الحق في التعليم..غياب العدالة وسوء الإدارة والتوزيع في موازنة الدولة

الرابط المختصر

عندما يندمج طلاب صف عاشر مع طلاب صف أول في غرفة صفية واحدة، عندما يصاب طلاب بأمراض الانفلونزا وآلام المفاصل بسبب عدم وجود تدفئة في الصف في فصل الشتاء، عندما تفيض شبكة الصرف الصحي على طول ممر طابق في المدرسة بسبب رداءة البنية التحتية، وغيرها من مشاكل التي تشي كلها لوجود مشكلة حقيقية آلية الإنفاق الحكومي على التعليم العام.

 

تلك الأمثلة ليست من وحي الخيال ولا تندرج في صيغ المبالغات والتهويل، بل هي واقع مرئي وملموس في المدارس الحكومية في المملكة، التي ومع مرور كل عام جديد تعود عشرات الخطوات إلى الوراء في خارطة طريق إصلاحها وتحسينها، فلا دمج فئتين عمريتين في صف واحد خيال، ولا أمراض الطلاب بسبب غياب البيئة الدراسية الصحية مبالغة، ولا مشاكل البنية التحتية تهويل أو تأويل، كلها حقيقة مثل حقيقة غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الإنفاق في مدارس المملكة الحكومية.

 

هذا ما أكده مختصون تحدثوا في هذا التقريرعن غياب العدالة وسوء الإدارة والتوزيع في موازنة الدولة للتعليم العام، الأمر الذي أدى إلى غياب البيئة التعليمية العادلة، ووفق المؤشرات الرقمية تبلغ نسبة المتوسط الحسابي لموازنة التعليم في الأردن، نحو 12 بالمائة، من مجمل الموازنة العامة للدولة، والتي تقدر بـ9.36 مليار دينار، منها ما يقرب من الـ3.5 مليار دينار، كمساعدات خارجية، تتضمن قروضا ميسرة ومنحا اعتيادية وأخرى إضافية موجهة لدعم الأردن، ضمن خطة الاستجابة للأزمة السورية.

 

وفي شهرين تشرين الثاني من العام الماضي 2022 أقر مجلس الوزراء مشروع الموازنة بواقع 11.4 مليار دينار (16 مليار دولار)، وتقدر الحكومة العجز بنحو 1.862 مليار دينار (2.625 دولار) مليار بعد المنح الخارجية.

 

 وبلغ إجمالي النفقات الجارية والرأسمالية للعام المالي 2021 في وزارة التربية والتعليم (1051488000) ديناراً، وبلغ عدد المدارس في المملكة حتى نهاية العام 2021 (7127) مدرسة، منها (4015) مدرسة حكومية، وبلغ عدد الطلبة الأردنيين (1933979) طالباً.

 

دكتور عايش النوايسة خبير تربوي يرى وفق وجهة نظره، أنه وفيما يتعلق بمخصصات التعليم وآلية الإنفاق، فإن أغلب موازنة وزارة التربية والتعليم تذهب إلى رواتب العاملين بما يقدر 800 مليون دينار من مخصصات الموازنة تذهب الى رواتب العاملين إذ يتجاوز عدد العاملين في المدراس الحكومية من إداريين ومعلمين ال 112 ألف.

 

واعتبر النوايسة، أن هناك قصور في توزيع المبالغ على المدارسة الحكومية، مع العلم أنه يتم الصرف في المدارس حسب مخصصات منحة كندية، من العام 2012 بما يتعارف عليه في الموازنة السنوية للمدارس، لكن المخصصات ليست بالمبلع الكبير جدا الذي يغطي الاحتياجات المطلوبة.

 

وباقي المخصصات يعتمد على التبرعات المدرسية، التي يتم توجيهها من وزارة التربية والتعليم وهي كذلك مبالغ لا تنعكس على البيئة الصفية، لافتاً إلى أن معدل الانفاق في قطاع التعليم مقارنة بالقطاعات الثانية منخفض جدا ويعتمد فقط على المنح.

 

وختم النوايسة بإشارته إلى أن وزارة اتربية والتعليم باتت عاجزة عن تلبية الحاجات، شح الأمر الذي يتطلب نظرة أوسع في البحث عن الحلول وزيادة الموازنة والمخصصات للمدارس الحكومية والبعد عن الحلول التقليدية.

 

 

فيما بين الخبير التربوي والصحافي محمود الخطاطبة نسبة المتوسط الحسابي لموازنة التعليم في الأردن تبلغ حوالي مليار و123 مليون دينار، وهي نسبة غير مرتفعة، كون التعليم هو حجر الأساس لبناء أي دولة أو النهوض بشعبها وتقدمه وتطوره، فضلا  لكن تلك النسبة في حال تم احتسابها كنسبة وتناسب مع الموازنة العامة للدولة ككل، فإنها تُعتبر ليست قليلة، الأمر الذي يدعو للتساؤل لماذا التعليم في الأردن في تراجع مُستمر؟.

 

ويضيف الخطاطبة عند النظر إلى المساعدات الخارجية، والتي تبلغ قيمتها حوالي 3.5 مليار دينار، فإن النسبة المُخصصة من بند المنح الاعتيادية، البالغ قيمتها 778.8 مليون دينار، 9.1 بالمائة، أي ما يُقدر بـ70.9 مليون دينار، خلال العام 2018، أما في العام 2019، فقد بلغت 10 بالمائة من المنح، البالغة 824.5 مليون دينار، أي ما يُقدر بـ82.5 مليون دينار، في حين بلغت خلال في النصف الأول من العام 2020، 11 بالمائة من المنح، التي بلغت قيمتها 417.7 مليون دينار، أي ما يُقدر بـ46 مليون دينار.

