كيف أثرت سياسة رفع أسعار المحروقات على حياة الأردنيين؟

الرابط المختصر

ترك احمد سليم عمله كسائق تكسي منذ عامين فبعد أن كانت مصدر رزقه الوحيد بات اليوم يجلس بلا عمل فكما يقول لا "أحد يقبل أن تستمر في عملك، وتتكبد خسائر وتدفع من جيبك".

 

سليم الذي زاول مهنته كسائق تكسي لاكثر من 20 عام يرى نفسه اليوم يربح ولا يخسر بعد أن هجر مهنته عام منتصف عام 2021 كسائق تكسي؛ بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار البنزين حيث عمل بهذه المهنة سابقا مقابل ضمان التكسي بقيمة 20 دينار يوميا ويقوم بتحصيل مبلغ 35 ـ 40 دينار يوميا فيدفع قيمة الضمان ويبقى له 15 ـ 20 دينار يوميا  .

 

 في العام 2021  هجر عمله دون أن يندم على ذلك يقول إنه كان يدفع من جيبه نتيجة ارتفاع اسعار البنزين المتتالي ففي كل عام تطرأ ارتفاعات جديدة على أسعار البنزين وهو ما تسبب بخروجه من العمل مكرها  .

 

أما السائق سلمان الحوري من محافظة اربد يعمل كسائق تكسي منذ عام 1998 وحتى اليوم حيث يبن أنه في العام 2010  كان يقوم بتعبئة البنزين بمبلغ 7 دينار لكل 100 كيلو ثم زادت الأسعار بذات العام لتصبح 8 دينار لكل 100 كيلو وبعدها اصبحت 10 و11  دينار لكل 100 كيلو .

Radio Al-Balad 92.5 راديو البلد · كيف تسببت السياسات الاقتصادية للحكومة في الفقر مواطنين؟

  

ويقول انه يمتلك تكسي بسعة ماتور 1600 وقبل 15 عام كان يقوم بتعبئتها يوميا على نظام "فل" ب 20 دينار يوميا  ويقوم بتحصيل مبلغ يتراوح بين 35 ـ 40 دينار يوميا أما اليوم فقد أصبح فل السيارة 45 دينار نتيجة الزيادات المتتالية على أسعار المحروقات  .

 

الكلف التشغيلية زادت والأجور تضاعفت على الزبائن وفق الحوري الذي اشار ان اسعار التكسي انخفضت ايضا فقبل 10 اعوام كان يصل سعر التكسي 50  ـ 55 الف دينار اما اليوم وبسبب انخفاض الاقبال على التكسي نتيجة ارتفاع الاجور وكثرة التطبيقات الذكية فقد انخفض سعرها الى 20 ـ 25 الف دينار .

في حزيران 2019  خضعت المشتقات النفطية لضريبة مقطوعة في الأردن ، بلغت قيمتها  370 فلسا كل لتر بنزين اوكتان 90 و575 فلسا لكل لتر بنزين أوكتان 95  و 165 فلسا لكل لتر سولار او كاز في حين اعلنت حكومة نادر الذهبي عام 2008 عن تحرير أسعار المحروقات ورفعها وتبعها حكومة سمير الرفاعي التي قامت برفع الاسعار بعد الإعلان آنذاك عن صندوق للتحوط تجاه أسعار النفط، كان تأسس منذ سنوات، وتم بموجبه فرض رسوم بنسبة 10 % على المحروقات في محاولة لتبرير وتمرير فرض ضرائب على المحروقات، عبر إلغاء الرسوم المفروضة سابقا، وإعلان حزمة موحدة من الضرائب عليها.

 واستمرت  الحكومات المتعاقبة في ادارة الملف عبر زيادة أسعار المحروقات رافقها احتجاجات في الشارع كما حصل بعهد حكومتي عبدالله النسور عام 2012 وهاني الملقي عام 2018 .

 

وتشكل الضرائب الخاصة على الكهرباء والمحروقات وارتفاع معدلات البطالة  حوالي 19% في سنة 2019 قبل تأثر البلاد في جائحة كورونا اذ يعتبر ذلك أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمع الاردني جراء ارتفاع كلف المعيشة وتضاعف نسب التضخم نتيجة ارتباط كلف الانتاج و نقل السلع والبضائع والمواصلات بالمحروقات وهو أمر بات يثقل كاهل الاسر الأردنية التي أصبحت مثقلة بالديون والقروض نتيجة هذه الارتفاعات التي أدت الى تآكل دخول الاردنيين .

