الحق في التنظيم النقابي وأثره على الحمايات الاقتصادية للعمال

ورقة بحثية

الحق في التنظيم النقابي وأثره على الحمايات الاقتصادية للعمال

المقدمة

تتمثل طبيعية الأهداف التي تتأسس من أجلها النقابات، بالدفاع عن أعضائها والسعي إلى تحقيق مفهوم الأمن الشامل- للأعضاء بشكل خاص ولأفراد المجتمع والدولة بشكل عام- من خلال تقديم الخدمات وتنفيذ الأنشطة والبرامج التي تعم بالفائدة على الصالح العام.

وتكون النقابات عملية، ونشطة في أدائها، وايجابية في مخرجاتها، عند توظيفها لمجمل الأهداف التي قامت من أجلها، وعند التعاطي بنهج مبني على أسس الديمقراطية بين أعضاءها وفيما بينها من جهة، ومع مختلف مؤسسات الدولة وقطاعات المجتمع من جهة أخرى.

وعلى اعتبار أن دور النقابات في الأردن كغيره من دول العالم ينطلق من المعايير القانونية والمجتمعية، فهي بشخصيتها الاعتبارية المعنوية، وتنظيمها الإداري واختيارها لهيئاتها الإدارية، لا بد أن تحافظ بدرجة عالية على حقوق أعضائها، وبذلك تحقق أهدافها في الجوانب المهنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمشاركة الايجابية في رسم السياسية العامة ومراقبة خطوات التنفيذ لمجمل أهداف الدولة والصالح العام لأفراد المجتمع.

ويعتبر قطاع النقابات في الأردن أحد اكبر قطاعات المجتمع المدني، ومن ذلك النقابات العمالية المسجلة لدى وزارة العمل والتي تضم (17) نقابة، إضافة إلى مجموعة أخرى من النقابات غير المسجلة لدى وزارة العمل (النقابات المستقلة)، وكذلك (55) نقابة لأصحاب العمل مسجلة في وزارة العمل، حيث يقدر حجم العضوية في مجمل هذه النقابات بحوالي (427) ألفًا من ما مجموعه (1136868) من مجمل الأعضاء المنتسبين إلى منظمات المجتمع المدني وبنسبة (37.5 %).

وعلى الرغم من أن العديد من هذه النقابات كان قد مر على تأسيسها ومزاولة أعمالها عدة عقود، إلا أنها ما زالت في الأداء دون المستوى الذي يتطلع إليه العمال والمجتمع بشكل عام، في ظل الحاجة الماسة إلى مؤسسات مجتمع مدني قادرة على مواجهة سياسات السلطة العامة في ظل تحديات كبيرة بحاجة إلى قوى مجتمعية منظمة وفاعلة، في وقت باتت فيه عملية الإصلاح والتحديث في الأردن تعيش ظروفا توصف بالصعبة نتيجة أزمة المطالب العامة التي تطرحها القطاعات المهنية والعمالية بشكل خاص وشرائح المجتمع بشكل عام، وعجز السلطة التنفيذية عن تلبيتها.

ترجع بدايات تأسيس النقابات العمالية في الأردن إلى العقد الثالث من القرن العشرين، حيث بدأت- آنذاك - العديد من التحركات لتشكيل جمعيات ونقابات عمالية من قبل النشطاء النقابيين والسياسيين، وقد ازدهر الحراك النقابي إثر وحدة الضفتين عام 1950، إلا أنها بقيت تعمل بشكل سري حتى الإعتراف بوجودها دستوريًا عام 1952، وصدر بناء على ذلك قانون النقابات رقم (35) لسنة 1952، والذي أتاح للعمال حق التنظيم النقابي، الأمر الذي أدى إلى فتح المجال لتشكيل العديد من النقابات العمالية بلغ عددها آنذاك (10) نقابات تمثل العديد من المهن.

