يبقى الجدل والحديث مستمرًا حول قضايا العنف الأسري، خاصة في ظل ارتفاع نسب هذه الظاهرة بحسب الإحصائيات الرسمية، فقد كشف التقرير السنوي للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف لعام 2023، أن عدد حالات العنف الأسري المسجلة وصل إلى 58,064 حالة في الأردن، توزعت بين مختلف أشكال العنف، سواء الجسدي أو الجنسي أو النفسي، بالإضافة إلى الإهمال، وهو ما يمثل زيادة بنحو 38% مقارنة بعام 2022. ولا بدّ من الإشارة إلى أن ما تضمنه التقرير من أرقام وإحصاءات "لا يمكن أن تصنف كإحصاءات وطنية معتمدة"، إنما تعكس مؤشرات أو قراءات أولية تساهم في عملية بناء القرارات والتدخلات المستقبلية، بحسب تصريحات صحفية سابقة للمجلس.
في هذا السياق، يبرز دور الإعلام، وخاصة الإعلاميين الشباب في الأردن، في تسليط الضوء على هذه القضايا والتصدي لها من خلال نشر الوعي المجتمعي وإنتاج محتوى إعلامي يعكس العدالة والمساواة بين الجنسين. وتأتي هذه الجهود ضمن مبادرات مثل البرنامج التدريبي الذي نظمته شبكة الإعلام المجتمعي- راديو البلد بالتعاون مع معهد تضامن النساء الأردني، في إطار مشروع "متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا"
والذي يهدف إلى تمكين الإعلاميين الشباب من تطوير مهاراتهم وتعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات المجتمعية والقانونية المتعلقة بالعنف ضد النساء، عبر إنتاج محتوى إعلامي هادف يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتماسكًا.
آراء الشباب الصحفيين المشاركين
عبّر المشاركون الشباب في التدريب عن أهمية التوعية القانونية ودورها في تعزيز قدراتهم على إنتاج محتوى إعلامي أكثر تأثيرًا ووعيًا، وأكدوا أن التدريب ساعدهم على فهم القوانين بشكل أعمق، والكتابة الصحفية بمراعاة النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، إضافة إلى آليات النشر والاستغلال الأمثل لكيفية نشر المحتوى الإعلامي بطريقة أكثر فعالية، مما سيساهم في تحسين أدائهم الصحفي وتفعيل دورهم في معالجة القضايا الاجتماعية والحقوقية.
تقول هالة عوض لـ"صوت شبابي"، محامية متدربة مختصة في القضاء الشرعي ومتطوعة لدى الفريق القانوني في جمعية معهد تضامن النساء الأردني: "كوني محامية متدربة في جمعية حقوقية نسائية، يهمني هذا المشروع المنفذ من قبل راديو البلد التابع لشبكة الإعلام المجتمعي بالشراكة مع معهد تضامن، فهو يصب في إطار عملي كمحامية. الإعلام هو صوت القانون وصوت الشعب، والقانون جزء لا يتجزأ من أي شيء، وهذا المشروع يختص بالإعلام وحقوق الإنسان بشكل عام وحقوق النساء بشكل خاص، مما يعزز أهمية العمل الإعلامي في تعزيز حقوق الإنسان."
ويؤكد عمار الصقور من جريدة الرأي أن هذا التدريب أثرى بشكل كبير معلوماتنا الصحفية، خاصة في مجال التشريعات والقوانين وآليات تفسيرها وتوضيحها بأسلوب مبسط، بقوله "كان للمدربين المهرة دور كبير في تقديم هذه المعلومات بشكل سلس وفعال، ولا شك أن اكتساب الوعي والفهم الصحيح للقوانين يسهم بشكل مباشر في تسهيل كتابة مواد صحفية متكاملة ومبنية على أسس صحيحة، هذه التجربة لم تزدنا معرفة فقط، بل منحتنا أدوات جديدة للتعامل مع القضايا القانونية بمرونة ودقة أكبر".
