هوس الشراء: كيف يؤثر التسويق الرقمي على سلوكيات الإنفاق لدى الشباب

الرابط المختصر

شهد التسوق عبر الإنترنت تحولاً جذرياً في السنوات الأخيرة مدفوعاً بتطوير الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل الرقمي،  إذ كانت الاستراتيجيات بسيطة نسبياً في الماضي لمقاومة الرغبة في الشراء مثل الذهاب للتسوق فقط عند الحاجة، تجنب التسوق وأنت جائع وعدم زيارة المتاجر أثناء التخفيضات ما لم تكن تبحث عن منتج معين، ولكن مع تطور الزمن، أصبحت هذه الاستراتيجيات أقل فعاليه، فاليوم يمكنك التسوق على مدار الساعة من منازلنا حيث تصلنا الإعلانات والسلع بشكل مستمر دون الحاجة إلى البحث عنها، وقد زادت هذه التغييرات من صعوبة مقاومة الرغبة في الشراء، خاصة في ظل تكتيكات نفسية متطورة صممتها الشركات بعناية فائقة تشجعنا على إنفاق المزيد من المال.

وهناك بالفعل استراتيجيات تسويقية أكثر فعالية لجذب المستهلكين عبر الإنترنت دون غيرها كما  يشير الأستاذ شاكر الفراج، مستشار ومدرب تسويق رقمي في مركز "Leaders Center and RRC"، وقول "تتضمن هذه الإستراتيجيات استهداف الجمهور المناسب من خلال تحديد اهتماماتهم وقدراتهم الشرائية بدقة، كما يلعب استخدام الأدوات التحليلية مثل Ads Library على فيسبوك و إنستاجرام وGoogle Ads Transparency Center دوراً مهماً في تحسين فعالية الحملات التسويقية، يضيف الفراج  ل"صوت شبابي" : أن التركيز على تقديم قيمة حقيقية من خلال محتوى مثل مقاطع (ريلز) التي تعزز التفاعل وتحليل الأداء باستخدام أدوات مثل Google Analytics وMicrosoft Clarity، من العناصر الأساسية في نجاح الحملات الرقمية". 

على الجانب الآخر و في دراسة نشرتها مجلة "Proceedings of the ACM on Human-Computer Interaction" عام 2019، استعرض الباحثون مفهوم "الأنماط المظلمة" (Dark Patterns) التي تعتمدها المنصات الرقمية ومواقع التسوق  تشير هذه الأنماط إلى أساليب تستخدمها الشركات للتلاعب بالمستخدمين، مما يدفعهم لاتخاذ قرارات غير مدروسة قد تكون ضارة أحياناً، تتضمن هذه الأساليب إجبار المستخدمين على الاشتراك في خدمات غير مرغوب فيها، إجراء عمليات شراء غير ضرورية، الكشف عن معلومات شخصية حساسة، أو حتى دفعهم نحو سلوك قهري مثل الإدمان.

كشف الباحثون كيف تستغل الشركات القيود و التحيزات المعرفية لتحقيق أرباحها مما يعرف بـ"التلاعب بالسوق" يحدث هذا من خلال تغيير طريقة تقديم المعلومات للمستخدمين لتوجيه قراراتهم بطرق مختلفة بناءً على نفس المعلومات تشمل هذه الأنماط استخدام أساليب الإلحاح مثل العد التنازلي الذي يُظهر قرب انتهاء عرض التخفيض مثلا مما يضغط على المستخدمين لاتخاذ قرارات سريعة وغير محسوبة.

 

هناك عوامل متعددة للسلوك الشرائي الذي يمكن وصفه ب "الهوسي" كما يقول  الدكتور سمير أبو مغلي  رئيس جمعية علم النفس،  وأبرزها العوامل النفسية التي تؤدي إلى هوس الشراء القهري في العصر الرقمي مشيرا في حديثه ل "صوت شبابي" : إلى أن التعامل مع مشاكل الهوية والمزاج والسعي لتحقيق السعادة والرضا عبر الشراء وزيادة ضغوطات الحياة، كلها عوامل تسهم في تطوير هذا الهوس و ان الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في تحديد هويتهم أو يعانون من حالات مزاجية غير مستقرة قد يلجئون إلى الشراء كوسيلة للتعويض".

