسسة ماركة JP's Originals لأكياس الشاي والتي تعيش في لندن: "قُضي الأمر بكل تأكيد".
وأضافت: "مئة في المئة. إنه لا يضيع الكثير من الوقت فحسب، بل يجعلنا نشعر بتقلص الخصوصية في العالم طوال الوقت. كل شيء تفعله أصبح متاحا على الملأ".
كما توقفت أورفاشي عن الدخول على تويتر وفيسبوك، حيث أحست أن ذلك منحها شعورا بالتحرر، قائلة: "سعيدة جدا بهذا الوضع. الآن أستطيع أن أقرأ 15 صفحة من صفحات كتاب كل ليلة بدلا من [تصفح مواقع التواصل]".
وقالت هيلدا برك، وهي معالجة نفسية إن المزيد من الوعي قد انتشر في الوقت الراهن بشأن قيام المزيد والمزيد من الأشخاص بـ "الفكاك" من منصات التواصل الاجتماعي.
وأضافت: "رؤية الآثار المترتبة على استخدامها من الممكن أن تكون بمثابة صيحة استيقاظ قوية.. الكثير من عملائي تحدثوا عن وجود صلة بين كثرة استخدام وسائل التواصل وبين شعورهم بالأرق والقلق المتزايد".
وتنصح برك الأشخاص الذين يرغبون في التوقف عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بأن يخبروا جميع أصدقائهم لكي لا يظلوا يحاولون الاتصال بهم عبر تلك المواقع: "اعرضوا وسائل أخرى للتواصل.. ولربما كان الاتصال الهاتفي التقليدي من شأنه خدمة العلاقات بشكل أفضل في غياب الرسائل المباشرة".
وقالت شابة أخرى تدعى كشمير، تبلغ من العمر 27 عاما، ورفضت الإفصاح عن اسم عائلتها، وتعمل كمسؤولة تنفيذية في مجال العلاقات العامة ببلدة روتشستر الواقعة في مقاطعة كِنت بإنجلترا، إنها توقفت عن استخدام إنستغرام قبل 10 شهور، كما أنها كانت قد أغلقت حسابها على سنابتشات في وقت سابق.
وأوضحت: "السبب الرئيسي كان صحتي العقلية.. هناك الكثير من الضغوط التي نتعرض لها لمواكبة الآخرين فيما يفعلونه، رغم أن [الصور التي تعكسها مواقع التواصل] لا تمثل واقع هؤلاء الأشخاص".
وتابعت: "كنت أجد نفسي أتصفح تلك المواقع ليلا، ثم أعاني من قلة النوم، ولا أشعر بالنشاط والحيوية عندما أستيقظ. والآن لم أعد أعقد مقارنات خلال حياتي اليومية، وليس لدي علم بما يفعله المشاهير".
وأضافت: "لقد سمح ذلك لي بأن أكون أكثر حضورا وأكثر حسما، وأكثر التزاما بالقرارات التي أتخذها، بدلا من أن أكون خاضعة للتأثيرات الخارجية".
وأكدت كشمير أن الابتعاد عن إنستغرام وسنابتشات لا يؤثر على عملها في العلاقات العامة، وأنها لا تزال تستخدم موقع "لينكيدان" إذا احتاجت لأن تبحث عن وظيفة.
ومن جانبه، أشار نونو ألبوكيركي من منظمة "يوكات" إلى أن الأشخاص قد يدمنون وسائل التواصل لأسباب كثيرة، أبرزها كونها تمثل نوعا من الهروب من الواقع، ولا سيما بالنسبة للجيل الشاب.
وقال: "إنه ببساطة وسيلة للتواصل بدون اتصال فعلي، وصحبة متوفرة 24 ساعة كل يوم بالنسبة للكثيرين. لكن الإدمان تغذيه العزلة، وإذا كان الوقت الذي يقضيه الشخص على شبكة الإنترنت أطول من ذاك الذي يقضيه في الحياة الواقعية، فإنه من الطبيعي أن يصبح منعزلا، ومن الممكن أن يتسلل إليه الإدمان".
يرحب ألبوكيركي بقيام المزيد من الأشخاص بالإقلاع عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي: "على الأرجح أننا بدأنا أخيرا ندرك الضرر الذي من الممكن أن تلحقه بعلاقاتنا وصحتنا العقلية والتجارب التي نعيشها في الواقع".