وعلّقت الناشطة في حقوق ذوي الإعاقة ياسمين العويني: "لأول مرة أشارك في مثل هذا التدريب الذي أضاف لي الكثير من المعرفة والثقافة في عدة مجالات، وعلى رأسها الجوانب القانونية. هناك العديد من المصطلحات التي لم أكن على دراية بها سابقًا، والتي أصبحت مفيدة لي كمؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفةً : "كوني ناشطة من ذوي الإعاقة، أستخدم السوشيال ميديا كثيرًا للمطالبة بحقوقي كفرد من فئة مهمشة في المجتمع. لذا، فإن معرفتي الأولية بتحليل القوانين والاستفادة منها لصالح حقوقنا تُعد أمرًا بالغ الأهمية لتحسين المجتمع بشكل عام، وانتزاع الحقوق الضائعة لفئة ذوي الإعاقة بشكل خاص." واختتمت العويني بالقول: "هذه الفائدة جاءت فقط خلال أول يومين من التدريب، وأنا واثقة أنني في نهاية الدورة سأحصل على فوائد أكبر".
وأوضحت الناشطة الإعلامية ساجدة الحياري أن التدريب الذي تلقته كان ذا أهمية كبيرة في تطوير مهاراتها كإعلامية، خاصة في تسليط الضوء على القضايا الحقوقية التي تمس حقوق النساء بشكل مباشر. وقالت: "التدريب كان له دور كبير في التركيز على قضايا حقوقية هامة، خصوصًا تلك التي تعنى بحقوق النساء وتستحق الحديث عنها وإبرازها." مضيفةً أن التدريب لم يقتصر على كيفية عرض هذه القضايا فحسب، بل شمل أيضًا استخدام منصات التواصل الاجتماعي كأداة رئيسية للوصول إلى جمهور أوسع. مشيرةً إلى أن هذه الأدوات تساهم في رفع الوعي بحقوق الفئات المستهدفة وتعريفها بالخدمات التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني، مثل مؤسسة "تضامن"، التي تهتم بقضايا المرأة وتقدم خدمات مجانية. مؤكدة على أهمية الجانب القانوني في التدريب، الذي وفّر للمشاركين الشباب معرفة قانونية أساسية حول القضايا الحقوقية والتعديلات المرتبطة بها في الإعلام، وأنّ "جلسات العصف الذهني ساعدتنا في توليد أفكار جديدة لتقارير مستقبلية، وكانت وجبة ثقافية دسمة تساهم في تطوير أداء الصحفيين والناشطين."
أهمية البرنامج التدريبي
وقالت مديرة راديو البلد عطاف الروضان، "إن البرنامج التدريبي يمثل فرصة هامة للصحفيين والصحفيات الشباب لتطوير مهاراتهم في معالجة قضايا النوع الاجتماعي من منظور إعلامي محترف". وأضافت "أن المحاور التي تناولها البرنامج، بما في ذلك الكتابة في قضايا المرأة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف إلى تمكين الإعلاميين من أداء دورهم الفعال في مواجهة العنف ضد النساء والفتيات". مؤكدة على أهمية تزويد الجيل الإعلامي الجديد بالأدوات والمعرفة التي تتيح لهم المساهمة في بناء مجتمع أكثر وعيًا ومساواة.
بدورها أوضحت المديرة التنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني، إنعام العشا، أن البرنامج التدريبي الحالي يحمل أهمية كبيرة من الناحيتين الإعلامية والقانونية للشباب، وخاصة الإعلاميين الشباب المشاركين. وقالت: "أرى أن هذه الدورة في غاية الأهمية، لأنها تهدف إلى بناء القدرات ورفع الوعي حول القضايا المجتمعية والقانونية والاقتصادية التي تؤثر على حياة كل فرد في المجتمع."مضيفةً أن أهمية الدورة تأتي من استهدافها لفئة الشباب والشابات في مقتبل العمر، حيث تسهم مثل هذه الدورات في تعزيز المهارات والمعارف لديهم، وتوجيههم نحو المسار الإعلامي الصحيح، بقولها "الدورة تساعد في تحديد البوصلة الإعلامية للمشاركين وتوجيههم نحو كيفية صياغة رسائلهم بطريقة مؤثرة وجيدة."