وقد واجهت مسيرة تطور الحركة النقابية العمالية العديد من المشكلات المرتبطة بطبيعة التطور السياسي للدولة الأردنية، وسقف الحريات المتاحة والمرتبطة بالظروف السياسية الإقليمية والدولة، الأمر الذي أثر على مستوى نشاطاتها ودورها في تحسين ظروف العمل وتطوير التشريعات العمالية التي تنظم حقوق العمال وواجباتهم.

معايير وضمانات تأسيس النقابات

استنادًا إلى القواعد المنبثقة عن معايير العمل الدولية، هناك جملة من الحقوق والضمانات العامة التي لا ينبغي المساس بها حتى تستطيع النقابات أن تمارس أدوارها وتحقق أهدافها، وهي:

1.    حق العمال في تكوين منظماتهم دون عراقيل أو ترخيص مسبق.

2.    حق العمال في الانضمام والانسحاب من النقابة بكل حرية.

3.  حق العمال في إدارة نقابتهم وأن تكون الهيئة العامة للنقابة هي صاحبة السلطة العليا في وضع الأنظمة واللوائح الداخلية، وتنظيم أنشطتها وشؤونها المالية.

4.  حق التحصين من الحل الإداري بقواعد تشريعية تحد من تسلط السلطات التنفيذية على التنظيم النقابي ونشاطاته.

5.    الحق في إنشاء الاتحادات النقابية والانضمام إليها دون قيود أو اشتراطات أو موافقات مسبقة.

6.    حق التفاوض وإبرام الاتفاقيات الجماعية: بكل حرية وفي إطار الحماية الكافية لممثليها.

7.    حق النقابات في تنظيم الاعتصامات والإضرابات حماية لحقوق العاملين.

الإطار القانوني الوطني:

1. الدستور الأردني:

‌أ.   كفل الحق في حرية تأليف مؤسسات المجتمع المدني للأردنيين فقط، وبذلك يكون قد خالف مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، التي كفلت ممارسة ذلك الحق لأي إنسان سواء كان مواطناً أم أجنبيا، دون أدنى تمييز.

‌ب.  اشترط أن تكون الغاية من ممارسة الحق في تأليف مؤسسات المجتمع المدني مشروعة من خلال وسائل سلمية، وذات نظم لا تخالف الدستور، وهذه القيود تنسجم إلى حد ما مع المعايير التي أقرتها الاتفاقات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان.

‌ج.  أكد في المادة (128) من الدستور على أنه (لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها).

‌د.  أكد على الحق في تأليف النقابات - بشكل خاص - في موضعين مستقلين، الأول عندما أكد على الحقوق السياسية في المادة (16) المتمثلة بالحق في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية، والثاني عندما أكد على الحق في العمل باعتباره من الحقوق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

2. قانون العمل

لا يتواءم الوضع القانوني القائم في الأردن مع المعايير الدولية ذات العلاقة بالنقابات العمالية وعلى وجه الخصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللذان صادق عليهما الأردن عام 1976، وأصبحا جزءا من المنظومة التشريعية الأردنية، إضافة إلى مصادقته على اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات العلاقة.

وقد استقر الاجتهاد القضائي في الأردن على أنه "في حالة مصادقة الأردن على أي اتفاقيات دولية، فإن تلك الاتفاقيات تكتسب قوة القانون الداخلي، وإذا وجد هنالك تعارض بين النصوص في الاتفاقيات الدولية والنصوص الواردة في التشريعات الوطنية، فإن الأولوية في التطبيق هو للاتفاقيات الدولية"[1].

من الواضح أن نصوص التشريعات الأردنية في العديد من جوانبها لا تتواءم مع مضامين هذه الاتفاقيات، خاصة إتفاقية العمل الدولية (87) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم التي لم يصادق عليها الأردن، والاتفاقية (98) بشأن حق التنظيم والمفاوضة الجماعية التي صادق عليها الأردن، فبالرغم من أن الأردن لم يصادق على الإتفاقية (87)، إلا أنه ملزم بتطبيقها وأخذ مضامينها بعين الاعتبار عند وضع التشريعات الوطنية وفق ما جاء في "إعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل"[2] والذي تشكل فيه حرية التنظيم والاعتراف الفعلي بالحق بالمفاوضة الجماعية أحد هذه الحقوق والمبادئ، فيما صادق الأردن في عام 1966 على الإتفاقية 98، وتتلخص مضامينها بضمان حق التنظيم النقابي بتأكيدها على حظر تعرض العمال إلى أشكال عقابية أيا كان نوعها بسبب انتماءاتهم ونشاطاتهم النقابية.

