سارة، شابة أردنية، بدأت مشروعًا بسيطًا لصنع الشموع اليدوية في منزلها. استخدمت سارة شغفها بالفن والإبداع لتصميم شموع فريدة تجمع بين العطور الفاخرة والألوان الزاهية.
بدأت ببيع منتجاتها للأصدقاء والعائلة، لكن بفضل جودة منتجاتها وابتكارها في التصاميم، سرعان ما توسعت شهرتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. خلال أشهر قليلة، أصبحت "شموع سارة" منتجًا مطلوبًا في الأسواق المحلية والمناسبات الخاصة.
سارة حالها حال الكثير من الشابات الجامعيات العاطلات عن العمل، اللواتي اتجهن الى المشاريع الصغيرة ليعلن أنفسهن ولو بشيء بسيط.
فحسب تقرير البنك الدولي عن الوضع الحالي للتمكين الاقتصادي للمرأة في الأردن إلى أن نسبة مشاركة النساء في القوى العاملة لا تتجاوز 14% منذ عقود وفي الربع الرابع من عام 2023 ارتفعت إلى 15.1%، وهي من أدنى النسب في العالم، في حين تبلغ نسبة البطالة بين النساء في الأردن حوالي 33%، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالرجال.
ويشير معهد تضامن الى ان الإناث تتميز في الأردن بمستويات تعليمية وعلمية عالية ولكن هذه المستويات لا تنعكس على نسب المشاركة الاقتصادية، حيث وصلت نسبة الخريجات من التعليم العالي إلى 60.9% في المملكة لعام 2022، وانخفضت مستويات الأمية بين الإناث أيضًا لذات العام إلى 7.3%، إلا أن البطالة مرتفعة والنشاط الاقتصادي بينهنّ منخفض.
التحديات والمعوقات
و أشار الأستاذ المحامي عايش عواملة المستشار القانوني في جمعية معهد تضامن النساء الأردني ل "صوت شبابي" إلى أن النساء تواجه العديد من التحديات في بيئة العمل منها ساعات العمل الطويلة، الأجور المنخفضة، وبالرغم من أن نسبة التعليم العالية بين النساء الأردنيات واللواتي يمتلكنّ مهارات علمية وعملية مرتفعة، إلا أن بعض الشركات والمؤسسات تفضل تشغيل الذكور على الإناث لعدة اعتبارات، منها: إجازة الأمومة، ساعة الرضاعة، والمتطلبات البيولوجية للإناث بشكل عام، لذا كان لا بد من العمل بالشراكة مع القطاعات المعنية للوصول إلى حلول تساهم في الحد والتخفيف من أعباء هذه التحديات على النساء.
ويكمل العواملة ان الثقافة المجتمعية من أبرز التحديات التي تواجه عمل المرأة الأردنية، فضلاً عن ضعف المواءمة بين نواتج التعليم ومتطلبات سوق العمل، والعزل المهني للإناث اللاتي يتركز عمل معظمهن في قطاعي التعليم والصحة، وندرة توافر حضانات الأطفال في أماكن العمل، بالإضافة إلى فجوة الأجور المتعلقة بالنوع الاجتماعي.
وفي نفس السياق تقول المديرة التنفيذية لمركز "تمكين" للدعم والمساندة القانونية، ليندا كلش، ل "صوت شبابي" إن "هناك عوائق كثيرة تواجه عمل المرأة، بعضها يتعلق بالنقل الذي يعتبر من بين أبرز التحديات من حيث الكلفة، وعدم احترام الكرامة، وتوقف المواصلات العامة عند الخامسة أو السادسة مساءً، فيما وقت انتهاء الدوام يكون السادسة أو السابعة، وهناك أيضاً الإشكاليات المجتمعية التي تتعلق بخروج المرأة مبكراً إلى العمل أو عودتها متأخرة، إضافة إلى انتشار العنف والتحرش في أماكن العمل، سواء اللفظي أو الجسدي.
البيئة القانونية والسياسية
ويحدثنا الدكتور احمد الخوالدة المدير التنفيذي لمركز مساواة لتنمية المجتمع المدني عن القوانين والسياسات التي تؤثر على مشاركة الشابات في الاقتصاد الأردني، قائلا ل "صوت شبابي": - توجد مجموعة من القوانين والسياسات التي تهدف إلى تحسين مشاركة الشابات في الاقتصاد، منها: قانون العمل الذي ينص على عدم التمييز بين الجنسين في التوظيف والأجور ويوفر حماية للنساء في مكان العمل، بما في ذلك الإجازة الأمومة والحماية من التحرش الجنسي، قانون الضمان الاجتماعي الذي يضمن توفير الحماية الاجتماعية للعاملات، بما في ذلك التأمين الصحي والمعاشات، وقانون حماية الأسرة الذي يهدف إلى حماية النساء من العنف الأسري"
ويقول الخوالدة ان الحكومة الأردنية تبنت عددًا من المبادرات والسياسات لتحقيق التمكين الاقتصادي للشابات ومنها: برامج التدريب والتطوير حيث تعمل الحكومة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص على تقديم برامج تدريبية تهدف إلى تطوير مهارات الشابات وتعزيز فرصهن في سوق العمل. وتقدم الحكومة دعما ماليا للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تديرها النساء، وذلك من خلال برامج تمويلية مخصصة وتشجع على ريادة الأعمال بين النساء من خلال تقديم حوافز ودعم للمشروعات الناشئة التي تقودها الشابات تم تعزيز العمل عن بعد، مما وفر للشابات فرص عمل مرنة تتناسب مع مسؤولياتهن الأسرية، مشيرا بذات الوقت " أنه يزال هناك الكثير لتحقيق المساواة الكاملة في الفرص والأجور والقضاء على التمييز".
التوصيات والاستراتيجيات
ولتحقيق التمكين الاقتصادي الفعلي للشابات قال المحامي عايش العواملة يجب اتخاذ مجموعة من الاستراتيجيات المتكاملة، المتمثلة بتحسين الوصول إلى التعليم والتدريب المهني، تعزيز القوانين والسياسات المناهضة للتمييز ودعم ريادة الأعمال النسائية، توفير بيئة عمل آمنة للشابات من خلال سن قوانين صارمة لمكافحة العنف الجنسي والتحرش وتقديم الدعم للضحايا. وأخيرا الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين الوصول إلى المعلومات، والأسواق، والفرص الاقتصادية. يمكن للمنصات الرقمية أن توفر فرصًا جديدة للشابات في مجالات مثل التجارة الإلكترونية والعمل عن بعد.
دور المنظمات غير الحكومية والمبادرات المجتمعية
وحسب الدكتور احمد الخوالدة فأن المنظمات غير الحكومية والمبادرات المجتمعية تلعب دورا حيويا في دعم الشابات في الأردن من خلال: التدريب وبناء القدرات ، التمويل الصغير والمتوسط فتوفر بعض المنظمات برامج تمويل صغيرة تساعد النساء في بدء مشروعاتهن الخاصة، المبادرات المجتمعية التي تهدف تعزيز مشاركتهن في الاقتصاد وزيادة وعيهن بالفرص المتاحة، الشبكات والتوجيه للشابات للالتقاء بنساء أخريات في مجال الأعمال، مما يساهم في تبادل الخبرات والمعرفة وتقديم الدعم والتوجيه.
بشكل عام، رغم التحديات التي تواجه الشابات في الحصول على التمويل، إلا أن هناك جهوداً متواصلة من قبل الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحسين الوصول إلى الدعم المالي وتعزيز مشاركة الشابات في الاقتصاد الأردني.