واقع الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة في الأرْدُنّ.. منقوصة

تعد الحماية الاجتماعية حجر الزاوية لتحقيق العدالة الاجتماعية حين يتم توفيرها لجميع المواطنين والمقيمين على أراضي الدولة، وتضمن الحماية الاجتماعية تمتع الجميع بفرص متساوية، وحمايتهم من شتى المخاطر الحياتية.

وتعتبر الحماية الاجتماعية حق من الحقوق التي يجب على الحكومات ضمانها لمواطنيها، وهو ما تنص عليه المادة (22) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تعد جوهر التضامن لأي مجتمع.

وتوفر الحماية الاجتماعية الحصول على التغذية والتعليم والصحة والعمل، وتوفير الدخل الأساسي عند الحد الأدنى للأجور على الأقل للأشخاص في سن العمل وغير القادرين على العمل، خاصةً في حالات المرض والبطالة والأمومة والإعاقة والمسنين لتحقيق حياة فضلى لهم.

وتهدف الحماية الاجتماعية عمومًا إلى رفع مستوى نوعية الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لأفراد المجتمع استنادا إلى مقاييس مختلفة بالعمل والتعليم والصحة والسكن، وتعتبر الحماية الاجتماعية مفتاح الحفاظ على هذه الحقوق، وضمان قدرة الناس على تجاوز الفقر أو الحد منه وانعدام الأمن، ويعد هذا لسبب في أن الحماية الاجتماعية تكمن في صُلْب استراتيجيات القضاء على الفقر في العالم بحلول عام 2030، وهو من الأهداف الأولية السابعة عشر من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ولنجاح هذه الأهداف الاستراتيجية  يجب أن تولى اهتماما خاص فيما يتعلق بالمرأة والفئات الأكثر هشاشة.

في الأردن عند الحديث عن الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر هشاشة في المجتمع ونخص المرأة العاملة، فتعد الحماية الاجتماعية منقوصة بشكل مضاعف فعلى الرغم من مساهمتهم الحيوية في المجتمع، ودعمهم للأسر باحتياجاتها الأساسية والرعائية، فإن معظم العاملات يواجهن حواجز متعددة للتمتع بالحماية الاجتماعية الفاعلة التي تشمل الحق المنقوص بالضمان الاجتماعي حيث يتم استبعادهم من تشريعات الحماية الاجتماعية الفاعلة والحقيقية، وعليه فإن  هذه الفجوات الحقوقية في منظومة الحماية الاجتماعية تُعرض المرأة العاملة بشكل خاص لأوضاع معيشية هشة وصعبة.

تعد مظلة الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة مجتزأة حيث تتمثل ببعض الاستحقاقات الحقوقية وتشمل استحقاقات الشيخوخة والعجز والورثة والرعاية الطبية والأمومة وتقدم غالبية هذه الاستحقاقات خلال فترة عملها ومنها ما هو مشروط باستكمال السن التقاعدي على سبيل المثال لا الحصر.

ومن أسباب اجتزاء وتهميش المرأة العاملة من مظلة وبرامج الحماية الاجتماعية في الأرْدُنّ : تدني ملكيتهن للأموال المنقولة وغير المنقولة من شقق وأراضي، وضعف انخراطهن في سوق العمل بسبب وجود إجراءات تميزيه ممارسة من قبل بعض أصحاب العمل، وضعف مشاركتهن الاقتصادية بسبب بيئات العمل غير صديقة للمرأة التي تتضمن ضعف الخِدْمَات المساندة مثل غياب دور الرعاية اللائقة للأطفال، وندرة وسائل النقل الملاءمة والصديقة للمرأة إلى جانب ضعف البنية التحتية في الدولة، ونذكر أيضا تبعية المرأة العاملة الاقتصادية والمتمثلة بعدم حريتها في التصرف بأموالها وغالبا هذه التبعية محصورة إما بالزوج أو الأب،  والعامل الأكبر الأنماط التمييزية المتعددة ومنها الفجوة في الأجور بين الجنسين.

 وتتدنى نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل خصوصاً في القطاع الخاص، إذْ لا تتجاوز نسبة مشاركتها في هذا القطاع 14%  بينما تصل في القطاع العام إلى 37%، بينما نسبة المشاركة للرجال في سوق العمل تتجاوز الـ 54% للرجال، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات الأردنية، ما يضع الأردن في المرتبة 135 من بين 144 في العالم من حيث مشاركة المرأة في القوى العاملة، وهي مرتبة أقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 37.9% في البلدان ذات الدخل المتوسط-المنخفض، وفقا لمنظمة العمل الدولية، بالرغم من ارتفاع مستوى التعليم الذي وصلت إليه المرأة في الأردن والانفتاح التكنولوجي والمعرفي أمامها، الأمر الذي يعكس تدني نسبة النساء المشتركات في الضمان الاجتماعي اذ لا تتجاوز نسبتهن (27.8%) من إجمالي المشتركين الفعالين وهذه فجوة كبيرة تتطلب من كافة الجهات إيجاد الحلول اللازمة لمعالجتها، لتعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل ودعم دورها في تنمية الاقتصاد الوطني.