وبلغت نسبة الفقر في الأردن نحو 24% في آب 2021 بحسب تقديرات لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، كما شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً ملحوظاً لتصل إلى 22.8% في نهاية الربع الأول من العام 2022 بعد أن كانت قد وصلت إلى حاجز الـ25% في نهاية الربع الأول من العام 2021، بحسب ارقام دائرة الاحصاءات العامة.

 

قطاع النقل مهدد بالانهيار بسبب المحروقات

يتطابق ما ذهب إليه الحوري وسليم مع رئيس نقابة اصحاب السيارات العمومية والتكسي احمد ابو حيدر فيقول ان السائق يقوم حاليا بضمان التكسي بمبلغ 20 دينار يوميا بينما يحصل 25 دينار او 27 دينار جراء عمله ويبقى لجيبه مبلغ زهيد بعد دفع قيمة الضمان وكل ذلك نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات .

 وزاد ان الكلف التشغيلية مرتفعة وهذا القطاع يمر بمرحلة صعبة وحرجة وبات مهددا بالانهيار خصوصا مع عمل التطبيقات الذكية غير المرخصة وارتفاع المحروقات  وهذا الأمر زاد الطين بلة وعلى الحكومة دعم هذا القطاع والنظر إليه حتى يستمر بتقديم خدماته للركاب.

عدد سيارات التكسي في الاردن 17 الف سيارة و5 آلاف سرفيس و6 آلاف باص عمومي والفي سيارة سفريات داخلية وخارجية و3 آلاف سيارة تدريب قيادة ونحو 22 ألف شاحنة وفق أبو حيدر .

 

وبين أن النقابة اجتمعت مع عدة جهات حكومية كوزارة الداخلية والنقل لكن دون اي جدوى .

ووفق مالك احد باصات الكوستر اربد ـ عمان جمال العمري  أن الاجرة على الخط قبل 15 عام كانت نصف دينار وارتفعت بعدها لتصبح 60 قرش وبعدها 75 قرش لكن بعد تحرير اسعار المحروقات ارتفعت الى دينار لعدة سنوات وأصبحت الأجرة الان دينار ونصف .

 

صناعة الأردن: المحروقات عامل أساسي مؤثر على تكاليف الإنتاج

وقال رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير ان  الطاقة تعتبر بكافة أشكالها مدخل إنتاج رئيسي لمختلف القطاعات الصناعية الفرعية، والتي تشكل كلفتها ما نسبته بالمعدل لكافة القطاعات الصناعية 30-35% من كلف الانتاج، ويصل لأكثر من 40% في بعض القطاعات مثل قطاع الصناعات البلاستيكية والمطاطية، إذ يستهلك القطاع الصناعي ما نسبته 16% من إجمالي مصادر الطاقة المستخدمة في الأردن، باعتباره القطاع الثالث المستهلك للطاقة بعد القطاع السكني والنقل، وثاني أكبر مستهلك للطاقة الكهربائية بواقع 21% من إجمالي الكهرباء المستخدمة في الاردن.

وزاد أنه على صعيد المشتقات النفطية، يدفع القطاع الصناعي ما يقارب 400 مليون دينار سنوياً كفاتورة للوقود والمحروقات، وتشكل أكثر من 5% من اجمالي تكاليف انتاجه، حيث تعتبر الوقود والمحروقات عاملاً أساسياً مؤثراً على تكاليف الانتاج الصناعي، وخاصة في بعض القطاعات الفرعية على رأسها؛ الصناعات الانشائية، الصناعات التعدينية، والصناعات البلاستيكية.

