الشباب والإنقاذ "دور وأهمية الوعي بالإنعاش القلبي الرئوي في حماية الأرواح "

الرابط المختصر

محمد شاب في العشرينيات من عمره يدرس الهندسة في إحدى الجامعات المحلية. لم يكن يتوقع أن مشاركته في دورة للإنعاش القلبي الرئوي (CPR) التي نظمتها إحدى الجمعيات المحلية في منطقته ضمن برامج التوعية، ستغير حياته وحياة الآخرين من حوله.

في يوم عادي، بينما كان محمد مع أصدقائه في أحد المقاهي القريبة من الجامعة، تعرض أحد الزبائن لسكتة قلبية مفاجئة. الجميع وقف مذهولًا وعاجزًا عن التصرف، إلا محمد، الذي تذكر تمامًا المهارات التي تعلمها في دورة الإنعاش القلبي الرئوي، دون تردد اتجه نحو الرجل المصاب وبدأ بإجراء خطوات الإنعاش القلبي الرئوي.

بفضل تدخله السريع والفعال، استعاد الرجل وعيه قبل وصول الإسعاف، وقد أكد الأطباء لاحقًا أن استجابة محمد السريعة كانت العامل الحاسم في إنقاذ حياة الرجل.

قال محمد لصوت شبابي: "لم أتخيل يومًا أن ما تعلمته في تلك الدورة عن الإنعاش القلبي الرئوي سيجعلني في موقف أنقذ فيه حياة إنسان، عندما رأيت الرجل ينهار أمامي لم يكن لدي وقت للتفكير، تحركت بشكل تلقائي وبدأت بتطبيق ما تعلمته، كان الأمر مخيفًا في البداية، لكنني تذكرت كل خطوة بوضوح، وعندما عاد الرجل إلى وعيه، شعرت بشيء لا يمكن وصفه. أدركت حينها أن هذه المهارة البسيطة التي تعلمتها يمكن أن تكون الفارق بين الحياة والموت." 

بعد هذه الحادثة، تغيرت نظرة محمد تمامًا، وبدأ بتنظيم ورش عمل داخل الجامعة ومع الجهات المعنية لنشر هذا الوعي. وأضاف: "كل شخص يجب أن يمتلك هذه المهارات. إنقاذ الأرواح ليس مهمة حصرية للأطباء، بل يمكن لأي شخص أن يكون في موقف مماثل."

قصة محمد تُعد شهادة حية على أن الوعي والتدريب في مجالات مثل الإنعاش القلبي الرئوي ليست مجرد مهارات تُضاف إلى السيرة الذاتية، بل هي أدوات لإنقاذ حياة، وربما تغيير مجرى حياة المجتمع بأسره.

 

تعريف الإنعاش القلبي الرئوي وأهميته

أوضح الدكتور سامي الصعيدي، وهو طبيب في إحدى المستشفيات الأردنية، لصوت شبابي معنى الإنعاش القلبي الرئوي (CPR)، قائلًا: "هو إجراء يتم استخدامه عند توقف القلب عن النبض أو عند توقف التنفس، ويهدف إلى الحفاظ على تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ والأعضاء الحيوية حتى يتم استعادة وظيفة القلب والتنفس الطبيعية أو وصول الفرق الطبية المتخصصة. يتضمن الإنعاش القلبي الرئوي الضغط على الصدر وتقديم التنفس الاصطناعي، وهذا يمكن أن يكون حاسمًا في إنقاذ حياة الشخص المصاب إذا تم تطبيقه بشكل صحيح وفوري."

 

الأرقام العالمية والمحلية حول توقف القلب المفاجئ 

على المستوى العالمي، يُعد توقف القلب المفاجئ أحد الأسباب الرئيسية للوفاة. وفقًا لجمعيات القلب الدولية، يُقدر أن حوالي 350,000 إلى 400,000 شخص يعانون من توقف القلب المفاجئ خارج المستشفيات سنويًا في الولايات المتحدة وحدها. وفي أوروبا، تُقدر حالات توقف القلب المفاجئ بحوالي 275,000 حالة سنويًا. هذه الأرقام تُظهر أهمية الوعي بالتعامل مع حالات الطوارئ وأهمية الإنعاش القلبي الرئوي في إنقاذ الأرواح.

