التوعية الغائبة والسمنة المتزايدة: أزمة الصحة العامة بين اليافعين في الأردن
في الأردن، باتت السمنة بين اليافعين والشباب مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث تنتشر هذه الظاهرة بشكل واسع في الفئة العمرية بين 9-18 عاماً، هذا الوضع يثير قلقاً كبيراً نظراً للآثار الصحية والنفسية والاجتماعية المحتملة على الأجيال الصاعدة، مع تزايد الضغوطات اليومية وتغير نمط الحياة نحو قلة الحركة واعتماد التكنولوجيا بشكل كبير، أصبح الحفاظ على نمط حياة صحي تحدياً كبيراً للشباب.
تعاني تسنيم، فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً، من السمنة، وتروي تجربتها الشخصية بتأثر "زيادة الوزن أثرت بشكل كبير على حياتي اليومية، أحياناً أشعر بالتعب بسرعة، مما يجعل من الصعب المشاركة في الأنشطة البدنية مع أصدقائي، كما أنني أشعر بالخجل من مظهري، وهذا يؤثر على ثقتي بنفسي وعلى علاقاتي مع الآخرين"، تظهر كلمات تسنيم الصراع اليومي الذي يعيشه العديد من اليافعين و الشباب في ظل هذا التحدي، حيث لا تقتصر معاناة السمنة على التأثير الجسدي فقط، بل تمتد لتشمل العلاقات الاجتماعية والصورة الذاتية.
تسنيم حاولت جاهدة التغلب على هذه المشكلة من خلال اتباع برامج غذائية وممارسة الرياضة، لكنها وجدت صعوبة كبيرة في الالتزام بها لفترة طويلة، وتقول ل "صوت شبابي": "أحياناً أشعر بالإحباط بسبب عدم رؤية نتائج سريعة، وأعود لعاداتي القديمة، أيضاً من الصعب الحفاظ على نظام غذائي صحي وسط انشغالات الدراسة والضغوطات الاجتماعية"، هذا الكلام يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الشباب في محاولة تبني نمط حياة صحي، حيث تؤثر الضغوط الأكاديمية والاجتماعية على قدرتهم على الاستمرار في هذه الجهود.
في السياق ذاته، تؤشر رحاب يوسف، والدة عبد الرحمن، البالغ من العمر 13 عاماً ويعاني أيضاً من السمنة، على مشكلة أخرى تتعلق بنمط الحياة اليومي، وتشرح بالقول "نمط حياتهم اليومي يعتمد على الجلوس كثيرًا، سواء كان على التلفزيون أو الهاتف، وهذا يؤثر على وزنهم بشكل سلبي" مضيفة ل "صوت شبابي" : لا يوجد وقت للخروج والمشي بسبب انشغالاتنا كلنا"، هذا الوصف يسلط الضوء على انشغالات الأسرة مما يعكس واقعاً مألوفاً في العديد من البيوت الأردنية، حيث أصبحت ضغوط الحياة اليومية والالتزامات المتزايدة تحول دون تخصيص الوقت الكافي للنشاط البدني، سواء للأهل أو للأبناء، الاعتماد على التكنولوجيا والترفيه المنزلي أصبح بديلاً عن الأنشطة الخارجية، مما يزيد من قلة الحركة والسلوكيات الخاملة التي تسهم بشكل كبير في زيادة الوزن.
من جهة أخرى، انشغال الأهل المستمر بسبب العمل والالتزامات الحياتية يجعل من الصعب عليهم مراقبة نمط حياة أبنائهم بشكل فعال، أو حتى تقديم القدوة الصحية التي يحتاجها الأطفال، وهذا ما بينه صالح أب لأربعة أطفال اثنان منهم يافعان يعانيان من بوادر سمنه ، مشيرا ل "صوت شبابي" من لا بد أن تدرك الأسر أولوية الصحة، و تخصيص وقت يومي لممارسة الأنشطة البدنية مع الأطفال، رغم تحديات الحياة اليومية" وهذا ما يعزز ضرورة تشجيع سياسات تدعم الأسر على إيجاد توازن بين متطلبات الحياة اليومية وضرورة الحفاظ على نمط حياة صحي لجميع أفراد الأسرة.
ومن الجانب الصحي، تشير المهندسة تالا الشوابكة، أخصائية التغذية، إلى أن "من أهم أسباب ارتفاع معدل السمنة في الأردن هو قلة التوعية باتجاه الطعام الصحي والعادات الصحية داخل البيوت، والنشاط البدني المنخفض جداً بسبب توفر جميع وسائل المواصلات والتنقل، إضافة للمشروبات عالية السعرات"، وترى الشوابة في حديثها ل"صوت شبابي" أن مشكلة السمنة بين الشباب في الأردن تتأثر بعدة عوامل متشابكة أهمها " قلة التوعية حول الغذاء الصحي، انخفاض النشاط البدني بسبب توفر وسائل النقل الحديثة، واستمرار استهلاك المشروبات عالية السعرات، تسهم جميعها في تفاقم المشكلة بالإضافة إلى ذلك، الضغوط النفسية والاجتماعية يمكن أن تؤدي إلى عادات غذائية غير صحية، هذه العوامل مجتمعة تجعل معالجة السمنة تحدياً معقداً يتطلب نهجاً شاملاً يشمل التوعية، تعديل العادات الغذائية، تعزيز النشاط البدني، والدعم النفسي".