وأضاف الجغبير تعتبر الطاقة بكافة أشكالها مدخل إنتاج رئيسي للقطاع الصناعي، وان ارتفاع كلفها واسعارها ينعكس سلباً على القطاع الصناعي من جانب تنافسيته محلياً وخارجياً، وينعكس حتماً على المواطن من خلال ارتفاع أسعار السلع وتراجع قوته الشرائية، وبالتالي أصبحت كلف الطاقة تحدياً كبيرة يعيق تنافسية القطاع الصناعي ويقف في وجه نموه وتوسعه، إذ تصل الفروق في كلف الإنتاج مع المنافسين في الأسواق الداخلية وأسواق التصدير الى 25% مما يعيق بشكل واضح قدرة الصناعة التنافسية.

ويقول الجغبير إنه ووفقاً لدراسة أعدتها غرفة الصناعة والتي تؤكد على حقيقة أن خفض تكاليف القطاعات الاقتصادية يؤدي حتماً الى تعزيز التنافسية والانتاج ويساهم في زيادة قدرة القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها الصناعية والتي خلصت الى أن الاثر الإيجابي لخفض تعرفة الكهرباء بما نسبته 10% على الصناعة، يحدث ارتفاعاً بما نسبته 2% على الإنتاج الصناعي، ويسهم بنمو الناتج المحلي بحوالي 0.4%، ويخلق في الاقتصاد حوالي 10 آلاف فرصة عمل.

وبين أن الغرفة قدمت جملة من الحلول والمقترحات الخاصة بكلف الطاقة منها على وجه الخصوص المطالبة بمد المناطق الصناعية بالغاز بهدف خفض كلف الانتاج ورفع تنافسية المنتجات الصناعية، وقد نجحنا بتضمين هذا المشروع كأحد المبادرات الهامة في رؤية التحديث الاقتصادية وخطط عمل الحكومة.

 واتخذت الحكومة هذا العام عدة خطوات إيجابية بهذا الخصوص بدءاً بوضعه وإدراج مشروع تزويد عدد من المدن الصناعية بالغاز الطبيعي ضمن موازنة العام 2023 بتخصيص مبلغ 5 مليون دينار ضمن المشاريع الرأسمالية الجديدة التابعة لوزارة الطاقة والثروة المعدنية، والبدء بتنفيذ الدراسات الفنية اللازمة لبدء العمل وانجازه.

واضاف ان سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة  أعلنت مؤخراً عن أنه سيتم افتتاح مدينة القويرة الصناعية في الربع الثالث من هذا العام، كأول مدينة صناعية يصل لها خط غاز مباشر، حيث ستقام فيها محطة للغاز الصناعي و تزويدها بالغاز الصناعي لتخدم جميع الصناعات.

واعرب عن امله  بأن يتم الإسراع في مد المدن الصناعية الرئيسية بالغاز، بما يعزز تنافسيتها، حيث تشير الدراسات بأن عملية التحوّل لإستخدام الغاز الطبيعي يمكن أن يوفر حوالي 60% من كفاءة الاحتراق بالمقارنة مع الديزل وبحوالي 27% بالمقارنة مع الوقود الثقيل، بالتالي خفض كلف الإنتاج الصناعي وزيادة تنافسية المنتج الأردني في السوق المحلي والأسواق الخارجية، وإطلاق قدرات المنشآت على التوسع وخلق المزيد من فرص العمل.

ومن جانب آخر، تعمل الغرفة حالياً على المضي قدماً في في تنفيذ مشروع الطاقة الشمسية "100 ميغا واط" للقطاع الصناعي خلال الفترة القادمة والذي سيوفر نحو 15 مليون دينار من كلف الكهرباء سنوياً، والتي ستستفيد منه 84 منشأة صناعية، مما يعزز قدرات القطاع التنافسية والتصديرية والإنتاجية، حيث وقعت مؤخراً اتفاقية التمويل وتم احالة العطاء مسبقاً لشركة متخصصة والتعاقد مع شركات استشارية، ويتم الآن وضع آخر اللمسات لبدأ التنفيذ الفعلي.

 وبين الجغبير أنه يجري العمل على تمكين القطاع الصناعي من التوجه نحو تقنيات الطاقة المتجددة، والعمل بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية والمانحة على إنجاز عدد من المبادرات ذات الأثر المباشر على كلف الإنتاج وأسعار الطاقة لها، وبما يعزز تنافسية الصناعة المحلية، ودفع معدلات النمو وخلق وظائف للشباب.