استناداً إلى تجارب شخصية، رواها شباب وشابات  ل "صوت شبابي" كيف أثرت تجربة التسوق عبر الإنترنت بشكل كبير على عادات شرائهم،  يقول عادل (24 عاماً) "  أن العروض الترويجية والخصومات تدفعه لشراء المزيد من المنتجات، حتى وإن لم يكن في حاجة إليها، أما سارة (21 عاماً) ، فتشير إلى أنها تصبح أكثر اهتماماً بالبحث عن الصفقات والعروض أثناء التسوق الرقمي، مما يؤثر على قراراتها الشرائية ويجعلها تشتري أشياء لم تكن تخطط لشرائها ، أما فهد (22 عاماً) يؤكد  أن التقييمات والمراجعات على الإنترنت تساهم في اتخاذ قرارات شراء أكثر استنارة بالنسبة له، لكنه يعترف أيضاً بأن سهولة الوصول إلى المتاجر الرقمية قد تدفعه أحياناً للشراء أكثر من اللازم.

و أشاروا  جميعا إلى أنهم يواجهون تحديا كبيرا  في التحكم في إنفاقهم أثناء التسوق عبر الإنترنت، يقول عادل إنه يجد صعوبة في مقاومة العروض الترويجية التي تجعل من السهل تجاوز ميزانيته، سارة تبرز صعوبة تتبع النفقات بدقة عندما يتسوق الفرد عبر الإنترنت، مما يؤدي أيضا إلى تجاوز الميزانية وفهد يعترف بأن التوصيات والعروض الترويجية تجعل من الصعب مقاومة الرغبة في شراء أشياء إضافية.

 

وبالعودة إلى الخبير شاكر الفراج يقول إن " تأثير الإعلانات المستهدفة على سلوك الشراء لدى ألأفراد موضحاً أن الاستهداف الصحيح من خلال البيانات التحليلية يساهم في تحسين فعالية الحملات التسويقية ويزيد من احتمالية اتخاذ قرار الشراء بجوده اعلى حيث تسهم الخوارزميات المتطورة في تقديم إعلانات تتناسب مع اهتمامات الأفراد، مما يعزز من فعالية الحملات التسويقية.

أما عن كيفية تأثير التسوق عبر الإنترنت على الصحة النفسية للأفراد يشير الدكتور سمير أبو مغلي الى  أن سهولة الوصول إلى المتاجر الإلكترونية والعروض المستمرة قد تؤدي إلى هوس الشراء القهري، كما يمكن أن تعزز هذه البيئة من العزلة الاجتماعية، حيث يفضل الأفراد التسوق من المنزل بدلاً من التفاعل الاجتماعي، مما قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر الوحدة والقلق.

تظهر الدراسات الحديثة أن 63% من المتسوقين عبر الإنترنت يشعرون بالندم على مشترياتهم، بحسب استطلاع أجرته منصة Wallet Hub، أكد 74% من المشاركين أنهم اشتروا أشياء لم يكونوا بحاجة إليها.

تظهر دراسة أخرى أن 4 من كل 10 مستهلكين تتراوح أعمارهم بين 12 و42 عاماً أجروا عملية شراء عبر الإنترنت مرة واحدة على الأقل شهرياً. بينما يشعر 20% فقط بالرضا عن مشترياتهم، يرى 22% أن هذه المشتريات غير ضرورية، كما أبلغ 18% من المستخدمين عن تعرضهم لعمليات احتيال، في حين يعتبر 67% أن الشبكات الاجتماعية تشجع على الاستهلاك المفرط الذي يؤدي إلى الندم بعد فوات الأوان. 

في الختام يتضح أن التسويق الرقمي، رغم فوائده العديدة في تسهيل عملية التسوق، قد يسهم في زيادة هوس الشراء القهري بين الشباب واليافعين من خلال الاستراتيجيات التسويقية الفعالة التي تستهدف الجمهور المناسب واستخدام الأدوات التحليلية المتطورة، يمكن للشركات تحسين فعالية الحملات التسويقية ومع ذلك من الضروري أن يكون هناك وعي بتأثير هذه الحملات على الصحة النفسية للأفراد وضرورة اتخاذ خطوات للتقليل من تأثيرات التسوق الرقمي السلبي.