مادة الفنون في المدارس الأردنية: تفعيل حقيقي أم نشاط شكلي؟

الرابط المختصر

في ظل التوجهات العالمية نحو تعزيز دور الثقافة والفنون في التعليم يشهد الأردن خطوات ملموسة لتفعيل هذا الجانب من خلال تطوير المناهج الدراسية، بما يتماشى مع المعايير الدولية ويأتي ذلك بالتزامن مع جهود المركز الوطني لتطوير المناهج الذي عمل في وقت سابق لبدء العام الدراسي على إعداد كتب جديدة في التربية الفنية والموسيقية والمسرحية، بالإضافة إلى التربية الرياضية، حيث تم تدريسها لأول مرة في العام الدراسي الحالي.

توضح د. شيرين حامد، المديرة التنفيذية للمركز في تصريحات سابقة لها ، أن هذه الخطوة تأتي بعد إعداد الإطار الخاص بهذه المواد، والذي تم إقراره من وزارة التربية والتعليم وتأتي هذه الجهود تماشياً مع توصيات اليونسكو التي تشدد على ضرورة إدماج الثقافة والفنون في صلب المناهج التعليمية لتعزيز مهارات الإبداع والتفكير النقدي لدى الطلاب.

من جهته، يرى د. رامي الحداد، رئيس فريق تأليف مناهج التربية الفنية، أن الكتب الجديدة ستسهم في تعزيز الوعي الفني والثقافي لدى الطلبة والمجتمع، من خلال مناهج تجمع بين الجانب المعرفي والتطبيقي

 

تعتبر مادة الفنون في المدارس الأردنية مجالًا مليئًا بالإمكانات والإبداع لكنها تواجه تحديات كبيرة تؤثر على فعاليتها ودورها في التعليم أحمد القاضي معلم التربية الفنية، يعكس صورة واضحة لهذه التحديات من خلال تجربته اليومية. 

يقول القاضي إن "المشكلة لا تكمن فقط في نقص الأدوات اللازمة لتدريس الفنون مثل مشاغل الرسم أو الآلات الموسيقية، بل أيضًا في النظرة المجتمعية السلبية تجاه المادة"، مشيرًا إلى أن العديد من الأهالي لا يرون في مادة الفنون قيمة علمية أو أخلاقية، على الرغم من أن الفنون تتيح فرصًا كبيرة لاكتشاف المواهب وترسيخ العديد من القيم المهمة مثل المشاركة الجماعية والحوار.

 

القاضي يوضح أن قلة الاهتمام من بعض الأهالي تنعكس على الطلاب حيث يختلف تفاعلهم مع المادة, بعض الطلاب يظهرون حماسًا واضحًا تجاه المادة ويستمتعون بها في حين يحتاج البعض الآخر إلى تحفيز أكبر من المعلم يقول القاضي: "هناك قسم كبير من الطلاب يرغبون في المادة ويجدون متعة فيها، بينما يحتاج القسم الآخر إلى فتح آفاق الإبداع له" ورغم هذه التحديات، يؤكد القاضي أن الفنون تسهم في تطوير مهارات الطلاب، مشيرًا إلى أن الطلاب الذين يتفاعلون مع المادة يحققون تقدمًا ملحوظًا في مهاراتهم الإبداعية مع مرور الوقت.

 

سامي، طالب في الصف التاسع يبلغ من العمر 14 عامًا، يشارك وجهة نظره حول دروس الفنون ويقول: "أحب حصص الفنون لأنها مختلفة عن باقي الدروس، وأشعر أنني أستطيع التعبير عن نفسي من خلالها، لكن أحيانًا تبدو كأنها فرصة للتسلية أكثر من كونها حصة لاكتشاف المواهب سامي يوضح أن بعض أصدقائه يعتبرون دروس الفنون استراحة من الدروس الأكاديمية الأخرى بينما يفضل البعض الآخر المادة بسبب حبهم للرسم، وفيما يتعلق بما يمكن تحسينه، يعبر سامي عن رغبته في أن تكون دروس الفنون أكثر تفاعلية وإبداعًا، قائلاً: "أتمنى أن نستخدم أدوات أكثر مثل الطين أو الألوان الزيتية، وأن نقوم بمشاريع أكبر مثل رسم جداريات أو صنع منحوتات".

