الفتيات المطلقات: تحديات وآفاق جديدة في المجتمع
في عمر الثالثة والعشرين، وجدت سلام نفسها أمام مفترق طرق حاسم بعد طلاقها. "بعد طلاقي، شعرت بحاجة ماسة لإعادة بناء حياتي وتحقيق استقلالي. قررت أن أبدأ مشروعًا خاصًا في مجال مستحضرات التجميل، وهو حلم كنت أؤجله دائمًا، ورغم الصعوبات التي واجهتها، اعتبرت التجربة فرصة تحويل الألم إلى قوة دافعة، اليوم أفتخر بأن مشروعي ينمو ويحقق نجاحًا، وقد منحني هذا التغيير شعورًا جديدًا بالثقة والاستقلالية."
تجربة سلام تعكس التحديات والفرص التي تواجه الفتيات الشابات في الأردن بعد الطلاق، وتفتح نافذة على قصص الأمل وإعادة البناء التي تعكس قوة وقدرة النساء على تحويل الأزمات إلى فرص جديدة، كما حصل مع نموذج نسائي آخر فضلت أن ندعوها ب "سلاف"
تقول مُعلمة اللغة الإنجليزية ل "صوت شباب" "لم يكن الطلاق شيئًا توقعت حدوثه بعد عام واحد فقط من زواجي، كفتاة شابة، كنت أحلم بحياة زوجية سعيدة ومستقرة، مثل كل فتاة في عمري، لكن الحياة أحيانًا تأتي بما لا نتوقعه، لتختبر صبرنا وقوتنا في مواجهة التحديات."
"لم يكن قرار الطلاق سهلًا أبدًا. كنت أشعر بالكثير من الضغط الاجتماعي والخوف من نظرة الناس لي. كيف ستتحدث عني العائلة؟ ماذا سيقول الجيران؟ كل هذه الأسئلة كانت تؤرقني ليلًا." لكن ما لم تكن تتوقعه سولاف هو الكم الهائل من التحديات التي تواجهها بعد الطلاق "في البداية، شعرت وكأنني فقدت كل شيء فقدت الثقة بنفسي، وتعرضت لانتقادات كثيرة من محيطي حتى أنني واجهت صعوبة في استئناف عملي، كان لدي إحساس دائم بالفشل" ، لكنها قررت أن تستعيد حياتها بقوة جديدة " كانت هناك لحظات شعرت فيها باليأس، لكني كنت أذكر نفسي دائمًا بأن هذه التجربة ليست نهاية الطريق بدأت بتطوير مهاراتي الأكاديمية، شاركت في ورش عمل للتطوير المهني، مما ساعدني على بناء ثقتي بنفسي من جديد."
لم يكن التحول سهلاً، لكنه كان ممكنًا بفضل دعم الأسرة والأصدقاء، وأيضًا بفضل القوة الداخلية التي وجدتها سولاف في نفسها. "تعلمت أن أكون مستقلة وجدت عملًا بدوام جزئي مما ساعدني على تأمين دخل مادي يعزز من استقلالي أصبحت أرى الطلاق تجربة تعلمت منها الكثير، وليس فشلا"
تختتم سولاف حديثها بالقول: "قد تكون البداية صعبة، ولكن مع الإصرار والدعم المناسب، يمكن تحويل أي تجربة سلبية إلى فرصة للنمو والتحسين الطلاق كان بداية جديدة بالنسبة لي، وقد أثبتت لنفسي أنني أقوى مما كنت أعتقد."
سلام وسولاف شابتين من الآف الشابات التي بلغت نسبة الطلاق بينهن في الفئة العمرية من 18 إلى 29 عامًا 32% ، وفقًا لتقرير دائرة الإحصاءات العامة لعام 2023، الذي كشف عن واقعًا مقلقًا حول ظاهرة الطلاق بين الفتيات في الأردن، وتعكس هذه الأرقام الصادمة تزايدًا ملحوظًا في الظاهرة، مما يستدعي ضرورة تحليل أسبابها وتوفير الدعم والموارد لمعالجة هذه القضية بفعالية.
ما وراء الأبواب المغلقة: الأسباب الخفية لارتفاع نسب الطلاق بين الشابات في الأردن
قال أحمد شحيدات، خبير اجتماعي ومستشار في قضايا التنمية الاجتماعية، في حديثه لـ "صوت شبابي": "تواجه المرأة المطلقة تحديات كبيرة ومتنوعة، تشمل جوانب اجتماعية واقتصادية. من الضروري أن يعمل المجتمع على دعمها من خلال تقبلها وتجنب النظرة السلبية والوصمة التي تلصق بها، ومساعدتها في التغلب على العزلة الاجتماعية ودمجها في الحياة الاقتصادية عبر سوق العمل وبرامج التمكين، ينبغي أن تشمل المبادرات التي تستهدف النساء المطلقات دعمًا لهن في اندماجهن وتمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا."
