"الرجل الحر" .. عندما تكون حياتنا مجرد وهم

 يقدم الفيلم الأمريكي ”الرجل الحر“ الصادر أوائل آب 2021، حبكة كوميدية تمزج بين الواقع والخيال، للإضاءة على مستقبل التقنية وسيطرة الذكاء الاصطناعي.



وتروي أحداث العمل سيرة حياة ”جاي“، العامل المصرفي الذي يعيش حياة بسيطة يبدؤها بكوب قهوة ساخنة في طريقه إلى العمل، ليتغير مجرى حياته بعد شكوكه بأنه يعيش داخل لعبة فيديو منتشرة بكثافة حول العالم.



ويتحول الموضوع لدى جاي إلى هوس، ويدخل في تفاصيل اللعبة بمحض إرادته، ويصبح شخصية خيرة يسرق الأسلحة فقط دون أن يقتل أحدا، وإن مات في اللعبة يعيش في اليوم الآخر ويعيد تنفيذ المهمات من الصفر.



ويبذل جاي جهده لرفع مستواه في اللعبة حتى يحصل على ميزات أكثر ويتقدم إلى فتاة أحلامه في المستوى المتقدم، ويصر على مسابقة الزمن لينقذ اللعبة قبل حذفها من قبل مصمميها.



وتبدأ أولى مشاهد العمل بهبوط جاي من السماء وهو يرتدي نظارة شمسية، وأصحاب النظارات بالعمل هم الأبطال الذين يديرون المدينة دون خضوعهم لأي قوانين تحكمهم، فحسب وجهة نظرهم؛ القوانين خُلقت لِتُكسر.



الرتابة



ويصور المخرج الحياة المثالية لجاي، في شقة هادئة مريحة للأعصاب، برفقة صديقته السمكة الذهبية التي يلقي عليها تحية الصباح كل يوم، ونلاحظ تركيز المخرج على عنصر الرتابة من خلال تصوير محاور عدة تكشف عن التقليدية التي يعيشها جاي من خلال خزانة ثيابه الممتلئة بألبسة رجالية متشابهة.



ويرتدي جاي يوميا اللباس عينه، ويقف لدقائق معدودة على شرفته قبيل مغادرته المنزل، بطريقة تصوير تتعمد التكرار، ليعطي العمل إشارة إلى رتابة الحياة اليومية في المجتمع الاستهلاكي المعاصر، إذ يتحول الموظف إلى آلة تنفذ ما هو مطلوب منها، مع غياب أي بوادر للتغيير أو التجديد.



ويتضح للمُشاهد من خلال رتابة الأحداث أن الحياة المثالية لجاي تفتقد إلى وجود محبوبة، من خلال نقاش يدور بينه وبين زميله في البنك أثناء عميلة سطو مسلح، دون أدنى شعور بأن البنك يتعرض للسرقة، فيتناولون الحديث عن فتاة أحلام جاي.



ويقرر جاي الهجوم على المسلح والاستيلاء على نظارته ليتضح أنه يكسر قواعد اللعبة، ويتهجم على المحاربين المسيّرين من قبل لاعبين وراء الشاشات يتحكمون بكل الأحداث.



وتظهر لاحقا فتاة ترتدي نظارة شمسية كانت قد قتلت أحدا وتوجهت لتنفيذ مهمتها التالية، وفي طريقها تردد أحاديث الناس بجانبها وكأنها قارئة للأفكار، ويتغير الحوار بعد مرورها بجانب جاي، ليعبر عن إعجابه بالأغنية التي تغنيها بعدما كان يفكر بإبداء إعجابه بجمالها، ليقرر أنها فتاة أحلامه المنتظرة.



علامة مميزة



ويتميز كل عمل بعلامة فارقة تدل على حدث معين متعلق بمحور القصة، فكانت النظارات الشمسية مفصلا محوريا بين عالم الواقع والخيال، فكل من يرتدي نظارة شمسية يبصر المدينة الحرة بوضوح، ويصبح جزءا من اللعبة.



ويتمتع أصحاب النظارات بقوى غريبة، إذ إن أفعالهم لا تقف عند حد معين، ويتميزون بنظرة متعالية فهم لا يتحدثون إلا مع نظرائهم، فتتحول النظارة إلى رابط بين العالمين.



وتتصاعد الأحداث بعد ارتداء جاي النظارة وانتقاله إلى العالم الآخر، ليشعر بقوى خيالية تتدفق إلى جسده، فملامسته لعبة إسعافات أولية كفيلة ببث طاقة الشفاء في جسده.



ويستغرب مصممو اللعبة من خروج جاي عن البرمجة وعدم سيطرتهم على أفعاله، ويقررون الدخول إلى اللعبة وأخذ دور ضباط شرطة للبحث عن جاي وحذفه من اللعبة، وإيقاف تصرفاته التي أحدثت خللا واضحا في شركتهم، لتبدأ رحلة مطاردة مشوقة.