 

من زاوية تربوية، يوضح الخبير التربوي عايش النوايسة أن مادة الفنون تحمل أهمية كبيرة تربوياٌ حيث تسهم في تنمية الجوانب النفسية والاجتماعية للطلاب، لكنه يشير إلى أن الفنون تواجه تحديات كبيرة في المدارس الأردنية أبرزها نقص المعلمين المؤهلين لتدريس المادة ، يقول النوايسة: "تدريس مادة الفنون يعتمد في العديد من المدارس على معلمين غير متخصين، مما يقلل من القيمة الفعلية للمادة " ويضيف أن تدريس الفنون يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين التفكير النقدي والإبداع لدى الطلاب لكن هذا التأثير يظل محدودًا بسبب التحديات القائمة.

 

لتحقيق أقصى استفادة من تدريس الفنون يطرح النوايسة مجموعة من المعايير التي يجب توافرها، مثل وجود معلمين مختصين ذوي خبرة، ومحتوى تعليمي متنوع يعكس الثقافة المحلية ويعزز انتماء الطلاب، كما يشدد على ضرورة توفير بيئة تعليمية تفاعلية تشجع على التعاون والعمل الجماعي بين الطلاب، ويقترح النوايسة أيضًا إدخال التكنولوجيا في التعليم الفني، مثل الرسم ثلاثي الأبعاد والتصميم الجرافيكي، لتعزيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب، كما يدعو إلى إشراك المجتمع في العملية التعليمية من خلال تعاون المؤسسات الثقافية والفنية مع المدارس.

 

أحمد القاضي يعبر عن تقديره للجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لدعم مادة الفنون لكنه يشير إلى أن هذه الجهود تُنفذ بإمكانيات محدودة، يقول "وزارة التربية والتعليم تمنح الوقت والاهتمام لمادة الفنون لكن ذلك يتم بإمكانيات بسيطة، يجب زيادة الدعم وتوفير المزيد من الأدوات اللازمة لتدريس المادة كما يقترح القاضي تنظيم حملات توعية عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتغيير نظرة المجتمع نحو الفنون، ويؤكد أن دعم المجتمع للفنون ضروري لتطوير الطلاب وتعزيز دور الفنون في بناء التفكير النقدي والإبداعي.

 

فيما يتعلق بتأثير الفنون على تنمية مهارات أخرى لدى الطلاب يوضح القاضي أن تدريس الفنون يسهم بشكل كبير في تطوير مهارات التواصل والعمل الجماعي. ويقول: "الفنون تساعد الطلاب على العمل معًا والتعاون في مشاريع فنية مما يعزز من مهارات التواصل والعمل الجماعي " من جهته، يؤكد النوايسة أن تعليم الفنون يرتبط بتطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي، مشيرًا إلى أن إدراج الأنشطة التفاعلية مثل المعارض الفنية أو العروض المسرحية يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتحقيق هذا الهدف.

 

تجارب الدول الأخرى تقدم نماذج يمكن للأردن أن يستفيد منها في تطوير تدريس الفنون. النوايسة يشير إلى اليابان كنموذج ناجح حيث يتم دمج الفنون التقليدية مثل "الشودو" (فن الخط اليدوي) و"الهايكو" (الشعر القصير) في المناهج الدراسية، مما يساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم اليدوية والتعبيرية، كما يستعرض تجربة فنلندا، التي تعتمد على مناهج تعليمية تركز على الفنون كجزء من التعليم الشامل، حيث يتم ربط الفنون بالتفكير النقدي والإبداعي، ويشير أيضًا إلى تجربة فرنسا التي تركز على تعليم الطلاب تاريخ الفن الثقافة مع تطوير مهاراتهم الفنية من خلال الأنشطة العملية.

 

النوايسة يخلص إلى أن الأردن يمكن أن يستفيد من هذه التجارب من خلال تعزيز التكامل بين الفنون والثقافة المحلية في المناهج التعليمية، وتوفير برامج تدريبية متخصصة للمعلمين لتطوير مهاراتهم في هذا المجال، ويرى أن تدريس الفنون ليس مجرد نشاط ترفيهي، بل أداة تعليمية فعالة تسهم في تطوير الإبداع والتفكير النقدي لدى الطلاب، وتساعدهم على التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بشكل أفضل.

 

في النهاية، يتضح أن مادة الفنون في المدارس الأردنية تقع بين تفعيل حقيقي ونشاط شكلي. هناك جهود مبذولة من قبل وزارة التربية والتعليم لدعم المادة، لكنها تواجه تحديات كبيرة تتعلق بنقص الموارد والدعم المجتمعي، الطلاب والمعلمون يشيرون إلى أهمية الفنون في تطوير المهارات الإبداعية والاجتماعية، لكنهم يأملون في تحسين الظروف وتحديث المناهج لتكون أكثر تفاعلية وشمولًا.