 

 

للأسف وبحسب ما يختم الخطاطبة فإن الحكومات الأردنية المتعاقبة لم تُخصص أي مبلغ يُذكر للتعليم في بند القروض الميسرة، التي ذهب معظمها لدعم الموازنة العامة، فضلا عن مشاريع وبرامج تنموية كالطاقة والمياه والصرف الصحي، والتي بلغت قيمتها 927.3 مليون دينار، و1.272 مليار دينار، و359.3 مليون دينار، خلال الأعوام 2018 و2019 والنصف الأول من العام 2020، على التوالي.

 

 

بدوره اعتبر الخبير الحقوقي رياض صبح أن نسبة الإنفاق على التعليم العام في السنوات الأخيرة في تراجع، وهنا "أقصد فيما يتعلق بالنسبة وليس بالكم، إذ لا تتناسب نسب الإنفاق مع مشكلة الاكتظاظ في المدارس، بالتالي هناك تراجع في الإنفاق على التعليم".

 

وبين صبح، أن هناك مسألة تتعلق بأولويات الإنفاق على التعليم العام، ففيما يتعلق بالموسيقى والفنون مثلاً تكاد تكون غير موجودة في ميزانية الإنفاق في المدارس الحكومية، والخريطة المدرسية في المدارس الحكومية تشير إلى أن 5-10% فقط من المدارس الحكومية فيها مختبرات وساحات وملاعب، بمعنى أن 90-95% تفتقر لها.

 

"الإنفاق يتوزع بطريقة غير عادلة وغير مدروسة" يقول صبح، بالرغم من أن الدستور الأردني ينص على أن التعليم إلزامي ومجاني أي أن الطالب لا يحمل ذويه أي كلفة إلا أن هناك كلف تترتب على الطلاب وأهاليهم، حتى أن قانون التربية والتعليم نفسه ينص على فرض ضريبة "معارف"، فضلاً عن أن الأهالي يشترون القرطاسية والزي المدرسي ويدفعون كلف المواصلات، كل ذلك يعتبر مخالفاً للدستور.

 

 

واستعرضت المعلمة رنا طبيشات، والتي تعمل في مدرسة حكومية للصفوف الابتدائية في واحدة من مناطق عمّان الشرقية أبرز المشاكل التي تعاني منها المدرسة، مثل الاكتظاظ في عدد الطلاب الذي لا يتناسب مع حجم الصفوف ولا مع قدرة المعلم على توزيع الوقت على الطلاب، لافتة إلى أن عدد الطلاب في الغرفة الصفية الوحدة يصل إلى 60 طالب.

 

وعن البنية التحتية "حدث ولا حرج" كما تقول المعلمة رنا، فالتدفئة غير متاحة في كل المدارس الحكومية، كذلك التكييف، وضيق مساحة الغرف الصفية إذ هناك مدارس يجلس فيها ثلاثة طلاب في درج واحد، إضافة إلى دورات المياه سيئة جداً من ناحية النظافة والحمامات فيها "عربي"، ناهيك عن عدم وجود مياه ساخنة فيها.

 

وهنا تستشهد بمثال يتكرر كثيراً من وحي تواصلها المباشر مع الطلاب، إذ تشير إلى أن يعض الطلاب يصابون بحالة نفسية ترعبهم من الذهاب إلى دورات المياه بسبب غياب النظافة فيها، الأمر الذي يتطور ويؤدي إلى مشاكل صحية معهم.

 

وأكدت المعلمة رنا، على أن حجم الإنفاق على المدارس الحكومية غير عادل ولا يتناسب مع حجم الاحتياجات فيها، الأمر الذي لا يؤثر سلباً فقط على الطلاب بل أيضاً على المعلمين، وأدائهم، بسبب غياب أبسط حقوقهم مثل تأمين القرطاسية لهم.

 

 

محمد القرالة، مطلق حملة "مسار الخير" وناشط تطوعي في مناطق جيوب الفقر، يروي من وحي تجربته بعض المشاكل التي تعاني منها المدارس الحكومية في تلك المناطق، ويقول: "النظافة في دورات المياه معدومة، ولا توجد ساحات، الطلاب يشربون مياه غير صالحة للشرب، ومشاكل الاكتظاظ تؤدي إلى دمج طلاب من فئات عمرية مختلفة في صف واحد، مثل دمج صفي العاشر والأول".

 

ناهيك عن الأمراض كما يضيف القرالة التي تنتشر في المدارس الحكومية، بسبب غياب البيئة الصحية مثل القمل والسيبان، والحساسية والانفلونزا وغيرها، ويقول: "هناك معلمون يغسلون شعر الطلاب بأياديهم".

 

"لو وجدت عدالة في توزيع الموازنة لما وصلنا إلى هذه الكوارث في المدارس الحكومية" يقول القرالة في ختام حديثه، مشيرا إلى أن اللوم لا يقع فقط على الحكومة، بل أيضاً على المبادرات والحملات التي تنتقي مناطق حددة فقط، وتنسى أن هناك مناطق نائية في الأردن فيها مدارس لا تصلح لمقومات البيئة التعليمية السليمة.

بالتعاون والشراكة مع مكتب تونس لمؤسسة فريدريش إيبرت، من خلال مشروعه الإقليمي سياسات اقتصادية من أجل عدالة اجتماعية,

 

استمع لبودكاست عدالة اجتماعية