وفيما يتعلق بالشراكة مع راديو البلد، أكدت العشا أن هذه الشراكة تضيف بُعداً مهماً إلى البرنامج، مشيرة إلى أن بعض المشاركين لديهم خبرات إعلامية متفاوتة، والبعض الآخر لا يزال في بداية مسيرته، ومجموعة المدربين الذين ينفذون التدريب يمتلكون الخبرة والمعرفة التي تساعد في نقل تجاربهم إلى المشاركين، مما يعزز دورهم الفعّال والنشط.
وتابعت العشا لـ "صوت شبابي" أن هذه الشراكة تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في المجتمع من خلال الإعلام، بقولها: "الشباب هم الفئة الأكثر قدرة على إحداث التغيير الإيجابي في مختلف المجالات. ودور الإعلام هنا يكمن في تسليط الضوء على القضايا المفصلية التي تهم المجتمع، والتي تحتاج إلى تدخل أو تغيير، كما أنها توجيه رسائل لصناع القرار حول القضايا التي تتطلب تدخلات جوهرية."
واختتمت العشا حديثها بالتأكيد على أهمية الإعلام الحر والفاعل في المجتمع، قائلة: "الإعلام هو أحد أهم أدوات التغيير إذا ما أُحسن استخدامه، فالأقلام الحرة والصادقة هي التي تلامس مشاعر الناس وتعبّر عن احتياجاتهم، وهذه الأقلام هي التي تخدم الوطن والمواطن، لأنها تمثل الأداة الحقيقية للتغيير".
المحامية والمدربة تغريد الدغمي أشارت في حديثها لـ"صوت شبابي" إلى أن :"التدريبات في الجانب القانوني ركزت بشكل أساسي على أهمية تعزيز الوعي القانوني لدى الصحفيين والصحفيات الشباب، وتحليل النصوص القانونية بدقة، وذلك بهدف بناء مواد صحفية متكاملة وصحيحة. مضيفةً أن هذا النوع من التدريب يمكّن الصحفيين والصحفيات الشباب من استخدام معرفتهم القانونية بشكل فعّال للتأثير على صناع القرار والمساهمة في تعديل القوانين بما يتماشى مع حقوق الإنسان وتطوير التشريعات". وأكدت الدغمي أن التدريب لم يقتصر على تقديم المعرفة النظرية، بل تضمن تطبيقات عملية حول كيفية تحليل القوانين والتعامل معها بشكل يخدم القضايا الحقوقية والمجتمعية، مما يعزز دور الصحفيين كوسطاء في نقل القضايا الملحة إلى صناع القرار ودفعهم نحو التغيير المطلوب.
وأكدت منسقة المشروع في جمعية تضامن، المهندسة ديما العضايلة، أن تعزيز الوعي القانوني والاجتماعي بين الصحفيين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الشباب يمكّنهم من اكتساب معرفة أعمق وفهم أفضل لتطوير محتوى وسائل الإعلام والسياسات، هذا التوجه كان جزءاً أساسياً من التدريب، حيث يتم التركيز على كيفية توضيح وتفسير التشريعات والقوانين بأسلوب مبسط. وأوضحت العضايلة أن جلسات التدريب ركزت أيضاً على نشر محتوى إعلامي وإلكتروني يراعي النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان، مما يعزز دور الإعلاميين في الوقاية من العنف ضد النساء والفتيات، وهي نقطة تكاملت مع ما تم تعليمه للصحفيين من آليات لتحليل التشريعات وتقديمها بشكل يخدم قضايا المجتمع بفعالية.
والجدير بالذكر أن مشروع "متحدون في مواجهة العنف ضد المرأة والفتيات أثناء وما بعد جائحة كورونا" يهدف إلى المساهمة في الجهود الوطنية المبذولة للحد من العنف ضد النساء والفتيات اللواتي يتعرضن لخطر العنف القائم على النوع االجتماعي خصوصا خلال وما بعد جائحة كورونا.