 

تجارة اربد : تخبط حكومي بإدارة ملف المحروقات يدفع ثمنه المواطن والتاجر

وقال رئيس غرفة تجارة اربد محمد الشوحة ان السياسات الحكومية في إدارة ملف المحروقات خلال السنوات الماضية وتحرير اسعارها وفرض ضرائب ثابتة عليها القى بظلاله على كافة القطاعات التجارية التي تضررت جراء هذه القرارات .

 

واعتبر الشوحة ان الحكومة تتخبط منذ سنوات طويلة في ادارة الملف دون إدراك لحجم الآثار السلبية المترتبة فالكلف زادت على عمليات نقل البضائع القادمة من ميناء العقبة حيث تضاعفت الأسعار على التجار بنسبة 100% .

 

ويضيف أنه كتاجر قام باستيراد بضاعة ووصلت قبل عيد الفطر الماضي واضطر لدفع مبلغ 150 دينار كزيادة على كلف النقل من أجل جلبها من ميناء العقبة الى اربد وهذه الزيادة نتيجة تضاعف أسعار الديزل على الشاحنات و لا يستطيع التاجر تحملها وحده حتى لا يتكبد خسائر وبالتالي تنعكس على أسعار البضاعة فبدلا من انخفاضها فانها ترتفع على المواطن .

 

وأضاف الشوحة ان العديد من الدول لجأت الى تحرير أسعار المحروقات لكن هناك منافسة واضحة بين محطات المحروقات بحيث تكون الأسعار مختلفة ومنخفضة من محطة لاخرى وذلك ينعكس على كل القطاعات بحيث تكون هنالك خيارات بالشراء منها بأسعار مخفضة والتوجه للأقل سعرا لكن في الأردن الحكومة لم تتمكن لغاية الآن " من وضع يدها على الوجع" على حد قوله .

 

الشوبكي : الحكومة استسهلت فرض ضرائب على المحروقات ولا مراعاة لدخل المواطن

ويقول الخبير النفطي عامر الشوبكي انه وبلا شك فإن تجربة الحكومة في الاعتماد على الضرائب من جيوب المواطنين أثبتت فشلها دون أي مراعاة الفروقات الدخل للمواطنين فهذه الضرائب تشتمل على ضريبة  المشتقات النفطية وضريبة المبيعات بحيث أصبح العبء الضريبي على المواطن أكثر من 40% .

 

 

ويرى الشوبكي أن الحكومة استسهلت فرض الضرائب على المشتقات النفطية وتدرجت في رفع الضريبة عليها عام 2019 فرضت الحكومة ما يسمى بالضريبة الثابتة المقطوعة وقيمتها كبيرة وتشكل جزء كبير من السعر المباع للمواطن بواقع 3.30 دينار على تنكة السولار والكاز و7.40 دينار على تنكة بنزين 90 و 11.50 على تنكة بنزين 95 وذلك عدا عن السعر العالمي حيث أن هذه الضريبة ثابتة سواء ارتفعت أو انخفضت الاسعار .

 

ويضيف أنه مع ارتفاع الأسعار العالمية للمحروقات فقد أصبحت العبء الأكبر على المواطن وباتت قيمة المشتقات النفطية لا تتناسب مع دخل المواطن وهو ما دعا بالحكومة الى تخفيض الضريبة على الكاز بالشتاء الماضي حتى يتمكن المواطنين من شراءه لغايات التدفئة .

 

واضاف ان اسعار المشتقات النفطية متقلبة مرتبطة بالظروف جيوسياسية واصبح هنالك ارتفاع على أسعار النفط العالمية وكل ذلك بات مرهقا ولا يطاق وفوق قدرة الاحتمال .

 

ترجيحات عالمية لمؤسسات دولية أن تقفز بأسعار النفط بالفترة القادمة نتيجة قرارات أوبك+ الى جانب الظروف العالمية والحرب الروسية الاوكرانية وهذه الامر يستدعي بالحكومة التفكير بتحصيل الأموال من خارج جيوب المواطنين ومراعاة دخولهم الشهرية .