 

على الصعيد المحلي، تُعد أمراض القلب من أبرز أسباب الوفاة في الأردن والدول المجاورة. وفقًا لتقارير وزارة الصحة الأردنية، تشكل أمراض القلب والأوعية الدموية حوالي 37% من إجمالي الوفيات. هذه النسبة تعكس تحديًا كبيرًا فيما يتعلق بالصحة العامة، خاصة مع ارتفاع معدلات الإصابة بالسمنة وقلة النشاط البدني بين الشباب وكبار السن.

 

دور الشباب في تعزيز الوعي بأهمية الإنعاش القلبي الرئوي 

أكد الدكتور سامي الصعيدي لصوت شبابي أن تدريب الشباب على الإنعاش القلبي الرئوي يُعد أمرًا بالغ الأهمية في إنقاذ الأرواح. فعندما يتلقى الشباب تدريبًا على CPR، فإن ذلك يعزز إحساسهم بالمسؤولية تجاه مجتمعهم، ويجعلهم قادرين على المساعدة في الأوقات الحرجة. هذا التدريب لا يعزز فقط مهارات القيادة والتواصل، بل يُسهم أيضًا في تقليل الأضرار التي قد تلحق بالدماغ والأعضاء الأخرى بسبب نقص الأكسجين، مما يعزز فرص التعافي بشكل كامل.

 

التحديات التي تواجه الشباب في الحصول على تدريبات CPR 

أوضحت الممرضة منار لصوت شبابي أن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه الشباب في الحصول على تدريبات CPR بدايةً، يعاني العديد من الشباب من قلة الوعي بأهمية هذه التدريبات، حيث لا يدركون مدى تأثيرها في إنقاذ الأرواح ولا يعرفون كيفية الوصول إلى الفرص التدريبية المتاحة، كما أن التكلفة تشكل عائقًا لبعضهم، خاصة إذا كانت التدريبات تُقدم من قبل جهات خاصة تتطلب رسومًا مرتفعة، إضافة إلى ذلك هناك نقص في الحملات التوعوية والدعم من المؤسسات التعليمية والصحية، ما يعوق مشاركة الشباب بشكل أوسع في هذه التدريبات، وأخيرًا، بعض الشباب لا يرون ضرورة لتلقي التدريب إلا إذا كانوا يعملون في مجال طبي أو تطوعي، مما يحد من الإقبال على هذه المهارات الحياتية الأساسية.

 

دور المؤسسات التعليمية والجمعيات المحلية في تعزيز الوعي 

أشارت المعلمة زهرة الخضور، مديرة إحدى مدارس المملكة لصوت شبابي، إلى أهمية إدخال وحدات دراسية خاصة عن الإسعافات الأولية وCPR في المناهج الدراسية. وأوضحت أن تنظيم دروس عملية وورش عمل دورية يمكن أن يعزز من فهم الطلاب لهذه المهارات. 

من جانبها، قالت خلود العقرباوي ، رئيسة جمعية أهالي جبل الأشرفية لصوت شبابي، إن الجمعيات المحلية تُعتبر حجر الزاوية في نشر الوعي الصحي. وأضافت: "نعمل على تنظيم دورات تدريبية منتظمة بالتعاون مع المختصين في الصحة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأفراد، سواء كانوا طلابًا أو موظفين."

 

البرامج التدريبية المتاحة في الأردن

أشار الدكتور عماد أبو يقين، مدير إدارة الشؤون الفنية للمستشفيات، إلى أن وزارة الصحة، بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، افتتحت مركز دعم الحياة للتدريب على الإنعاش القلبي الرئوي (CPR) والمعتمد من جمعية القلب الأمريكية. يهدف هذا المركز إلى تطوير مهارات دعم الحياة لدى الكوادر الطبية والمجتمعية للتعامل مع حالات توقف القلب المفاجئ وفقًا للمعايير العالمية. 

وأضاف الدكتور أبو يقين لصوت شبابي: "هناك تعاون مع وزارة التربية والتعليم، حيث تم تدريب 109 معلمين معنيين بالصحة المدرسية في 5 مدارس. هؤلاء المعلمون يتم تدريبهم ليكونوا قادرين على الاستجابة الفورية في حالات الطوارئ داخل المدارس، مما يعزز من سلامة الطلاب ويُسهم في نشر ثقافة الإسعافات الأولية والإنعاش القلبي الرئوي داخل المجتمع المدرسي."