للشابات الراغبات بدراسة الهندسة : ابتعدوا عن المناجم والتعدين

الرابط المختصر

"نوصي بعدم دراسة تخصصات هندسة المناجم والتعدين للإناث، نظرًا لطبيعة مجالات العمل التابعة لها." كانت هذه التوصية واحدة من النقاط التي أبرزتها النشرة الإرشادية الرابعة عشر، الصادرة عن دائرة الشؤون النقابية في نقابة المهندسين الأردنيين، والمتعلقة بالتخصصات الهندسية مؤخرًا، مثيرةً بذلك النقاش حول التحديات التي تواجه المهندسات في تخصصات معينة مثل هندسة المناجم والتعدين، هذه التوصية التي قد تبدو موجهة لحماية النساء من صعوبات العمل الميداني في هذه التخصصات، أثارت تساؤلات حول مكانة المرأة في الهندسة ومدى قدرتها على التكيف مع مثل هذه الظروف الصعبة،  في عصر تزايد فيه الاهتمام بدخول النساء مجالات مهنية كانت تقليديًا محصورة على الرجال  نتيجة لكون هذه المجالات تتطلب قدرًا كبيرًا من القوة البدنية والعمل في بيئات قاسية الأمر الذي يضع النساء في مواجهة عقبات غير مسبوقة، سواء من ناحية الظروف الميدانية أو التحديات الاجتماعية المرتبطة بهذا النوع من العمل.

فاطمة، طالبة في تخصص هندسة المناجم والتعدين، تُعتبر من الأصوات المعارضة لهذه التوصية. اختارت فاطمة هذا التخصص بدافع حب المغامرة والتحدي ولرغبتها القوية في تجاوز الحدود التقليدية التي وضعتها المجتمعات على النساء.. تقول: "دافعي لاختيار هذا التخصص كان حب المغامرة والتحدي. شعرت بأنني أريد كسر الصورة النمطية عن النساء وقدراتهن، ورغبت في إثبات أن المرأة قادرة على النجاح في أي مجال تختاره." مثل هذه التوجهات تكشف أن هناك دوافع أعمق وراء اختيار التخصصات الصعبة، وأن بعض النساء يرون في هذه المجالات فرصة لتحقيق تميز شخصي ومهني.

هذه ما تؤكده النسب حيث تشكل النساء ما نسبته 26% من المهندسين في بلد يعد الأعلى في العالم من حيث أعداد المهندسين نسبة لعدد السكان، حيث إن هناك مهندسا لكل 40 مواطنا بحسب دائرة الشؤون النقابية في نقابة المهندسين

ومع ذلك، تظل التحديات على أرض الواقع جزءًا لا يتجزأ من التجربة الميدانية ولا يمكن تجاهلها. تسرد رؤى، طالبة أخرى في نفس التخصص، تجربتها قائلة: "تجربتي الميدانية كانت صعبة للغاية. من أبرز التحديات التي واجهتها كانت العمل في بيئة ذكورية بحتة، حيث كنت أتعرض لنظرات سلبية وتعليقات غير مريحة" هذا الوصف يعكس واقعًا قد لا يتغير بسهولة، حيث يظل التحيز الجنسي والتحديات الاجتماعية عقبات أمام المرأة في بيئات العمل الهندسية. تضيف رؤى أن القوة البدنية والتحمل النفسي لا يكفيان وحدهما، بل يتطلب النجاح في هذا المجال دعمًا اجتماعيًا ومؤسسيًا قويًا. إلى جانب هذه التحديات، أشارت إلى أن ظروف العمل القاسية، التي تتطلب الغياب عن المنزل ونقص التدريب المكثف على الأمن والسلامة، تشكل تحديًا إضافيًا تؤكد رؤى "ظروف العمل صعبة جدًا، خاصة مع بعد مواقع العمل وقله التدريب المكثف على الأمن والسلامة، وهذا يجعل التحدي أكبر."

 

هذ وقد أظهرت اجابتها لصوت شبابي حول الدعم الذي تلقته ضعف كبيرة في البنية التحتية المؤسسية لدعم النساء في هذه التخصصات حيث ان الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات الميدانية دون دعم قد يؤدي إلى احتراق نفسي وإرهاق مستمر وقد اجابت" للأسف، لم أجد دعماً كافياً من بيئة العمل"

اما فيما يتعلق بكيفية بتحسين الظروف، بحسب رؤى: "أقترح زيادة الوعي حول أهمية دعم النساء في هذه المجالات، بالإضافة إلى توفير دورات تدريبية خاصة للنساء لتأهيلهن للتعامل مع الظروف القاسية." الامر الذي يعكس الحاجة إلى تغيير جذري في كيفية معالجة المؤسسات لوجود النساء في مجالات مثل هندسة المناجم والتعدين. يمكن لهذه المقترحات، إذا نُفذت، أن تحسن بشكل كبير من بيئة العمل وتجعلها أكثر ترحيبًا وشمولية.