 

سياسة التخاصية 

ووفق الورقة البحثية التي نفذت  بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية  فقد جاءت سياسة التخاصّية في صلب برنامج «التصحيح الاقتصادي» الأردني منذ سنة 1992، وهي تُعتبر من أخطر فصول البرنامج على الاقتصاد الوطني، الأمر الذي أفضى إلى إضعاف الدولة، وعجزها عن القيام بواجباتها،  كان مشروع تحويل العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة باكورة عمل المدرسة الليبرالية الجديدة، بإدارة المجلس الاقتصادي الاستشاري، وأصبح المجلس بوابةَ السياسات النيوليبرالية، كما بدأت سياسة تهميش دور الحكومة والوزراء ذوي الاختصاص.

 

وبدأت تتشكل مؤسسات موازية للحكومة قاسمت الوزارات صلاحياتها، وتوظَّف رؤساء ومديرون ومستشارون برواتب عالية لا علاقة لها بنظام الخدمة المدنية مستنزفة اموال الخزينة، والتي عرفت لاحقا في "الهيئات المستقلة" ، تمهيدا لخصخصة المؤسسات العامة للدولة.  إن تسليط الضوء على الخروقات القانونية والدستورية  التي ارتكبت من قبل الجهات الرسمية أثناء عمليات الخصخصة يكشف بوضوح عن الأضرار الجسيمة التي سببتها المخالفات، عدا عن الفساد المالي والإداري الذي كشفت عنه اللجنة الملكية لتقييم التخاصية، ومع ذلك لم تُتخذ أي إجراءات لمعاقبة ومحاسبة المسؤولين عن هذه المخالفات، ولا إزاء الإجراءات المفضوحة التي تسببت بخسائر فادحة. غني عن القول إن رفض إجراءات الخصخصة ليس محصورا بالمخالفات والإجراءات؛ بل في جوهر سياسة الخصخصة، فإن سياسة الخصخصة لم تكن خيارا وطنيا، أن مبدأ التخلي عن الأصول لصالح الاحتكارات الرأسمالية العالمية أضعف الاقتصاد الوطني، وأفضى إلى هيمنة رأس المال الأجنبي على معظم الشركات الكبرى.

 

السياسات الضريبية تُفاقم الأزمة

  وتنطلق الفلسفة الضريبية عامة من مبدأ إعادة توزيع الدخل، وهي تستند إلى ثلاثة مبادئ أساسية، مالية واقتصادية واجتماعية، وذلك لتحقيق الأهداف التالية: أولا، توفير إيرادات للخزينة، ثانيا، استخدام السياسة الضريبية أداةً لتحفيز القطاعات الإنتاجية المرغوبة (الصناعة والزراعة والسياحة وتكنولوجيا المعلومات)، وثالثا، تحقيق العدالة الاجتماعية بفرض ضريبة تصاعدية على الدخل.

 

 وقد استندت السياسة الضريبية في الأردن، التى كانت سائدة قبل الدخول في برنامج "التصحيح الاقتصادي" إلى المادة 111 من الدستور الأردني. بينما انطلقت المدرسة الجديدة التي تبنتها السلطات الرسمية في البلاد من مبدأ ما يسمى «المساواة في توزيع العبء الضريبي» ، فقد استُحدثت الضريبة العامة على المبيعات إضافة الى الضريبة الخاصة،على المشتقات النفطية، ومنذ حزيران 2019  خضعت المشتقات النفطية لضريبة مقطوعة، بلغت قيمتها  370 فلسا كل لتر بنزين اوكتان 90 و575 فلسا كل لتربنزين أوكتان 95  و 165 فلسا كل لتر سولار او كاز . وقد أسهمت هذه السياسات الانكماشية في تراجع النمو الاقتصادي فالمشتقات النفطية تعتبر مادة ارتكازية تؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات، وباتت تشكل الضرائب غير المباشرة نحو 88% من اجمالي الايرادات الضريبية، مما يعتبر مخالفة صريحة لنص المادة 111 من الدستور.

