"لما أمسك التلفون عشان أنجز شغلة معينة، بلاقي حالي بفتح كل التطبيقات اللي عندي بشكل تلقائي، وهاد الشيء أثّر عليّ نفسيًا، صرت دايمًا أشعر بتشتت ذهني، وبعد وقت طويل من الاستخدام، بتصير أفكاري مشوشة ومراكمة فوق بعض، ما بقدر أرتبها ولا أتصرف فيها". هكذا وصفت زينب (21 سنة) وضعَها مع الإدمان الرقمي، بعد ملاحظتها أن استخدامها للتكنولوجيا أصبح خارجًا عن الحد الطبيعي.
أصبحت التطبيقات الرقمية والإنترنت جزءًا أساسيًا من حياتنا كتقنيات حديثة جلبت فوائد كبيرة في التسلية والتواصل والتثقيف، لذا لا يمكننا القول إن استخدامها دائمًا ضارّ، ومع ذلك، يظلّ الإدمان مصطلحًا ذي طابع غير إيجابي، فهو ينجم عن الاستخدام المفرط أو المتطرف للأشياء، مما ينعكس حتمًا بشكل سلبي على الصحة النفسية، استنادًا إلى ما أشار إليه الأستاذ حسن صباريني، المرشد التربوي في عمادة شؤون طلبة جامعة اليرموك.
وتذكر الدكتورة نُسيبة الكايد، المرشدة النّفسية والتربوية، أنّ العولمة من أهم أسباب إدمان الشباب الرقمي، إضافةً إلى الاتجاه الحالي نحو الفردانية والانعزال عن العالم، حيث أصبح الشابّ يفضّل ممارسة الأمور بمفرده دون مساعدة من الآخرين، مبرّرة ذلك بسهولة تلبية أي طلب من خلال التطبيقات التكنولوجية، فكلّ شيء أصبح بلمسة زر.
وفي تعليقها على العوامل المؤدية للإدمان الرقمي، تبيّن دينا حسين الأخصائية النفسية والتربوية، أنّ العوامل الاجتماعية تساهم أيضًا في زيادة استخدام الشباب للإنترنت والتطبيقات الرقمية، ومن أبرزها الضغط الاجتماعي، فوجود أفراد المجتمع من العائلة، والجامعة، والشارع يتواصلون عبر الإنترنت والتطبيقات يدفع الفرد ليشعر بضرورة التماشي مع التيار ومواكبة الأحاديث التي تدور حوله.
كيف تعبث "الريلز" بنا؟
تقول زينب: "بفترة ما صابتني مزاجية مفرطة، ساعة بكون مبسوطة ومتحمسة، والساعة اللي بعدها كسولة ومطفية، بطّل عندي حالة شعورية ثابتة حتى ولو لوقت قصير".
المحتويات القصيرة تعزّز إفراز الدوبامين في الدماغ، مما يتطلب تحفيزًا مستمرًا وعاليًا، هذا النمط من المحتوى قد يسبب تقلبات عاطفية، حيث يتنقل الشخص بين مشاهد حزينة وأخرى مفرحة دون أن يمنح المشاعر الوقت الكافي للاستقرار، حيث يحتاج كل مشهد مؤثر إلى وقت لاستيعابه والتفاعل معه، ولكن المشاهد السريعة تعيق هذه العملية، بحسب الكايد.
ويوضّح صباريني أنّ هذه المقاطع غالبًا ما تكون بلا قيمة حقيقية، واعتياد الشاب عليها يؤدي إلى انخفاض مستواه وركوده في مختلف الجوانب، بدلاً من تطوره المتوقع في هذه المرحلة؛ فمشاهدة 50 مقطعًا قصيرًا بمواضيع مختلفة في ساعة واحدة مثلًا، يتسبب حتمًا في تداخل الأفكار، قلة التركيز، وتشتت الانتباه، وهذا كله يؤثر سلبًا على الحالة النفسية بشكل عام.
من جهتها، ترى دينا أنّ استمرار التعرض لنوع معين من المحتوى يمكن أن يؤدي إلى ظهور أعراض مشابهة له على المتلقي، بفضل الخوارزميات التي تعيد تقديم محتوى مشابه في مقاطع الريلز. فعلى سبيل المثال، المحتوى العنيف يمكن أن يسبب سلوكيات إدمانية، تؤدي بشكل مباشر إلى الشعور بالقلق والتوتر، وأعراض ما بعد الصدمة، خاصةً بسبب الحروب المحيطة بنا.
وتؤكّد الكايد أنّ هذا النوع من المحتوى يزيد من سرعة التبديل بين المشاعر والتجارب، فإن التعود عليه قد يضر بالقدرة على التفاعل مع المحتوى الأكثر عمقًا وأهمية، مما يجعل التوازن العاطفي أكثر صعوبة.
التحرّر من الإدمان
تشير زينب إلى جهودها المتواصلة في التحكم بوقت استخدام الأجهزة الرقمية، بسبب مرورها المتكرر بفترات من الضياع غير المفسر، والتي تعزوها إلى الإفراط في استخدام الرقميات، حيث تلاحظ زينب تحسنًا في حالتها النفسية والعاطفية وتقدمًا في إنجاز مهامها بعد كلّ محاولة في تقنين وقتها الرقمي، قائلة: "صرت أحاول أنزل تطبيقات بتحدد وقت الشاشة، وأستحضر ذهني بالمهام اللي بسويها بيومي، حتى لو كانت روتينية، وفعلًا خفّ التشتت".
وتصف الكايد الرقميات بالشرّ الذي لا بدّ منه، فبعد الاعتراف بوجوده وإمكانية استغلاله بشكل مفيد، تنصح الكايد الشباب بمزاحمة هذه العادة السيئة بأنشطة مغايرة مفيدة لا تحتاج إلى الأجهزة الإلكترونية، مثل الأنشطة الكتابية، المهارية، أو الحرفية، وفقًا لتوجههم ورغبتهم، أو السعي للتطور في مجالهم دون الاعتماد على الإنترنت.
تقنين هذا الوقت برأي الكايد يأتي من الشخص نفسه، بإدراكه ووعيه بأن الوقت يضيع في أشياء لن ترجع إليه بفائدة، وتحفيزه الداخلي للتغيير، وهو عامل التغيير الأول والأساس.