ونتيجــة لضعــف المشــاركة الاقتصادية للمرأة، فإنهــن لا يتمتعـن بالحمايـة الاجتماعية مـن رواتـب تقاعديـة وتأمينـات صحيــة، وإن مــن شــملتهن الحمايــة الاجتماعية يتمتعــن بمسـتوى أقـل ممـا يتمتـع بـه الرجـال كما أشرنا سابقا،  كمـا أن الأعمال الرعائيـة والأعمال المنزليـة غيـر مدفوعـة الأجر، والعمل عند العائلة، التـي تقـوم بهــا المرأة تكــون علــى حســاب فــرص العمــل المدفوعــة الأجر المتاحــة لهــن، إضافــة الــى أن الكثيــر مــن النســاء يعملـن فـي القطـاع غيـر المنظـم الـذي يغيب عنه كافة معايير الحماية الاجتماعية من حيث الأجور وساعات العمل وتعويضات إصابات العمل والأمومة وغيرها من الحمايات الاجتماعية.

ويعود غياب برامج الحماية الاجتماعية عن المرأة تحديدا لاعتبارات عدة منها: أن المرأة تعاني بوجه خاص من آثار سلبية مضاعفة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، فدخلها أقل بصفة عامة من الرجل، وادّخارها أقل، وتعمل بوظائف غير آمنة أو تعيش في مستويات قريبة من مستوى خط الفقر، إلى جانب ذلك فإن العبء مضاعفاً على المرأة حيث تعمل أضعاف الرجل من خلال عملها الرعائي والمنزلي.

وتعمل المرأة ساعات طويلة في عدد من القطاعات منها القطاع الصحي والقطاع التعليمي خاصة العاملات منهن في القطاع الخاص، ليضاف إلى ذلك مسؤولية متابعة وتدريس الأبناء ورعاية الأسرة، وهكذا ِيُلقى على المرأة أعباء ومسؤوليات أثقلت كاهلها، وتشتد حدةً عندما تكون هي المعيل الوحيد والأساسي لأسرتها والمتمثلة في حالة (الطلاق أو وفاة الزوج وفي حالة رعاية كبار السن والأشخاص من ذوي الإعاقة).  فتعيش المرأة بحالةٍ من الضغط النفسي والشعور بالقلق والتوتر والاكتئاب والنظرة التشاؤمية تجاه المستقبل بالإضافة الى تدني الوضع الصحي لها في ظل هذه التحديات والضغوطات النفسية والاجتماعية مع تلك الاعباء الاقتصادية التي تقع على كاهلها في غياب منظومة الحماية الاجتماعية التي هي بالتالي تصل بنا الى الامن المجتمعي الشامل التي نسعى بتحقيقه  من خلال منظومة الحماية الاجتماعية بشكل شمولي وواقعي.

وفي سياق الحماية الاجتماعية ومن منطلق الأهمية التطرق إلى الضمان الاجتماعي حيث تكمن أهميته في حماية المشتركين وتأمين راتب مستمر لهم في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة أو أثناء انقطاعهم المؤقت عن العمل بسبب المرض أو الإصابة، إضافة للتأمين الصحي والتأمين ضد البطالة، وشمول المرأة بشكل خاص بتأمين الأمومة أو بتأمين المنح العائلية لرعاية الأطفال. وهذه التأمينات هي الحد الأدنى الذي أقرته الأمم المتحدة للضمان الاجتماعي، وعند الاطلاع على نسب المستفيدين من كل من هذه التأمينات يظهر أن استفادة المرأة منها أقل من استفادة الرجل حيث أن نسبة كبيرة جدًا من النساء لا يحصلن على راتب تقاعد من الضمان الاجتماعي غالبا بسبب انسحابهن مبكرا من سوق العمل، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهنالك انتقاص بحقوقها، فعلى سبيل المثال لا الحصر الرواتب التقاعدية للمرأة أقل من رواتب الذكور لجميع أنواع التقاعد ويشمل ذلك كل أنواع الرواتب التقاعدية ابتداءً من التقاعد المبكر والشيخوخة والعجز، وانتهاءً براتب الوفاة، ، نظرًا إلى أن متوسط عدد سنوات اشتراك المراة في الضمان أقل منه للرجال، كذلك إن انسحاب المرأة من سوق العمل مبكرا يساهم في حرمانها من حقوقها في الضمان الاجتماعي.