 

 

تقييم نتائج برامج صندوق النقد الدولي

 

 وبحسب ذات الورقة البحثية فأن برامج صندوق النقد الدولي لم تفض إلى نتائج اقتصادية واجتماعية إيجابية؛ فقد أظهرت المؤشرات الاقتصادية الحيوية اتساع مظاهر الأزمة، بارتفاع نسبة البطالة، وزيادة عدد الفقراء في البلاد، وأحدثت السياسات الضريبية آثاراً مؤلمة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. أما تقليص عجز الموازنة بنسب متواضعة الذي اعتبر إنجازا من قبل الصندوق؛ فقد كان هذا الإنجاز على حساب خفض النفقات الرأسمالية ، وزيادة العبء الضريبي على المواطنين، وارتفاع معدلات الفقر من 14.4% في سنة 2010، إلى 20% في سنة 2016، حسب معلومات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وهي نسب متحفظ عليها، خاصة بعد اعتراف مدير عام صندوق المعونة الوطني أن 650 دينار شهريا هو حد الفقر للأسرة الأردنية، فإن نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، أو اقتربوا منه.

 

اما الاستشهاد بنتائج النمو الاقتصادي في الأعوام (2001- 2008 ) التي بلغت متوسطها نحو 7.5% كدليل على نجاح سياسات الصندوق، غير صحيح فالنمو الذي تحقق جاء مدفوعا بعودة نحو 300 ألف أردني من دول الخليج، واستثمار مدخراتهم في البلاد، اضافة الى استثمارات العراقيين التي تدفقت في تلك المرحلة.  اما النتائج الفعلية لبرامج "التصحيح الاقتصادي" يمكن تلخيصها بما يلي:

 

1- فشلت محاولات خفض عجز الميزان التجاري والحساب الجاري في ميزان المدفوعات المستهدفة، علما أنه من أهم أهداف البرنامج خفض الموازين إلى الصفر في حين كشفت التقارير الرسمية ( ) لسنة 2005 بعد التخرج من برامج صندوق النقد الدولي، ارتفاع نسبة العجز التجاري إلى 40% من الناتج المحلي، و18% في ميزان المدفوعات.

 

2- فشل تخفيض نسبة الدين العام إلى 77% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية سنة 2021.  في حين واصل الدين العام ارتفاعه، إذ بلغت نسبته في نهاية سنة2021   حوالي 111 % من الناتج المحلي الإجمالي وبقيمة إجمالية بلغت (35.767) مليار دينار، وفق المعلومات الواردة في نشرة وزارة المالية الصادرة في نيسان 2022

 

3- وجهت عضوية الأردن لمنظمة التجارة العالمية، ضربة مؤلمة  للصناعة والزراعة الوطنية في البلاد.

 

الآثار الاقتصادية والاجتماعية  لبرنامج الصندوق 

 تُعدّ الطبقة العاملة وجموع الفقراء الكادحين المعدمين والطبقة الوسطى من أولى المتضررين من سياسة الخصخصة، إذ تعرضت أوساط واسعة من العمال والفنيين والمهندسين للفصل من العمل، فسُـرّح حوالي 20% من العاملين في القطاعات التي خُصخصت وفقا لمعلومات لجنة تقييم التخاصّية الحكومية، منهم 10.4 % من الذين لم يستوفوا شروط التقاعد، وغالبا لم يتمكنوا من إيجاد عمل بديل، وانضموا إلى جيش العاطلين عن العمل.

 

لم يشعر المواطن بأثر إيجابي للنمو على أوضاعه المعيشية، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، والتوزيع غير العادل لعائدات الثروة،  بل على العكس من ذلك؛ دفع المواطنون أثمانا باهظة بسبب زيادة الضرائب غير المباشرة "ضريبة المبيعات"، إضافة إلى الضرائب الخاصة على الكهرباء والمحروقات، وارتفاع معدلات البطالة الى حوالي 19% في سنة 2019 قبل تأثر البلاد في جائحة كورونا.

 

تراجع الدعم على المواد الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية، ومع ذلك لم تتحقق الأهداف المعلنة للسياسات الاقتصادية، بتخفيض عجز الموازنة والحد من تنامي المديونية، ورفع نسبة نمو الاقتصاد. تأتي هذه السياسات في إطار الوصفة العامة لصندوق النقد والبنك الدوليين للبلدان النامية التي تواجه مشاكل اقتصادية، دون مراعاة لخصائص كل دولة على حدة، كما لم نشهد أن تمتّعت دولة تخرجت من برامج الصندوق بالشفاء بعد استخدام وصفة الصندوق.

 

التعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

استمع لبودكاست عدالة اجتماعية