نجاحات في محو الأمية وتحديات في الأداء التعليمي واقع التعليم في الأردن

الرابط المختصر

في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها الأردن في العقدين الأخيرين، برزت قضية الأمية كأحد المؤشرات الرئيسية على نجاح السياسات التعليمية والتنموية، إذ سجلت نسبة الأمية في الأردن انخفاضاً ملحوظاً من 11% في عام 2000 إلى 4.9% في نهاية العام الماضي، مع تباين بين الذكور (2.4%) والإناث (7.3%). هذا التقدم يعكس الجهود  المبذولة لتحسين مستوى التعليم وزيادة إنتاجية الأفراد. 

يصف الدكتور عايش النوايسة، الخبير التربوي، هذا الانخفاض في الأمية بأنه نتيجة لنهج شامل ومتكامل تبنته الاردن و يقول  "ما بين عامي 2000 و2023، تبنى الأردن نهجاً يتعلق بتطوير التعليم، بدأ بمنتدى 'نحو مستقبل التعليم في الأردن'، ثم عقبه مشروع 'تطوير التعليم نحو الاقتصاد المعرفي'. كان أحد المكونات الأساسية في هذه المرحلة هو تطبيق هذا النهج على مرحلتين، إحداهما تستهدف محو الأمية من خلال العمل على نشر التعليم بين  هذه الفئة في معظم المناطق، والتوسع في التعليم لمرحلة ما قبل المدرسة مثل رياض الأطفال." ويضيف النوايسة بأن هذه الإجراءات التي امتدت على مدى 23 عاماً كانت ضرورية لتحقيق هذا الانخفاض الكبير في نسبة الأمية.

رغم هذه الإجراءات، لا تزال هناك فجوة بين نسبة الذكور والإناث في الأمية، حيث تصل نسبة الأمية بين الذكور إلى 2.5% بينما تصل بين الإناث إلى 7.4%". يربط النوايسة هذه الفجوة بالعوامل الاجتماعية والاقتصادية، مشيراً إلى أن "هذه النسب قد نجدها خارج المدن الكبرى، حيث لا تزال هناك مجتمعات تعتقد أن تعليم المرأة ليس ضرورياً، بالإضافة إلى الزواج المبكر والفقر الذي يسهم بشكل كبير في هذه النسب."

 

الأمر الذي يزيد من تعقيد الوضع هو التراجع الكبير الذي شهدته جودة التعليم في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد جائحة كورونا. يؤكد الدكتور النوايسة أن "هذا ما نسميه كمتخصصين في التعليم الفقر التعليمي، أو ما يمكن تسميته الأمية الهيكلية أو الأمية المخفية، وهذا يعني أن الطالب في الصف العاشر قد لا يستطيع إنجاز مهمة كان من المفترض أن يتقنها في الصف الثاني الابتدائي." ويعزو النوايسة هذا التراجع إلى عوامل متعددة، منها جائحة كورونا، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتراجع البنية التحتية. "النظام التعليمي في الأردن تحمل أكثر مما يحتمل في ظل عدد من الأزمات التي حلت ببعض دول الجوار  وجود 400 ألف طالب سوري و غيرهم من الجنسيات الأخرى مما زاد من الضغط على المدارس والمعلمين، اضافة الى تراجع الدعم الدولي للأردن لإعادة تأهيل المدارس كل هذه عوامل ادت إلى  تراجع المؤشر التعليمي في الأردن "

من جهة أخرى يسلط الدكتور النوايسة الضوء على بعض الحلول المقترحة لمواجهة التحديات التي تواجه نظام التعليم في الأردن "هناك عدد من الإجراءات التي تم تضمينها ضمن خطة تطوير التعليم، والتي تشكل جزءاً من الاستراتيجية الوطنية للتعليم. تتبنى وزارة التربية والتعليم نهجاً تشاركياً مع العديد من الجهات الدولية لتطوير عدد من المشاريع الطموحة التي تهدف إلى تحسين جودة التعليم" 

ويضيف النوايسة: "هذه الإجراءات المتبناة من المتوقع أن تنعكس إيجاباً على النظام التعليمي، مما يؤدي إلى تحسين مخرجات التعليم بشكل عام. نعتقد أن مخرجات التعليم الأردني في السابق كانت تنافسية وقوية جداً، ولذلك فإن تحسين الجودة من خلال هذه المشاريع يمكن أن يعيدنا إلى مستويات الأداء العالية التي كنا نتميز بها"

 

مما يبرز أهمية النهج التشاركي في تطوير التعليم، والذي يمثل خطوة هامة نحو تعزيز قدرة النظام التعليمي على مواجهة التحديات الحالية والاستفادة من الخبرات والمشاريع الدولية قد يساهم في إدخال تحسينات ملموسة على البنية التحتية التعليمية والممارسات التربوية، ويؤدي إلى تعزيز جودة التعليم بشكل عام تعكس هذه الاستراتيجيات التزاماً بتحقيق تقدم مستدام في التعليم، مما قد يساهم في تعزيز مكانة التعليم الأردني على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفي ذات السياق، تعتقد الدكتورة ميساء الرواشدة، رئيسة قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، أن الانخفاض في نسبة الأمية هو "نتيجة طبيعية" في ظل الظروف الحالية "يجب علينا أن نحتفل بعدم وجود أي شخص لا يستطيع القراءة أو الكتابة "حيث أصبح من الممكن تعلم هاتين المهارتين في سن مبكرة بفضل التعليم الإلزامي ومجانية التعليم، ووجود رياض الأطفال." لكن، تشير الرواشدة إلى أن التراجع في الأداء التعليمي للطلاب هو مسألة معقدة. "التعليم في الأردن بشكل عام يشهد حالة من التراجع بناءً على الإحصاءات التي أظهرت تراجع ترتيب الأردن عالمياً في جودة التعليم إلى مراحل متأخرة. وقد يكون التغيير المستمر في المناهج أحد الأسباب التي تؤدي إلى عدم تمكن الأساتذة من إتقان المهارات اللازمة لكل منهج جديد"