وأضاف شحيدات: "تستطيع الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني لعب أدوار مهمة في هذا المجال، من خلال مساعدة النساء المطلقات في اكتساب مهارات جديدة وتوفير الخبرات اللازمة لمواكبة احتياجات السوق. لا يجب الاقتصار على المساعدات النقدية أو العينية، بل من الضروري أيضًا تقديم المساعدة القانونية والدعم النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى برامج التمكين الاقتصادي التي تسهم في توفير فرص عمل مناسبة."
وأكد شحيدات: "للأسف، لا تزال بعض النظرات المجتمعية سلبية تجاه المرأة المطلقة، مما يؤثر سلبًا على حياتها. يحتاج هذا الأمر إلى دعم من الأسرة والأقارب والأصدقاء، وكذلك من المنابر الدينية لتصحيح هذه النظرة وعدم تحميل المرأة المطلقة مسؤولية الطلاق بشكل فردي."
وأشار شحيدات إلى أن "أحد أكبر التحديات الاجتماعية التي تواجهها المرأة المطلقة هو الشعور بالعزلة والنظرة السلبية من بعض أفراد المجتمع، وأحيانًا من المقربين. لتجاوز هذه التحديات، يجب على المرأة أن تقبل نفسها وتدرك أن الطلاق ليس فشلًا، بل هو مرحلة من مراحل حياتها. من الضروري تكوين علاقات إيجابية والتخلص من أي علاقات سلبية."
وخلص شحيدات إلى القول: "التعليم والتدريب المهني يمثلان سلاحًا فعالًا لأي شخص، وخاصة للمرأة المطلقة التي تعيل أطفالها غالبًا دون أي مساعدة. في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يساعد التعليم والتدريب في إيجاد فرص عمل مناسبة، مما يعزز استقلاليتها ويجعلها فردًا منتجًا في المجتمع."
آثار الطلاق: كيف يؤثر الانفصال على حياة الفتيات في الأردن؟
دائرة قاضي القضاة في الأردن بدأت بتنفيذ دورات تأهيلية إلزامية للمقبلين على الزواج في محاولة للحد من حالات الطلاق. رغم هذه الجهود، يستمر تزايد ارقام الطلاق المبكر ليشكل 23% من مجمل حالات الطلاق، مما يدل على ضرورة تعزيز هذه البرامج ودعم الفتيات المطلقات بشكل خاص.
وفقًا لدراسة أجرتها الجامعة الأردنية في عام 2023، تبين أن حوالي 45% من الفتيات المطلقات في الأردن يعانين من أعراض القلق والاكتئاب الشديدين بعد الطلاق، وأن 37% منهن يواجهن صعوبات مالية كبيرة، ويعتمدن بشكل كبير على الدعم الاجتماعي أو المساعدات الحكومية لتلبية احتياجاتهن الأساسية.
هذه الأرقام تسلط الضوء على التأثيرات النفسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها الفتيات المطلقات، مما يعزز من أهمية توفير دعم شامل ومتكامل لتجاوز هذه التحديات.
وفي استجابة لهذه التحديات، تقدم وزارة التنمية الاجتماعية دعمًا متنوعًا للنساء المطلقات من خلال برامج متعددة تهدف إلى تحسين ظروفهن الاجتماعية والاقتصادية. حسب تقرير الوزارة لعام 2023، استفادت نحو 2,500 امرأة مطلقة من مساعدات مالية ودعم في تأمين سكن مناسب، إضافة إلى تقديم الاستشارات النفسية والاجتماعية والتأهيل المهني. تعكس هذه المبادرات التزام الوزارة بتوفير شبكة أمان اجتماعي قوية وتعزيز استقلالية المرأة المطلقة وإعادة بناء حياتها.
رغم التحديات المتمثلة في قلة الموارد والضغوط الاجتماعية. يلعب المجتمع المدني دورا هاما في محاولة للتخفيف من واقع هذه الإشكالية، إذ تقدم جمعية العون القانونية دعما قانونيا مجانيا للفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء والأطفال، تشمل : تقديم الاستشارات القانونية، تمثيل العملاء في المحاكم، وتنظيم حملات توعية حول حقوق الإنسان.
وتساهم مؤسسة نهر الأردن بشكل كبير في دعم النساء المطلقات، تقدم المؤسسة برامج تشمل الدعم النفسي والاجتماعي والتدريب المهني، في عام 2023، دعمت المؤسسة أكثر من 1,200 امرأة مطلقة عبر ورش عمل لتطوير المهارات، استشارات فردية، ومساعدات مالية قصيرة الأمد. تركز المؤسسة على تمكين المرأة من خلال تعزيز قدرتها على تحقيق الاستقلالية الاقتصادية وتوفير بيئة داعمة لمواجهة التحديات ما بعد الطلاق.
وتقدم مؤسسة تمكين دعمًا متكاملًا للفتيات المطلقات في الأردن مثل توفير فرص تدريبية وتأهيلية للفتيات المطلقات لمساعدتهن في دخول سوق العمل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وحسب في تقريرها الأخير لعام 2023، أكثر من 800 فتاة مطلقة استفادت من برامجها التدريبية والتأهيلية، مما ساهم في تحسين ظروفهن الاقتصادية والاجتماعية.