في ضوء الحقائق المذكورة أعلاه فإن من الواضح بأن نصوص قانون العمل الأردني المعمول به، تعتريها العديد من الإختلالات التي تقيد بشكل كبير حق ممارسة حرية التنظيم النقابي، وفي ذلك ما يتناقض مع مضامين الدستور الأردني في هذا الشأن، وكذلك العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق المدنية والسياسية، وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقيات العمل الدولية ذات العلاقة بحق التنظيم.

تعديلات قانون العمل لعام 2019

بقي القانون المؤقت رقم (26) لسنة 2010 في عهدة مجلس النواب بين شد وجذب في لجان العمل في المجالس المتعاقبة دون أن تعرض توصياتها تحت القبة، إلى أن حظي عام 2019 بمناقشته في مجلس النواب، وإقرار عدد من مواده وتعديل مواد أخرى منه، إلا أن الأحكام الخاصة بالنقابات العمالية ونقابات أصحاب العمل لم تحظى بالتقدم الذي كان مأمولا عام 2010، لا بل تراجع مجلس النواب عن العديد من الأحكام التي كانت تعتبر في القانون المؤقت خطوة متقدمة نسبيا نحو تعزيز دور النقابات العمالية وفق معايير العمل الدولية.

فبعد أن كان القانون المؤقت قد أعفى النقابات من عرض أنظمتها الداخلية على وزارة العمل للمصادقة عليها واكتفى بأن تودع نسخة منها في الوزارة، عاد مجلس النواب ليضع شرطا يوجب أن يتم تصديق الأنظمة من وزارة العمل، الأمر الذي يشكل مخالفة صريحة للمعايير الدولية التي التزمت بها المملكة التي أكدت على حق منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل في وضع دساتيرها ولوائحها الإدارية، دون أي تدخل من شأنه أن يقيد هذا الحق.

كما منحت التعديلات وزير العمل صلاحية حل الهيئة الإدارية للنقابة وتعيين هيئة إدارية مؤقتة لتسيير أعمال النقابة، بعد أن كان أمر حلها في القانون الأصلي من اختصاص القضاء أو بقرار من هيئتها العامة، وهو ما يعتبر تراجعا يخالف مبدأ أساسيا من مبادئ الحرية النقابية وحق التنظيم التي تقضي بعدم جواز قيام السلطات الإدارية في الدولة بحل منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل أو وقف نشاطها.

وكان القانون المؤقت لعام 2010 قد نقل صلاحية تصنيف الصناعات والأعمال لغايات تأسيس النقابات من وزير العمل إلى اللجنة الثلاثية لشؤون العمل المشكلة بالتساوي من ممثلي منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل والحكومة، في خطوة تعتبر إيجابية باتجاه توفير حرية أكبر للتنظيم النقابي مبني على تشاور ثلاثي بدلا من أن يكون القرار محصورا بيد الحكومة وحدها، إلا أن مجلس النواب عاد عن ذلك وأعطى صلاحية التصنيف للوزير وحده من خلال مسجل النقابات في الوزارة، مخالفا بذلك معايير العمل الدولية التي تشترط أن يكون للعمال ولأصحاب العمل دون تمييز الحق في تكوين المنظمات التي يختارونها ودون ترخيص مسبق.