كما تلعب التحديات الاقتصادية دوراً كبيراً أيضاً في انتشار السمنة، حيث تشير رحاب وهي أم لثلاثة يافعين إلى أن "الأكل الصحي غالي، والأولاد دائمًا يطلبون الوجبات السريعة لأنها أسهل وأرخص"، توضح هذه الكلمات الواقع الصعب الذي تواجهه العديد من الأسر الأردنية، حيث تضطر الأمهات للبحث عن بدائل أرخص على حساب صحة أبنائهن، حيث يشكل ارتفاع تكلفة الغذاء الصحي عائقاً كبيراً أمام توفير خيارات غذائية متوازنة للأبناء، في الوقت الذي تظل فيه الوجبات السريعة متاحة وسهلة وبأسعار منخفضة، يصبح من الصعب على الأسر تحمل تكاليف الأطعمة الصحية، هذا الوضع يعزز من الاعتماد على الوجبات السريعة غير الصحية، مما يساهم في زيادة معدلات السمنة بين الشباب.
وفيما يخص العواقب الصحية المحتملة للسمنة، تحذر تالا الشوابكة من أن "السمنة قد تؤدي إلى أمراض خطيرة مثل مقاومة الأنسولين، متلازمة تكيس المبايض لدى السيدات، السكري، ارتفاع الدهون، الكبد الدهني، والمشاكل المتعلقة بالمفاصل"، هذه المخاطر تستدعي اتخاذ خطوات وقائية و علاجية فعالة لضمان صحة الأفراد والحد من انتشار هذه المشكلة بشكل أكبر حيث ان السمنة ليست مجرد مسألة تجميلية أو صحية عادية، بل هي عامل خطر رئيسي يؤدي إلى مجموعة من الأمراض المزمنة والخطيرة
أما عن الأرقام، فهي تعكس حجم المشكلة بشكل أوضح، وفقاً لتصريح رئيس اللجنة العلمية في جمعية جراحة السمنة الأردنية، تغلب مزاهرة، الذي أشار إلى أن "السمنة في الوقت الحالي ومع طبيعة الغذاء موجودة لدى اليافعين الذين تتجاوز أعمارهم من 9-18 عاما وهي نسبة عالية قد تتعدى 25-30%، السمنة في الأردن من النسب العالية على مستوى الوطن العربي وعلى مستوى العالم."
وبالنظر إلى تأثير السياسات المدرسية على نمط حياة الطلاب، تشير سعاد الحسن، معلمة للتربية الرياضة، إلى أن الجهود المبذولة في هذا المجال لا تزال محدودة، تقول سعاد في حديثها ل "صوت شبابي" "نحاول تشجيع النشاط البدني من خلال حصص الرياضة، لكن كثير من الطلاب لا يلتزمون، بالنسبة للتغذية الصحية، الخيارات المتاحة في المقصف المدرسي لا تكون دائمًا صحية"، هذا يشير الى تحديات كبيرة تواجهها المدارس في محاولة تطبيق سياسات صحية فعالة، وسط مقاومة من الطلاب وغياب الدعم الكافي من الجهات المسؤولة.
برامج التوعية الصحية في المدارس أيضاً تواجه صعوبة في تحقيق نتائج دائمة بحسب سعاد: "نقدم برامج توعية بسيطة، لكن التأثير يكون مؤقت. الطالب ممكن يتأثر لفترة قصيرة، لكن يرجع لعاداته القديمة بسرعة"، هذه المشكلة تشير إلى الحاجة الملحة لتطوير برامج توعية مستدامة تكون قادرة على إحداث تغيير حقيقي في سلوكيات الطلاب.
وتدعو المهندسة تالا الشوابكة مجددا إلى تكثيف التوعية حول العادات الصحية السليمة من قبل المؤسسات التعليمية ، مؤكدة على أهمية دور الأهل في توجيه أبنائهم نحو التغذية الصحية والنشاط البدني أيضا، وتقول لصوت شبابي : " أؤكد على أهمية دور الام وألاب في كل بيت على توعية أبنائهم وعدم اهمالهم تجنباً للعواقب التي تنعكس بشكل سلبي على صحتهم و يجب على المدارس والجامعات توفير الأطعمة والمشروبات الصحية التي تنعكس بشكل إيجابي على تركيز الطلاب وتجنب الخمول الناتج عن الأطعمة العالية بالسكريات والدهون"، هذه الاستراتيجيات الوقائية تعتبر خطوة أساسية في الحد من انتشار السمنة بين اليافعين والشباب.
وفيما يتعلق بالدعم المجتمعي والمؤسسي، تشدد تسنيم على ضرورة وجود بيئات داعمة تشجع الشباب على اتباع نمط حياة صحي، تقول: "يجب أن تكون هناك برامج توعية حول التغذية الصحية في المدارس، بالإضافة إلى توفير خيارات غذائية صحية في المقاصف المدرسية، كما أن تعزيز ثقافة القبول والدعم النفسي يمكن أن يساعد في تقليل الضغط الاجتماعي الذي يعاني منه الشباب الذين يعانون من السمنة"، هذه الدعوة توجه الأنظار نحو الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات التعليمية والمجتمع في دعم الشباب في مواجهة هذه المشكلة الصحية الخطيرة.
ختاماً، يبقى انتشار السمنة بين اليافعين والشباب في الأردن تحدياً كبيراً يتطلب تعاوناً مشتركاً من جميع الجهات المعنية، بدءاً من الأسرة والمدرسة وصولاً إلى الجهات الصحية والحكومية، بهدف خلق بيئة تشجع على الصحة والنشاط، وتحد من انتشار هذه الظاهرة التي تهدد الأجيال القادمة.