المسارات الطبيعية كوسيلة للتعلم والمغامرة

الرابط المختصر

في صباح مشمس، قررت مجموعة من الأصدقاء الانطلاق في مغامرة تجمع بين التصوير الفوتوغرافي والمغامرات الرياضية في وادي رم، أحد أجمل المواقع الطبيعية في الأردن. كانت لديهم خطة واضحة: استكشاف المناظر الخلابة، وتوثيق كل لحظة بالكاميرا، والاستمتاع بنشاطات رياضية مثل التسلق والمشي لمسافات طويلة.

عند الوصول، كانت أولى محطاتهم الصعود إلى أحد المرتفعات الصخرية. بينما كانوا يتسلقون، كان هناك دائمًا شخص يحمل الكاميرا، يلتقط الصور للمناظر الخلابة التي تبرز فيها تدرجات الألوان بين الأحمر والبرتقالي. وبينما كانوا يتسلقون، عثروا على منظر رائع للجبال المحيطة بهم، فقررت مريم، إحدى الأصدقاء، أن تتوقف لحظة لالتقاط الصورة. 

"هذا المنظر مذهل!" قالت مريم وهي تضبط إعدادات الكاميرا. بينما كانت تلتقط الصورة، شعر الجميع بالتفاؤل والنشاط. كانوا يبتسمون ويشجعون بعضهم البعض على الاستمرار. 

بعد ساعات من التسلق، وصلوا إلى قمة الجبل. كان المنظر من الأعلى خلابًا، فقد استطاعوا رؤية الصحراء الواسعة والأودية المحيطة. اجتمعوا لالتقاط صورة جماعية، وفورًا استعدوا ليصوروا أنفسهم مع خلفية المناظر الطبيعية. 

ثم جاءت اللحظة الأكثر تحديًا، وهي تجربة ركوب الدراجات الجبلية. اتجهوا نحو المسارات الوعرة، حيث استمتع الجميع بالسرعة والإثارة. بينما كانوا يركبون الدراجات، كان كل من يحمل الكاميرا يحاول التقاط صور للحظة المثيرة عندما كانوا يتجاوزون التحديات الطبيعية. 

في أحد اللحظات، تعرض عادل، أحد الأصدقاء، للسقوط عن الدراجة. لكنه لم يتأذَ كثيرًا، بل نهض بسرعة، وابتسم للكاميرا بينما كان ينفض الغبار عن ملابسه. كانت تلك الصورة رمزًا للمغامرة وروح الفريق التي يتمتع بها الأصدقاء. 

مع حلول المساء، قرروا إقامة مخيم صغير في قلب الصحراء. أشعلوا نارًا صغيرة، وجلسوا حولها لتبادل القصص والتجارب. كان كل واحد منهم يتحدث عن اللحظات التي وثقها بالكاميرا، وكل صورة كانت تروي قصة مختلفة عن تلك المغامرة المميزة. 

استمرت مغامرتهم حتى غروب الشمس، حيث التقطت مريم صورة ساحرة لشمس الغروب تتلاشى خلف الجبال، مضيفةً لمسة جمالية للمغامرة التي خاضوها. كانت هذه الصورة تمثل أكثر من مجرد لحظة؛ كانت رمزًا للصداقة والشجاعة والتعلم من الطبيعة. 

مع انتهاء اليوم، أدرك الأصدقاء أن هذه التجربة لم تكن مجرد مغامرة رياضية، بل كانت فرصة لاكتشاف جمال الطبيعة، وتعزيز روابطهم كأصدقاء، والتعبير عن إبداعاتهم من خلال عدسة الكاميرا.

 

المسارات الطبيعية ودورها في تعزيز الوعي البيئي

 

أشار الدكتور أحمد الشريدة، رئيس جمعية التنمية للإنسان والبيئة الأردنية، في حديثه لصوت شبابي إلى أن المسارات الطبيعية هي مسارات تهتم بالحفاظ على مكونات البيئة الطبيعية، سواء كانت غابات أو أودية أو جبال، وتتمثل في أشكال مختلفة من السياحة مثل السياحة البيئية، القروية، الريفية، الجبلية، أو سياحة المغامرات. وأكد أن هذه المسارات تسهم بشكل كبير في نشر الوعي البيئي من خلال الأدلاء السياحيين المحليين الذين يتواجدون على طولها.

وبيّن الدكتور الشريدة لصوت شبابي أن "المسارات الطبيعية تعتبر وسيلة فعّالة لتعزيز الوعي البيئي من خلال ربط الناس بالبيئة المحيطة بهم بشكل مباشر، مما يُمكّنهم من تقدير جمال الطبيعة ومواردها." ولفت إلى أن هذه المسارات توفر للزوار فرصة للتعرف على النباتات والحيوانات المحلية عبر اللوحات الإرشادية التوعوية، مما يعزز معرفتهم بالتنوع البيئي والتحديات التي تواجهه.

