الهوية الرقمية : كيف تؤثر حياة مشاهير منصات التواصل الاجتماعي على تصورات الشباب عن الذات؟
"كلما رأيت صور المشاهير الذين هم من نفس عمري واغلب وقتهم يعيشونه مستمتعين بين رحلات وحفلات، وكأنه لا واجبات ومسؤوليات عليهم شعرت أنني أقل منهم حيث أنني لم أكن أمتلك نفس الموارد أو الفرص، وهذا جعلني أشعر بأنني فاشل. أصبحت أعاني من القلق وانخفاض الثقة بالنفس." هذا ما قاله خالد، 17 عامًا، طالب، معبرا عن شعوره بالقلق وانخفاض الثقة بالنفس عندما يرى صور بعض المشاهير الذين يشاركونه نفس الفئة العمرية يستمتعون بوقتهم في رحلات أو حفلات طوال الوقت.
تعتبر الهوية الرقمية من أهم القضايا التي تواجه الشباب في العصر الحديث. مع الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي، أصبح للمشاهير تأثير كبير على تصورات الشباب عن الذات والثقة بالنفس اذ ينشغل الشباب بمقارنة حياتهم اليومية بحياة المشاهير المثالية، مما يؤدي إلى ضغوط نفسية ومشاكل في الصحة العقلية.
ريما، 24 عامًا، موظفة، تتحدث عن تأثير المؤثرات في منصة إنستغرام على رضاها عن مظهرها: "كنت أتابع العديد من المؤثرات على إنستغرام، وبدأت أشعر بعدم الرضا عن مظهري. كنت أنفق الكثير من المال على مستحضرات التجميل والملابس لمحاولة تقليدهن. هذا السعي المستمر للكمال أثر على حالتي النفسية وجعلني أشعر بأنني غير كافية."
تجربة ريما تعكس بشكل واضح التأثير النفسي العميق الذي يمكن أن يحدثه التعرض المستمر للمحتوى المثالي على وسائل التواصل الاجتماعي حيث تعكس كلماتها واقعًا يعيش فيه العديد من الشباب الذين يتابعون المؤثرين والمشاهير على منصات التواصل الاجتماعي بشكل عام حيث يتم تعزيز الصورة المثالية والمتناسقة بشكل مستمر، مما يخلق توقعات غير واقعية حول الحياة والمظهر الشخصي
ان المشاهير غالبًا ما يعرضون صورًا مثالية لأنفسهم، ببشرة خالية من العيوب، وأجسام رشيقة، وأنشطة مليئة بالمغامرات والإثارة. هذا المحتوى المصمم بعناية يمكن أن يؤدي إلى خلق توقعات غير واقعية لدى المتابعين، مما يجعلهم يشعرون بأن حياتهم وأجسادهم ليست كافية، وهذا ما أشارت له نور 21 عامًا، طالبة جامعية، فتقول: "كنت أقضي ساعات طويلة على إنستقرام وسناب سات أتابع المشاهير. شعرت بالضغط الشديد لأكون مثلهم. بشرتهم المثالية، وأجسامهم الرشيقة، وحياتهم المليئة بالمغامرات جعلتني أشعر بعدم الرضا عن نفسي. تأثر تقديري الذاتي بشكل كبير وبدأت أشعر بالاكتئاب."
تربط الدراسات الحديثة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة مشكلات الصحة العقلية بين المراهقين والشباب. دراسة أُجريت على عدد من الشباب أظهرت وجود ارتباط بين قضاء ثلاث ساعات يوميًا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة احتمال التعرض لمشكلات الصحة العقلية. واستندت هذه الدراسة إلى بيانات من 6500 مشارك.
وأخرى أخرى تناولت بيانات عن أكثر من 12 ألف مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا، ووجدت أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأكثر من ثلاث مرات يوميًا ينبئ بضعف الصحة العقلية للمراهقين ورفاههم.
إضافة إلى استبانة أُجريت عام 2022 على مجموعة من الشباب شملت 1300 مشارك تقريبًا، كشفت أن 35% من الشباب يستخدمون على الأقل واحدة من بين خمس منصات لوسائل التواصل الاجتماعي((YouTube)و(TikTok )و (Facebook)و (Instagram )وSnapchat) )عدة مرات يوميًا تشير هذه النتائج إلى أن المراهقين الذين يقضون وقتًا طويلاً على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر عرضة لمشكلات الصحة العقلية.
لا تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي في جميع المراهقين بالطريقة نفسها. تعتمد آثار وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية على عدة عوامل، منها: المحتوى الذي يشاهده المراهقون، مقدار الوقت الذي يقضونه على الإنترنت، العوامل النفسية مثل مستوى النضج وأي حالات مرتبطة بالصحة العقلية موجودة مسبقًا، وظروف الحياة الشخصية بما في ذلك العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
تأثير المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي على تقدير الشباب لذاتهم وثقتهم بأنفسهم يعد موضوعًا حساسًا ومعقدًا. في هذا السياق، وضح الأخصائي النفسي الدكتور إسماعيل الشيخ أن المشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤثروا بشكل كبير على تقدير الشباب لأنفسهم وثقتهم بأنفسهم من خلال عدة طرق.