 

ومن جهة أخرى، يقدم الاستاذ الدكتور هاني النوافلة، أستاذ هندسه التعدين (استكشاف ومعالجه المعادن) في كلية الهندسة بجامعة الحسين بن طلال لصوت شبابي تقييمه لمشاركة النساء في تخصصات هندسية ميدانية مثل هندسة المناجم والتعدين. يقول الدكتور هاني: "أثبتت المرأة وجودها في القطاعات الهندسية الميدانية المتعددة، ليس فقط في هندسة التعدين، بل تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك وأفضل مثال هو الهندسة المدنية. لكن لطبيعة العمل في التعدين والمناجم تحت ظروف ميدانية أصعب في بيئة المناجم، جعل للذكور الحظ الأوفر في هذا المجال."  مما يوضح أن الصعوبات ليست فقط في الجانب التقني، بل تتعلق أيضًا بمتطلبات جسدية وبيئية قاسية قد تجعل من الصعب على النساء التكيف بسهولة مع بيئات العمل في المناجم الامر الذي يرفع درجه التحدي على النساء. ولخص الدكتور النوافله هذه التحديات قائلا" من الظروف الميدانية الصعبة والتي تحتاج عمل فيزيائيا وبنيه جسديه قوية مواقع العمل البعيدة عن مراكز المدن والظروف الفيزيائية ضمن بيئة العمل مثل ارتفاع درجات الحرارة والغبار والضجيج والتلوث "

أما فيما يتعلق بالمناهج الدراسية ومدى قدرتها على تجهيز الطالبات لمواجهة التحديات الميدانية، يرى الدكتور هاني أن المناهج الحالية تركز على الجوانب النظرية والعملية بشكل متوازن. ويضيف: "أما من ناحية المناهج الدراسية خلال المرحلة الجامعية فهي تركز على الجوانب النظرية والعملية، وبالتالي على المهندسة الاهتمام بجانب التدريب الميداني والانخراط في مجالات التدريب المتعددة والالتحاق بالدورات ذات العلاقة بالعمل مثل السلامة العامة وإجراء الاختبارات والقياسات الميدانية." يرى الدكتور هاني أن التدريب العملي والدورات المتخصصة تلعب دورًا كبيرًا في تجهيز الطالبات لمواجهة تحديات العمل الميداني.

يؤكد الدكتور النوافله لصوت شبابي ان مسألة دعم الجامعات للمهندسات اللاتي يرغبن في متابعة مهنتهن في مجالات ميدانية هي مسألة ملحه، ويقترح أن تقوم الجامعات بعمل برامج ودورات واتفاقيات مع جهات ذات علاقة لدعم وتمكين الطالبات في هذا الجانب. حيث قال: "يمكن للجامعات المساعدة في دعم المهندسات اللواتي يرغبن في الانخراط في مثل هذه المهن الهندسية من خلال تصميم وعقد البرامج والدورات والاتفاقيات مع الجهات ذات العلاقة للمساعدة و التطوير في هذا الجانب ومن هذه الجهات شركات القطاع الخاص كالفوسفات والبوتاس و الجهات الحكومية مثل بعض الهيئات المختصة ووزارة الطاقة."

أما النصيحة التي يقدمها الدكتور هاني للطالبات اللاتي يفكرن في دخول مجالات مثل هندسة المناجم والتعدين، فهي تتعلق بأهمية الاختيار المبني على رغبة حقيقية والتطوير الذاتي المستمر. يقول: "أما عن النصائح أولاً أن تكون الدراسة والاختيار لمثل هكذا تخصصات هندسية ميدانية نابع عن رغبة، وأن تعمل الطالبة على تطوير ذاتها والتسلح بالمهارات الأساسية مثل الاتصال واستخدام البرمجيات والرسم الهندسي ودورات السلامة العامة وغيرها."

في الختام، يمكن القول إن التحديات التي تواجه المهندسات في تخصصات مثل هندسة المناجم والتعدين ليست مجرد عقبات تقنية أو مهنية، بل تمتد لتشمل تحديات اجتماعية وثقافية تتطلب شجاعة وإصرارًا كبيرين. تجارب الطالبات مثل فاطمة ورؤى تسلط الضوء على أهمية الدعم المؤسسي والمجتمعي للنساء في هذه التخصصات الصعبة. كما تشير آراء الأكاديميين إلى أن هناك حاجة لتطوير برامج الدعم الجامعي لتجهيز المهندسات بشكل أفضل لمواجهة هذه التحديات. في نهاية المطاف، يجب على المؤسسات التعليمية والمهنية تبني سياسات أكثر شمولية لدعم النساء وتشجيعهن على دخول هذه المجالات والاستمرار فيها بنجاح.

أضف تعليقك