وأكد الدكتور الشريدة لصوت شبابي أن "هذه المسارات تدعم مفهوم الاستدامة من خلال تشجيع الزوار على اتباع سلوكيات مسؤولة مثل الحفاظ على النظافة وعدم الإضرار بالبيئة. فهي ليست فقط وسيلة للاستمتاع بالطبيعة، بل تعتبر جسرًا لتعزيز الوعي البيئي، والسياحة المستدامة، وتحسين الصحة النفسية والجسدية للأفراد، مما يربط رفاهية الإنسان بالحفاظ على البيئة."

هناك العديد من المسارات الطبيعية في الأردن التي تقدم تجارب سياحية متنوعة وتساهم في تعزيز الوعي البيئي. حسب الجمعية الملكية لحماية الطبيعة (RSCN)، تشمل هذه المسارات المحمية الطبيعية مثل محمية الأزرق المائية، محمية غابات عجلون، محمية غابات اليرموك، محمية الموجب للمحيط الحيوي، محمية الشومري للأحياء البرية، محمية برقع الطبيعية، محمية ضانا للمحيط الحيوي، وتتيح هذه المسارات فرصًا للسياحة البيئية والاستكشاف. تُعد هذه المسارات جزءًا من مبادرات السياحة البيئية في الأردن، التي تهدف إلى حماية التنوع الحيوي وتوفير دخل للسكان المحليين من خلال أنشطة سياحية مستدامة.

وفقًا لإحصائيات صادرة عن وزارة السياحة والآثار الأردنية وتقارير البنك المركزي الأردني، بلغت إيرادات السياحة في الأردن لعام 2023 حوالي 7.4 مليار دولار. هذه الزيادة تمثل نمواً بنسبة 27.4% مقارنة بالعام السابق، وهو ما يعكس الانتعاش الكبير في القطاع السياحي. وعلى الرغم من عدم توفر تفاصيل محددة عن إيرادات السياحة الطبيعية على وجه الخصوص، فإن السياحة البيئية، بما في ذلك مسارات المشي والمغامرات في الطبيعة، تسهم بشكل ملحوظ في هذه الإيرادات من خلال دعم التنمية المستدامة والمجتمعات المحلية.

 

دور المجتمع المحلي في الحفاظ على المسارات الطبيعية وتعزيز السياحة البيئية

أكد الدكتور الشريدة، لصوت شبابي، أن المجتمع المحلي يلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على المسارات الطبيعية وتعزيز السياحة البيئية. وأوضح أن مشاركة المجتمع المحلي الفعّالة تسهم في حماية هذه الموارد الطبيعية والحفاظ عليها للأجيال القادمة.

وبيّن الدكتور الشريدة أن من بين الأدوار الأساسية التي يقوم بها المجتمع المحلي حماية البيئة المحلية. وأشار إلى أن السكان المحليين هم الأكثر معرفة بالبيئة المحيطة بهم، مما يمكّنهم من مراقبة أي أنشطة تهدد هذه المسارات، مثل التلوث أو الصيد غير القانوني، والإبلاغ عنها للجهات المختصة. هذا الدور يعزز من حماية التنوع البيولوجي والجمال الطبيعي للمنطقة. 

وأضاف الشريدة أن التوعية البيئية هي جانب آخر مهم، حيث يمكن لأفراد المجتمع أن يكونوا سفراء للبيئة من خلال تنظيم ورش عمل وحملات توعوية لتعليم الآخرين كيفية التفاعل مع الطبيعة بشكل مستدام. وأكد أن هذه الجهود التوعوية تسهم في رفع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة.

واختتم الشريدة بتأكيده على أن المجتمع المحلي يستفيد أيضًا من السياحة البيئية اقتصاديًا، من خلال تقديم خدمات الإقامة والمواصلات والطعام للسياح، مما يخلق فرص عمل ويحسن الظروف المعيشية، مع الحفاظ على البيئة.

 

التحديات التي تواجه تطوير المسارات الطبيعية في الأردن

أشار الأستاذ فيصل أبو السندس لصوت شبابي إلى أن السياحة البيئية في الأردن تواجه تحديات عدة تؤثر على تطورها واستدامتها. وأكد أن نقص التمويل يُعد من أكبر العقبات التي تحول دون تحسين البنية التحتية للمسارات الطبيعية، مثل الممرات والخدمات الصحية والمرافق العامة، مما يقلل من جاذبيتها للسياح. كما أوضح أن هناك نقصًا في التوعية بأهمية السياحة البيئية بين المجتمع المحلي والسياح، مما يؤدي إلى ممارسات غير مستدامة مثل إلقاء النفايات أو إتلاف النباتات.