وتزداد صعوبة المهمة أمام جاي، لأن المصممين قادرون دائما على إيجاد حلول سريعة وابتكار طرق جديدة للوصول إليه والتحكم بكل شيء، فهم أساس اللعبة.



الواقع



ينقلنا المخرج إلى عدسة الواقع لتظهر فتاة الأحلام وهي تلعب وراء الشاشة، ويتضح أن أبطال اللعبة هم أشخاص واقعيون في الحقيقة، وما تبقى هم شخصيات مصممة من قبل منتجي اللعبة.



ويتقاطع الفيلم مع الواقع بشدة، في عصر تسوده التقنيات الحديثة والألعاب الإلكترونية المؤثرة على المجتمع بطرق خفية، لأنها تحمل رسائل مبطنة على الرغم من صورتها الخارجية بأنها تهدف إلى التسلية والمرح.



فالألعاب الإلكترونية بمثابة سلعة تجارية تقنية، تسيطر على الأدمغة، وهي جزء صغير من عالم جديد ناشئ من ثقافة رقمية حديثة، فالألعاب تؤثر غالبا على سلوك الأفراد في الحياة الواقعية.



وتشير بعض الدراسات إلى أن إدمان ألعاب عنيفة قد تؤدي إلى زيادة كمية العنف، وتوليد سلوكيات ذميمة عدة؛ منها الكسل والتوتر والغضب وشحوب البشرة، وتراجع الصحة بسبب إدمان اللعب لساعات متواصلة دون النوم بشكل منتظم.



فوائد



في الوقت نفسه نجد أن الألعاب الإلكترونية تحمل فوائد عدة؛ منها سرعة اتخاذ القرار، وسرعة التناسق بين اليد والعين، وزيادة الأداء الفكري وتنمية مهارات التواصل والتركيز على الفوز للانتقال إلى المستويات المتقدمة.



وقد تساعد الألعاب أيضا في تعزيز الجانب الاجتماعي لأفراد مهمشين، ودعمهم للانخراط في التواصل مع الناس من خلال العالم الافتراضي، وتقبلهم تدريجيا بين الناس وتكوين صداقات جديدة.



وحظي الفيلم بأصداء كثيرة باعتباره من الأعمال التي تحاكي الثقافة الرقمية من خلال واقع الشباب المدمن للألعاب الإلكترونية، بحبكة طريفة مشوقة مليئة بالأحداث المسلية، وفي الوقت نفسه تحمل رسائل هادفة تسلط الضوء على خطر التقنية والسيطرة على العقول، في إطار من المرح والتسلية، وطرح تساؤلات عدة في أذهان المتلقين.



وعُرِض العمل للمرة الأولى بشكل مسرحي، في ساحة بيازا غراندي في مهرجان لوكارنو السينمائي في سويسرا، منتصف أغسطس/آب 2021، بعد تأخير دام لعام بسبب جائحة كوفيد-19.



والعمل من إخراج شون ليفي، وسيناريو مات ليبرمان، وشارك في بطولته ريان رينولدز، وجودي كومر، وجو كيري، وليل أكتيفي، وتكارش أمبودكار، وتيكا وايتيتي.

الحياة مجرد لعبة

فكرة الفيلم كانت قد جذبت انتباه بعض أكثر العقول ثورية في زمننا، مثل إيلون ماسك، مؤسس شركتي “تسلا” و”سبيس إكس”، ونيل ديغراس تايسون، الحائز على جائزة في الفيزياء الفلكية، بحسب تقرير موقع “لاد بيبل” (Lad Bible) البريطاني هذا الأسبوع.

ولو كان كل شيء في الكون مجرد شخصيات في لعبة كمبيوتر كبيرة، فإننا لن نستطيع معرفة ذلك بالضرورة. إن هذه الفرضية تشبه فكرة أن الكون محاكاة من صنع الكمبيوتر مثل فيلم “ماتريكس” (Matrix)، ولكن هذا لا ينفي أنها فرضية علمية جائزة.

عورضت هذه النظرية في روايات من الخيال العلمي، وألعاب الفيديو، ومسلسلات تلفزيونية، وأفلام مثل فيلم “ماتريكس” ومسلسل “ريك آند مورتي (Rick and Morty)، لكنّ المفهوم أصبح حديثا واقعيا عندما اقترح أستاذ الفلسفة في جامعة أكسفورد نيك بوستروم فرضيته في ورقة بحثية بعنوان “هل نعيش في محاكاة كمبيوتر؟”.

ويؤكد بوستروم أنّ البشرية ستنقرض قبل أن ندخل المرحلة التي نكون فيها قادرين على إجراء عمليات المحاكاة، وسيكون الناس في المستقبل إما غير مهتمين بالمحاكاة إذا وصلوا إلى عصر “إنسان ما بعد البشرية”، وإما أنَّهم قد توصّلوا إلى أنّها عملية غير أخلاقية، أو أنّنا نعيش في محاكاة في الوقت الحالي.

تقول الورقة البحثية أيضا إنه قد لا يكون البشر هم الذين يخوضون هذه التجربة، وقد تكون هناك حضارةٌ في مكانٍ ما في أعماق الفضاء يُجري مَن فيها عمليات محاكاة للأسلاف.