من المؤكد أن هذه التعديلات سيكون لها انعكاسات سلبية على علاقات العمل، فاستقرار علاقات العمل لا يمكن أن يتحقق دون حركة نقابية لديها المرونة الكافية لإدارة شؤونها وممارسة نشاطاتها بكل حرية بما يمكن أن يقنع قواعدها في القطاعات التي تمثلها بحقيقة قدرتها على حماية حقوقهم والدفاع عنها وتمثيلهم التمثيل الحقيقي المعبر عن طموحاتهم ومصالحهم، وهذا لا يتحقق دون انفتاح أكبر على آليات التفاوض المتوازن مع أصحاب العمل ومنظماتهم دون قيود تزيد في إحباط العاملين وتمنعهم من الوصول إلى حقوقهم.  

التوصيات

أولا: على مستوى السياسات:

من المهم العمل بجد للمصادقة على اتفاقية العمل الدولية (رقم 87) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمكين العمال وأصحاب العمل من ممارسة حق التنظيم النقابي بحرية بتأسيس النقابات والإنضمام إليها بمحض اختيارهم دون إذن مسبق، وفي وضع الدساتير واللوائح الخاصة بها، وانتخاب ممثليها بكل حرية وتنظيم إدارتها وأنشطتها وبرامجها وفي تشكيلها وعملها وإدارتها دون أي تدخل، وحمايتها من الحل أو الإيقاف الإداري.

ثانيا: على مستوى التشريعات

إعادة النظر في أحكام قانون العمل المتعلقة بالتنظيم النقابي، وشمول كافة فئات العمال بالحق في تكوين النقابات والمفاوضة الجماعية ومنهم عمال الزراعة والعاملين في المنازل، وتمكين كافة العاملين من الاستفادة من أدوات فض نزاعات العمل ومن الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية، ومنهم العمال الذين ليس لهم نقابات عمالية تمثلهم، وقد يمثل وضع قانون خاص لتنظيم العمل النقابي يشمل جميع العاملين في القطاعين الخاص والعام خطوة نحو معالجة الإختلالات التشريعية بشأن التنظيم النقابي.

كما يجب العمل إلغاء المواد التي تتضمن قيودا على حق العاملين بأجر في تشكيل نقابات، وإعطاء الحق كاملا للعاملين في تأسيس نقاباتهم بغض النظر عن جنسيتهم، وتمكين الهيئات العامة لنقابات العمال من وضع أنظمتها الداخلية بنفسها دون تدخل من أي جهة، وإلغاء صلاحية الوزير بحل الهيئات الإدارية للنقابات، وحصر هذه الصلاحية للسلطة القضائية ضمن مبررات وإجراءات تحميها من التعسف.

ومن المهم العمل على مراجعة وتعديل قرار وزير العمل الخاص بتصنيف المهن والصناعات التي يحق لعمالها تأسيس نقابات لهم وتعديلاته بحيث يتم توسيع قاعدة إنشاء النقابات في مختلف القطاعات والمهن ودون تحديد مسبق للمهن والصناعات، إضافة إلى وضع الأسس والمعايير اللازمة لتمكين ممثلي نقابات العمال من القيام بمهامهم بما في ذلك شروط تخفيض ساعات العمل أو تفرغهم للعمل النقابي وتوفير الإمكانات المادية اللازمة لهذه الغاية وذلك تنفيذا لما جاء في المادة (107) من قانون العمل.

 

 

[1]  تمييز جزاء، رقم القرار: 163 / 1977 مجلة نقابة المحامين لسنة :1977 صفحة 1315، محكمة التمييز: القرار رقم 2003/818 الصادر بتاريخ 9 حزيران 2003

[2]  إعلان منظمة العمل الدولية للمبادئ والحقوق الأساسية في العمل أصدرته منظمة العمل الدولية في شهر حزيران من عام 1998، يتضمن أربعة حقوق ومبادئ أساسية للعمل تشمل: حرية التنظيم والاعتراف الفعلي بالمفاوضة الجماعية والقضاء على جميع أشكال العمل بالسخرة أو الكاره والقضاء الفعلي على عمل الأطفال والقضاء على التمييز فيما يتعلق بالعاملة والوظيفة.

 

* بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

أضف تعليقك