وبيّن الأستاذ فيصل أن الحفاظ على التنوع البيولوجي يعد تحديًا كبيرًا نظرًا لأن المسارات تمر بمناطق حساسة بيئيًا غنية بالحياة البرية والنباتات الطبية. كما أشار إلى أن التعدي العمراني يؤثر سلبًا على هذه المسارات من خلال تقليص المناطق الطبيعية المحيطة بها. وأضاف أن هناك نقصًا في الكوادر البشرية المدربة لتقديم الإرشاد البيئي الصحيح، مما يؤثر على تجربة السياح. 

وأضاف أن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة أو نقص هطول الأمطار، تؤثر سلبًا على البيئة الطبيعية للمسارات، مما يجعل الحفاظ عليها أكثر صعوبة. إلى جانب ذلك، ذكر أن التسويق والترويج للمسارات الطبيعية غير كافٍ محليًا ودوليًا، مما يقلل من عدد الزوار. وأكد على ضرورة تحسين الصيانة الدورية للبنية التحتية لتفادي تدهور جودة المسارات وخدماتها.

 

كيف تسهم الأنشطة في المسارات الطبيعية في تحسين الصحة النفسية والبدنية

وقالت المدربة الرياضية سندس أحمد لـ"صوت شبابي": "التنزه في الطبيعة يتيح فرصة للاسترخاء والتأمل، مما يعزز السلام الداخلي ويخفف من الضغوط النفسية."

من الناحية البدنية، الأنشطة مثل المشي وركوب الدراجات تقوي صحة القلب والعضلات، وتزيد من التحمل والطاقة، وتقلل من مخاطر الأمراض المزمنة. وأضافت أحمد: "النشاط البدني في الطبيعة يعزز اللياقة والحيوية." 

بالإضافة إلى الفوائد النفسية والجسدية، التواجد في الطبيعة يعزز التركيز والإبداع، مما يجعل الأنشطة الطبيعية وسيلة فعّالة لتحسين جودة الحياة بشكل عام.

الصعوبات والتحديات الشخصية التي واجهها الأفراد أو المجموعات أثناء العمل في المسارات الطبيعية وكيف تغلبوا عليها

أوضح الأستاذ فيصل أبو السندس لصوت شبابي أن السير في المسارات الطبيعية في الأردن يواجه عدة تحديات تتعلق بالطقس والتضاريس والمجهود البدني. من أبرز هذه التحديات: الطقس الحار والجاف الذي يتطلب شرب كميات كافية من الماء وارتداء ملابس مناسبة، والتضاريس الوعرة التي تتطلب أحذية ملائمة واستخدام عصي المشي، بالإضافة إلى الإرهاق البدني الذي يمكن تفاديه بأخذ فترات راحة منتظمة والتحضير البدني المسبق.

 

كما أكد على أهمية التخطيط الجيد للمسار لتجنب الضياع باستخدام تطبيقات GPS أو مرشدين محليين. أشار أيضًا إلى ضرورة دعم الأفراد نفسيًا لمواجهة الإحباط خلال الرحلات الطويلة، والتحذير من مخاطر الحيوانات البرية، والتشجيع على الحفاظ على البيئة من خلال اتباع ممارسات السياحة المستدامة.

 

وشدد على أهمية الاستعداد للتغيرات المفاجئة في الطقس والتخطيط الجيد للمسافات الطويلة مع توفير ما يكفي من الماء والغذاء، والتأكد من استخدام المعدات المناسبة. واختتم بالتأكيد على أهمية التحضير للتحديات المتعلقة بنقص المرافق الصحية على بعض المسارات.
 

المسارات الطبيعية يمكن أن تعزز الفهم والتقدير للثقافة المحلية والتراث من خلال دمج عناصر من الثقافة في الأنشطة السياحية.

أكدت سوار الفاعوري، وهي دليل سياحي، أن المسارات الطبيعية تُعد وسيلة فعالة لتعزيز الفهم والتقدير للثقافة المحلية والتراث. وذكرت أن دمج عناصر من الثقافة في الأنشطة السياحية يسهم في تعزيز تجربة الزوار. على سبيل المثال، يمكن تنظيم جولات سياحية تتضمن ورش عمل حية تُبرز الحرف التقليدية مثل صناعة الفخار أو النسيج، مما يتيح للزوار التعرف على المهارات الثقافية المحلية وتجربتها مباشرة.

وأضافت سوار أن إدراج القصص الشعبية والأساطير المحلية خلال الرحلات، حيث يروي المرشدون السياحيون حكايات مرتبطة بالأماكن التي يزورونها، يثري التجربة ويُعمق من فهم الزوار للتراث الثقافي. علاوة على ذلك، يمكن تضمين الأطعمة التقليدية في البرامج السياحية، ما يعزز من الترابط الثقافي ويضيف لمسة محلية مميزة.