حيث أشار الدكتور الشيخ إلى أن المشاهير يعرضون غالبًا حياة مثالية متناسقة ومصفّاة من العيوب، مما يمكن أن يخلق توقعات غير واقعية لدى الشباب بشأن ما يجب أن تكون حياتهم ومظهرهم. وأضاف أن المقارنة الاجتماعية تلعب دورًا كبيرًا في هذا السياق، حيث يقارن الشباب أنفسهم بالمشاهير وقد يشعرون بأنهم غير كافيين أو غير ناجحين أو غير جذابين بما فيه الكفاية، مما يؤثر سلبًا على ثقتهم بأنفسهم. كما أشار إلى أن التوقعات المرتفعة المفروضة على الشباب ليكونوا مثل المشاهير قد تؤدي إلى شعور بالضغط النفسي وعدم الرضا عن الذات.
وفيما يتعلق بالعلامات النفسية التي قد تشير إلى تأثر الشباب سلبياً بمقارنة أنفسهم مع المشاهير على الإنترنت، قال الدكتور الشيخ إن التأثير السلبي على الشباب قد يظهر في شكل عدة علامات نفسية. من بين هذه العلامات انخفاض الثقة بالنفس، حيث يشعر الشباب بأنهم لا يستحقون الاحترام والاعتراف بسبب عدم مطابقتهم لمعايير المشاهير. كما أضاف أن تزايد الشعور بالاكتئاب أو القلق بسبب عدم القدرة على تحقيق المعايير الظاهرة على الإنترنت هو من العلامات الأخرى التي تشير إلى التأثير السلبي. وأشار أيضًا إلى انتشار اضطرابات الجسم مثل اضطرابات الأكل أو تأخر نمو الذاتية بسبب الرغبة في التكيف مع معايير المشاهير.
وعن سؤال هل يمكن أن يؤدي التعرض المستمر لمحتوى المشاهير إلى اضطرابات نفسية مثل القلق أو الاكتئاب وكيف يمكن التعامل مع هذه التأثيرات، أكد الدكتور الشيخ أن التعرض المستمر لمحتوى المشاهير على الإنترنت قد يؤدي بالفعل إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب. للتعامل مع هذه التأثيرات، أوصى بالتوعية والتعليم، حيث يجب تعليم الشباب حول تأثيرات الصور المثالية والتناقضات بينها وبين الواقع. كما أضاف أنه يجب تشجيع الشباب على فتح النقاش حول مشاعرهم تجاه المقارنة مع المشاهير، وتشجيعهم على تحديد حدود لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاستمتاع بنشاطات خارج الإنترنت. كما نصح بتركيز على القدرات الشخصية وتعزيز الاعتزاز بالنفس والتقدير للمهارات والصفات الفريدة لدى الشباب.
وعن كيفية مساعدة الأهل والمربين للشباب على تطوير صورة ذاتية صحية في ظل التأثير الكبير للمشاهير على وسائل التواصل الاجتماعي، قال الدكتور الشيخ إن التواصل الفعال هو المفتاح. يجب على الأهل والمربين الاستماع وفهم مشاعر الشباب والتحدث بشكل فعال حول ضغوط الصور المثالية. كما أضاف أنه يجب تقديم المعلومات حول تحرير الصور والمحتوى المثالي على وسائل التواصل الاجتماعي، ودعم الشباب في تطوير مهاراتهم واكتشاف مواهبهم الفريدة بغض النظر عن المعايير الظاهرة على الإنترنت. وأوصى بمساعدة الشباب على تحديد ما هو مهم بالنسبة لهم بدلاً من الامتثال لمعايير الجمال أو النجاح المفروضة من الخارج، وتشجيعهم على بناء علاقات صحية وداعمة مع أفراد أسرتهم وأصدقائهم مما يمكن أن يزيد من الثقة بالنفس.
وفي الختام، قدم الدكتور الشيخ نصائح نفسية يمكن أن تساعد الشباب على التمييز بين الواقع والمحتوى المثالي الذي يعرضه المشاهير على الإنترنت. نصح بالتوعية بتحرير الصور، حيث يجب تعليم الشباب حول استخدام الفلاتر وتحرير الصور وكيف يمكن أن يكون هذا مختلفًا عن الواقع. كما شجع على تطوير القيم الشخصية والتفاعل مع العالم الحقيقي خارج الإنترنت، مما يساعد الشباب على بناء هوية ذاتية صحية ومتوازنة.