رفع الحد الأدنى للأجور: فرصة لتحسين المعيشة أم تهديد لتنافسية الاقتصاد الأردني؟
في أحد مصانع حياكة الملابس في منطقة الظليل، تجلس الشابة نور على طاولة ماكينة الخياطة. تعمل نور، البالغة من العمر 24 عامًا، كعاملة في المصنع منذ أكثر من عامين، وتعيل أسرتها التي تتكون من خمسة أفراد. تعبر نور عن أملها في أن يشمل رفع الحد الأدنى للأجور تحسين وضعها الاقتصادي ورفع مستوى المعيشة.
تقول نور، في حديثها مع "صوت شبابي": "الأجور الحالية لا تكفي لتغطية احتياجاتنا الأساسية. نحن نعمل ساعات طويلة في ظروف صعبة، ونحتاج إلى دخل يساعدنا على توفير حياة كريمة". وتضيف: "أحيانًا، أعود إلى المنزل بعد يوم طويل ولا أستطيع شراء ما يحتاجه أطفالي من مستلزمات. نحن نواجه ضغوطًا يومية تجعل من الصعب الاستمرار".
تأتي هذه الكلمات في وقت حساس، حيث ينتظر العمال في مختلف القطاعات قرار الحكومة بشأن رفع الحد الأدنى للأجور. وقد أكد وزير العمل الدكتور خالد البكار، خلال اجتماعه مع غرفة صناعة الأردن، على أهمية التشاركية بين العمال وأصحاب العمل والحكومة في اتخاذ هذا القرار.
في تصريح حديث، أشار الدكتور خالد البكار إلى أن وزارة العمل تسعى جاهدة لتحقيق توازن فعّال بين تحسين ظروف العمال وحماية مصالح أصحاب العمل. وأوضح أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور سيتم اتخاذه بالتوافق بين الأطراف الثلاثة، المتمثلة في ممثلي العمال وممثلي أصحاب العمل والحكومة، لضمان أن تعكس القرارات الجديدة احتياجات جميع الأطراف وتساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
توازنات صعبة: كيف سيؤثر رفع الحد الأدنى للأجور على الاقتصاد الأردني والعمالة؟
في تصريح "لصوت شبابي"، أكد الخبير الاقتصادي المهندس موسى الساكت أن "تأثير رفع الحد الأدنى للأجور على الاقتصاد الأردني يجب أن يُستند إلى أرقام دقيقة صادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي". وأوضح الساكت أن غالبية العاملين في الاقتصاد الرسمي الأردني "يتقاضون رواتب تفوق الحد الأدنى للأجور"، مشيراً إلى أن "ما بين 22% إلى 23% من الأردنيين تتراوح رواتبهم بين 300 دينار أو أقل قليلاً، في حين أن ما بين 60% إلى 70% منهم يتقاضون رواتب تفوق 300 دينار شهرياً".
وفيما يتعلق بالعمالة غير الأردنية، أوضح الساكت أن "79% من هذه العمالة المسجلة في الضمان الاجتماعي تتقاضى رواتب تتجاوز الحد الأدنى أو قريبة منه، بينما لم تتجاوز رواتب 16% منهم الحد الأدنى". وأكد أن تعديل الحد الأدنى للأجور سيعود بالنفع على هذه الفئة، لكنه حذر من أن هذا التعديل يمثل "تحدياً رئيسياً أمام الاقتصاد الأردني، خاصة في قطاع صناعة المحيكات الذي يعتمد بنسبة 75% على العمالة الأجنبية"، مشيراً إلى أن ذلك "سيؤثر على تنافسية القطاع الذي يصدر حوالي 1.8 مليار دولار سنوياً للولايات المتحدة".
وعلى صعيد تحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تهدف إلى زيادة صادرات المحيكات إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2033، لفت الساكت إلى أن "رفع الحد الأدنى للأجور قد يعوق الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي". وأضاف أن "الشركات الصغيرة هي الأكثر عرضة للتحديات"، مؤكدًا أهمية إجراء "دراسة شاملة لتقييم الأثر الاقتصادي لهذا القرار".
ورغم التحديات، شدد الساكت على أنه "من حق العمال الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور أن تشهد رواتبهم زيادات تتناسب مع التضخم"، لافتًا إلى أن اللجنة الثلاثية المسؤولة عن رفع الأجور "أكدت أن التعديل المقبل سيبدأ في عام 2025 وفقاً لمعدل التضخم".
وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 10-15% من العمال في الأردن يتقاضون الحد الأدنى للأجور، مما يعكس حجم الفئات المتأثرة مباشرةً بأي تغييرات في هذا السياق. ووفقًا لتقارير اقتصادية، يُتوقع أن يؤدي رفع الحد الأدنى للأجور إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي بنسبة تتراوح بين 2-5%، مما يعزز الطلب على السلع والخدمات في السوق. ومع ذلك، تحذر الدراسات من أن حوالي 60% من الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تواجه صعوبة في تحمل تكاليف زيادة الأجور، مما قد يؤدي إلى تخفيض الوظائف أو تأجيل التوظيف. وتظهر تقديرات أن نسبة البطالة قد تتأثر سلبًا، حيث يُتوقع أن تتأثر 3-5% من الوظائف في القطاعات ذات الأجور المنخفضة. وفي المقابل، تؤكد منظمة العمل الدولية أن رفع الحد الأدنى للأجور يمكن أن يُحسن مستوى المعيشة لحوالي 200,000 إلى 300,000 عامل إذا تم تطبيقه بشكل فعّال.
ومن جهته قال رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، خالد الفناطسة، إن رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن إلى 300 دينار على الأقل أصبح "حقاً واجباً" بعد أن بقي ثابتاً عند 260 ديناراً لأكثر من خمس سنوات.
وأوضح الفناطسة في تصريح حديث، عقب لقائه وزير العمل خالد البكار، أن الحد الأدنى للأجور لم يُرفع منذ أكثر من خمس سنوات. وأشار إلى تعاون الاتحاد مع وزارة العمل وأصحاب العمل خلال هذه الفترة، وذلك بسبب التأثيرات السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد الأردني.
وأكد الفناطسة أن الاتحاد تعاون مع الوزارة وأصحاب العمل في عامي 2023 و2024 نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة. ومع ذلك، شدد على أن "الحق" في رفع الحد الأدنى للأجور أصبح ملحاً، ويجب أن يتم رفعه إلى 300 دينار على الأقل اعتباراً من شهر كانون الثاني/يناير 2025.
بين تحسين المعيشة وضغوط السوق: تحديات وآمال في عالم العمل الأردني
أظهرت دراسة حديثة في الأردن شملت 500 عامل، أن 78% من المشاركين يرون أن رفع الحد الأدنى للأجور سيساهم في تحسين مستوى معيشتهم. وتوقع 65% منهم زيادة في إنفاقهم، مما يعزز الطلب في السوق. ومع ذلك، حذرت 55% من الشركات الصغيرة والمتوسطة من أن زيادة الأجور قد تؤدي إلى تقليص العمالة أو رفع الأسعار. كما أعرب 40% من المشاركين عن مخاوف من ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب. ودعا 70% من المشاركين الحكومة لتقديم الدعم للقطاعات الأكثر تأثرًا، مما يبرز أهمية تحقيق توازن بين تحسين ظروف العمال وحماية مصالح أصحاب العمل، ويتطلب ذلك مزيدًا من الحوار والتعاون بين جميع الأطراف المعنية.