تضيف الرواشدة أن "واقع المعلم في المجتمع الأردني، حيث لم يعد يحظى بالمكانة الاجتماعية والاقتصادية التي يستحقها، يؤثر سلباً على أدائه وعطائه بالإضافة إلى ذلك، هناك اعتقاد سائد بين الطلاب بعدم ضرورة القراءة والكتابة بشكل متقن في ظل وجود وسائل التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي." وتعتبر أن استخدام الجيل الجديد للغة رقمية مليئة والاختصارات والرموز يشكل تحدياً إضافياً، مما يتطلب من التربويين والمسؤولين أن يتواكبوا مع هذه التطورات  لمحاولة السيطرة على هذه الأخطاء و لضمان تحسين جودة التعليم.

 

من جانبها تحدثت المعلمة ميساء العلي، التي تعمل في أحد مراكز محو الأمية في الأردن، لصوت شبابي عن بعض تفاصيل برنامج محو الأمية حيث قالت:"برنامج محو الأمية يقدم العديد من المزايا للملتحقين به، حيث نوفر لهم الكتب والقرطاسية وبعض الحوافز مجاناً. هذا يساعد في تخفيف الأعباء المالية على المتعلمين ويضمن لهم الحصول على جميع المواد الدراسية اللازمة لدعم عملية التعلم."

أما عن آلية تقسيم البرنامج من حيث المستوى التعليمي توضح لنا ميساء  ذلك حيث قالت:"البرنامج مقسم إلى مرحلتين.المرحلة الأولى تُسمى مرحلة المبتدئين ومدة الدراسة فيها 16 شهراً، أي عامين دراسيين في نهاية هذه المرحلة، يحصل المتخرجون على شهادة دراسية تعادل شهادة الصف الرابع الأساسي أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة المتابعين، ومدة الدراسة فيها أيضاً 16 شهراً، حيث يحصل المتخرجون على شهادة تعادل شهادة الصف السادس الأساسي."

 

وفيما يتعلق بالمستوى التعليمي الذي يحصل عليه المتخرج من كل مرحلة، قالت:"المتخرج من مرحلة المبتدئين يحصل على شهادة تعادل شهادة الصف الرابع الأساسي، وهي خطوة مهمة في تأهيلهم لمتابعة التعليم في المرحلة التالية أما المتخرج من مرحلة المتابعين، فيحصل على شهادة تعادل شهادة الصف السادس الأساسي، مما يعزز قدراتهم التعليمية ويمهد لهم الطريق لمزيد من التعلم في المستقبل."

 

هذه التفاصيل تعكس الجهود المبذولة لتحسين مستويات التعليم في المملكة وتعزيز القدرة التعليمية للأفراد. في ظل التحديات الحالية والتأثيرات المستمرة لجائحة كورونا، تعتبر مثل هذه البرامج مهمه لتوفير الفرص التعليمية للأشخاص الذين يحتاجونها، والمساهمة في تقليص الفجوات التعليمية بين مختلف الفئات والمناطق. 

وفي كلمة القاها بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية الذي يصادف الثامن من أيلول من كل عام أشار وزير التربية والتعليم عزمي محافظة، إلى أن "الجهود الوطنية لتحسين مستوى التعليم وزيادة إنتاجية الأفراد تعكس التقدم الذي أحرزناه في تقليص نسبة الأمية." كما أشار إلى انخفاض نسبة الأمية بشكل كبير منذ أن كانت 88% في عام 1952، مستعرضاً مبادرات الوزارة في تعليم الكبار وذوي الإعاقة، وتوسيع مراكز تعليم الكبار التي بلغ عددها 162 مركزاً في العام الدراسي 2022/2023، لتلبية احتياجات جميع المواطنين".

 

وفيما يتعلق بدور الأسر في تحسين التعليم لأبنائهم، توصي الرواشدة بضرورة "المتابعة النوعية للتعليم الذي يتلقاه الأبناء بدلاً من التركيز على الشكليات مثل اسم المدرسة ونوعها". كما تؤكد على أهمية "وضع برنامج دراسي بعد المدرسة لمراجعة الدروس والواجبات، والتواصل بين الأهل والمعلمين للوقوف على نقاط القوة والضعف لدى الأبناء." وتدعو أيضاً إلى "محاولة معرفة ميول ومواهب الأبناء منذ الصغر والعمل على تنميتها." 

في الختام، يظل تقدم الأردن في تقليص نسبة الأمية إنجازاً يبرز الجهود الحثيثة التي بذلت في مجال التعليم، ولكنه لا يخلو من التحديات التي تستدعي المزيد من الإصلاحات بينما يبقى الانخفاض في نسبة الأمية مؤشراً إيجابياً، فإن معالجة الفجوة بين الذكور والإناث، وتحسين جودة التعليم، وضمان تلبية احتياجات الطلاب في ظل المتغيرات العالمية والمحلية، تبقى أموراً حيوية لضمان استدامة هذا التقدم وتعزيز فاعلية النظام التعليمي في الأردن.