يقول بوستروم لموقع “لاد بيبل” البريطاني “إذا تخيلنا أن العلم والتكنولوجيا يستمران في الاتساع والوصول إلى حالة النضج؛ يمكننا أن ندرك أنَّه عند هذه النقطة قد يكون من السهل إنشاء محاكاة لكمبيوتر مفصلة للناس على غرار أسلافهم، ولن تكون مميزة/ مختلفة عن الواقع الأصلي”.

تلقي الورقة البحثية أيضا الضوء على فيلم “إنسبسيون” (Inception)، على غرار مفهوم أنه يمكننا أن نكون نحن محاكاة، داخل محاكاة، داخل محاكاة، إلخ.

ويقول نيك “قد يكون من الممكن للحضارات المُقلَّدة أن تصبح حقيقة في مرحلة ما بعد البشر. وربما حينها يجرون عملياتهم هم لمحاكاة أسلافهم على أجهزة كمبيوتر قوية، بنوها في عالمهم المقلّد”.

لقد ناقش الباحثون هذه الفكرة عام 2016، في المنتدى السنوي التذكاري لإسحاق أزيموف، بالمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي.

وأدار النقاش وقتها نيل ديغراس تايسون، مدير القبة السماوية “هايدن” في المتحف، وكان رأيه أن احتمال أن تكون كل حياتنا مجرد برنامج على كمبيوتر أحد الأشخاص، يُقدر بنسبة 50 بالمئة. حيث قال “أعتقد أن احتمالية ذلك قد تكون عالية للغاية”. كما أشار إلى الفجوة بين ذكاء البشر وحيوانات الشمبانزي على الرغم من أنها تشترك معنا في 98 بالمئة من الحمض النووي. قد يكون هناك في مكان ما كائن يفوق ذكاؤه نسبة ذكائنا بقدر كبير للغاية.

ويقول تايسون “سنبدو حمقى نلهو بجهلنا لدى المقارنة بهؤلاء الأشخاص فائقي الذكاء”. ويضيف “إذا كانت هذه الحقيقة، فإنه من السهل عليَّ أن أتخيل أن كل شيء في حياتنا صنعته كائنات أخرى للتسلية”.

من جانبها، تذكر ليزا راندال، عالمة الفيزياء النظرية في جامعة هارفارد، أن الحُجة الإحصائية، التي تقول إن معظم العقول في المستقبل سوف تتحول إلى عقول اصطناعية وليست بيولوجية، غير مُسلَّم بها. فكما تقول “إنها لا تستند إلى احتمالات واضحة المعالم. تقول الحُجة إن هناك الكثير من الأشياء التي تريد صنع محاكاة لنا. وأنا لا أوافق على هذا. فنحن نهتم أغلب الوقت بأنفسنا. فلا أعلم لِمَ قد ترغب هذه الأنواع العليا في صُنع محاكاة لنا؟”.

وأقرت راندال أنها لا تفهم تماما سبب التفات العلماء الآخرين من الأساس إلى فكرة أن الكون هو محاكاة. وتوضح “أنا فعلا مهتمة للغاية بمعرفة سبب اعتقاد العديد من الناس بأهمية هذا التساؤل”. وقدرت راندال احتمالات أن يكون هذا الأمر حقيقيا بنسبة “ضعيفة للغاية تقترب من الصفر”.

وإذا تبين أننا نعيش بالفعل في نسخة من فيلم “ماتريكس”، فماذا نفعل؟ يقول ديفيد تشالمرز، أستاذ الفلسفة في جامعة نيويورك، “قد نكون جزءا من محاكاة كمبيوتر، وقد لا نكون كذلك، ولكن إذا كنا جزءا من لعبة، فالأمر ليس بهذا السوء”، ويعلق تشالمرز “نصيحتي هي الخروج وفعل أشياء مثيرة للاهتمام بحق لئلا يوقفك مشغلو المحاكاة عن اللعب”.

ولكن البعض كان أكثر تأملا، قائلين إن هذه الاحتمالية تثير بعض الأسئلة الروحية المهمة. فإذا صنع شخص ما في مكان ما هذه المحاكاة لنا، فهل يصبح بذلك هو الإله؟

ووفقا لمجلة ذا نيويوركر الأميركية، هناك فريق من العلماء، يقودهم اثنان من أثرياء مجال التكنولوجيا، يحاولون حاليا معرفة ما إذا كانوا قادرين على بدء المحاكاة، فيما يحاول فريق آخر من جامعة “واشنطن” الأميركية معرفة ما إذا كانوا قادرين على جمع آثار مادية في عالمنا قد تُعزى إلى محاكاة. ولم يثبت أي شيء حتى الآن.

ويقول البروفيسور “لا أعتقد أنّ هناك أيّ دليل قوي لطريق أو لآخر. لكن النافذة التي تقول لك ‘اضغط هنا للمزيد من المعلومات’، قد تكون نوعا من الأدلة الدامغة”.

أضف تعليقك