إن حصول المرأة على امتيازات أقل من الرجل في الضمان الاجتماعي بما فيها راتب الاعتلال والتقاعد المبكر والشيخوخة يعود إلى  نسبة التشغيل المنخفضة، وانخفاض نسبة اشتراكهن بالضمان، وترك الكثير منهن العمل (بالتالي الاشتراك بالضمان) بسن مبكرة، واختيار بعضهن تعويض الدفعة الواحدة بدلًا من انتظار الراتب التقاعدي، إلى جانب ذلك كله فأن قانون الضمان الاجتماعي في الأردن يتعامل مع رواتب الوفاة بشكل مختلف في حالتي الرجل والمرأة، حيث أن راتب المرأة المتوفاة لا يورث لزوجها إلا إذا كان مصابًا بعجز كلي، بعكس حالة الرجل المتوفى الذي يورث راتبه لزوجته على جميع الأحوال.

وتكمن هنا المشكلة في الأطراف الثلاثة وهم: مؤسسة الضمان الاجتماعي التي لا تضع تشريع شامل ومتكامل، وبأصحاب العمل الذين يرفضون غالبا اشراك العاملين في مظلة الضمان الاجتماعي، وبالنساء العاملات أنفسهن اللواتي لا يبلغن عن عدم إشراكهن في الضمان الاجتماعي خوفا من خسارة عملهن.

ونورد مثال  على الجانب التميزي الواردة في الضمان الاجتماعي، وهو قيام المرأة العاملة  بإرسال طفلها للحضانة، أو إلى عائلاتها أو إلى دار رعاية منزلة، لغايات رعايته، وخلال هذه العملية في حال تعرضت المرأة العاملة لأي إصابة عند إرسال طفلها أو إعادته من المكان المخصص لرعايته لا يتم الاعتراف بها أنها إصابة عمل، كما لا يعترف أيضًا بأي إصابة تتعرض لها المرأة العاملة أثناء مغادرتها للعمل لإرضاع طفلها تطبيقا لقانون العمل وحصولها على ساعة للرضاعة، أو أثناء عودتها، رغم أن إصابات العمل بشكل عام تشمل الإصابات التي يتعرض لها العمال في طريقهم إلى العمل أو عودتهم منه، ما يتطلب تعديل التشريعات ذات العلاقة لتحقيق حمايات اجتماعية أكبر للمرأة العاملة خاصة التي تقوم برعاية أطفالها.

أخيرًا، فيما يخص تأمين الأمومة يفترض أن يشكل شمول هذا التأمين في قانون الضمان نقلة نوعية بالنسبة للأمهات العاملات، لكنه حافظ على الوضع السابق الذي عانيْن منه كثيرا فالتأمين لا يشمل الأمهات إلا بعد ست شهور من شمولهن بالضمان، كما بقيت إجازة الأمومة كما هي ولم يتم زيادة فترتها لتصبح مواكبة للقطاع العام (حيث إجازة الأمومة 90 يوما)، ولاتفاقية منظمة العمل الدولية لحماية الأمومة، 2000 (رقم 183)، كما أن إجازة الأمومة لا تشمل حالات الإجهاض، ما يضطر الكثير من الأمهات العاملات للحصول على إجازة إضافية من دون راتب ومن دون تغطية من الضمان الاجتماعي، وخصوصًا حين تعاني الأم من مشاكل خاصة بعد الولادة، ، وهنا يتوجب أن نُشير إلى أن هنالك ما يقارب الـ 32% من النساء العاملات يعملن في القطاع العام، لذا لا يحصلن على تأمين الأمومة الذي توفره مؤسسة الضمان الاجتماعي.

بالاستناد الى ما سبق نوكد على ضرورة  تفعيل برامج الحماية الاجتماعية خاصة للمرأة من خلال شبكات الأمان الاجتماعي وأ تكون بشكل عادل، وتوفير إجراءات الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة بشكل عام، وللعاملة في قطاع العمل غير المنظم  بشكل خاص وتوفير تراخيص عمل لأعمالهنّ الخاصة بسهولة ويسر،  ولابد من متابعة تقديم الرعاية الصحية للمرأة بما يضمن استمرار تلقي خدمات رعاية الأمومة والطفولة وتنظيم الأسرة، بالإضافة إلى خدمات الدعم النفسي، وتعديل مواد قانون الضمان الاجتماعي بتجاه انصاف المرأة وحمايتها، كذلك توفير حمايات للمرأة المسنة من حيث الرعاية الصحية والتمكين الاقتصادي.

 

* بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

المصادر  والمراجع

1.       وزارة العمل الأردنية

2.       المؤسسةالعامة للضمان الاجتماعي

3.       منظمة العمل الدولية

4.       دائرة الاحصاءات الأردنية

5.       موقع حبر

أضف تعليقك