ما هي الآثار المترتبة على تسرب الفتيات من المدارس؟
تعد مشكلة تسرب الفتيات من المدارس من أبرز التحديات التي تؤثر سلباً على نمو المجتمعات وتطورها؛ لما لها من انعكاسات مستقبلية على مشاركة المرأة الاقتصادية وعلى صحتها الإنجابية والجنسية وخاصة في البيئات الهشة وبيئات الصراع والأزمات.
وكان المجلس الأعلى للسكان قد أعد ملخصًا بالتعاون مع "شير نت" تضمن البحث في مشكلة التسرب من التعليم من حيث الأسباب والنتائج المترتبة عليه وعلاقة التسرب بالعديد من القضايا الأخرى:
كالفقر والبطالة والعنف الأسري وزواج القاصرات وعمالة الأطفال وغيرها من القضايا السكانية والتنموية والاجتماعية التي تحد من الوصول لمفهوم الفرصة السكانية، ليخرج المجلس بجملة من التوصيات للحد والتقليل من هذه الظاهرة.
المدير الفني في المجلس الأعلى للسكان غالب العزة يؤكد أن التسرب من التعليم مشكلة عالمية، ولا يكاد يخلو أي نظام تربوي من هذه المشكلة وعلى مستوى الأردن وصلت نسبة التسرب في السنوات العشر الأخيرة 2011/2020 ما بين " 20إلى 41 ألف طالب" وذلك وفق التقارير الصادرة من وزارة التربية والتعليم.
بدوره أكد مدير إدارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور سامي المحاسيس أن الدراسات التي أعدتها وزارة التربية والتعليم قبل جائحة كورونا تشير إلى أن تسرب الإناث من التعليم ليس ظاهرة أو حتى إشكالية وأنها ضمن الوضع الطبيعي حيث تشكل ما نسبته 5 % يمثل الذكور ما نسبته 3.6% بينما نسبة الإناث 1.4%وهي أقل من نسبة الذكور.
الخبيرة والناشطة في حقوق الإنسان والمرأة والطفل وعضو هيئة جمعية حماية ضحايا العنف الأسري المحامية رحاب القدومي ترجع أبرز إشكاليات تسرب الفتيات من المدارس إلى التفكك الأسري وحالات الطلاق بالإضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية لدى بعض الأسر التي يصعب عليهم تحمل أعباء ونفقات الدراسة، فيقوم الأهل بإخراج أبنائهم من المدارس مما سيؤثر سلباً على الأطفال ومستقبلهم، وعلى صعيد الفتيات يؤدي التسرب من المدارس إلى تعرضهن للعنف الأسري وضعف الوعي بحقوقهن الأساسية بالإضافة إلى زيادة نسبة الجهل في المجتمعات وخاصة في حالات الزواج والإنجاب في سن مبكر.
المحامي والناشط الحقوقي الدكتور عاكف المعايطة يرى أن عملية التوعية من خطورة هذه الإشكالية يجب أن تبدأ من المدارس أولاً وذلك عن طريق تفعيل الدور الوظيفي للمرشد التربوي المتمثل في متابعة الطلاب والتعرف على مشاكلهم والعمل على حل هذه المشاكل التي قد تساعد في بعض حالات التسرب وهو دور غير فعال بالشكل المطلوب حسب المعايطة، ليضيف أن من الإجراءات التي يمكن القيام بها لمعالجة هذه الإشكالية تفعيل القوانين الناظمة المتعلقة بإلزامية التعليم وذلك وفق المادة "10" من الدستور الأردني التي نصت على أن التعليم الأساسي إلزامي للأردنيين حتى سن السادسة عشر وهو مجاني في مدارس الحكومة.
وعن انعكاسات مشكلة التسرب المدرسي على القضايا السكانية والتنموية في الأردن، أكد العزة أن التسرب من المدارس يكمن خلف الكثير من القضايا التنموية والسكانية موضحاً ذلك بأن التسرب من المدارس أرفد سوق العمل الأردني بعمالة غير مؤهلة مما يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية، إضافة إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل إذ أن نصف العاطلين عن العمل هم من المتسربين من المدارس.
ليضيف العزة أن التسرب من التعليم يفتح المجال أمام عمالة الأطفال إذ أن نسبة العمالة بين الأطفال وصلت إلى "2%" وخاصة في ظل سوء الأوضاع الاقتصادية في ظل جائحة كورونا.
ومن الآثار المجتمعية للتسرب من التعليم انتشار الجريمة في المجتمعات إذ تشير إحدى الدراسات أن ربع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل هم بمستوى تعليم أقل من الأساسي وحتى الأُمي أحياناً.
وأما عن انعكاسات التسرب من التعليم على الفتيات أوضح العزة أن له تأثير واضح على كل القضايا المتعلقة بالمرأة سواء بالصحة الإنجابية أو الجنسية وأكبر مؤشر على ذلك حالات الزواج المبكر، إذ تشير آخر دراسات المركز الأعلى للسكان عن زواج القاصرات أن لدينا ربع مليون إمرأة أردنية سبق لها وأن تزوجت دون سن الثامنة عشر، بمعنى أنه سبق لها أن تسربت من التعليم وهذا الزواج ينعكس على الصحة النفسية والإنجابية والجنسية للمرأة وعلى معدلات الإنجاب أيضاً، إذ تشير دراسة مسح السكان والصحة الأسرية التي نشرتها دائرة الإحصاءات العامة 2017/2018 أن النساء بمستوى التعليم الإعدادي والابتدائي مستوى إنجابهن قد وصل ما بين 3 ونصف إلى 3.7 طفل لكل امرأة خلال مرحلة الإنجاب مقابل 2.4 للسيدات الحاصلات على تعليم أكثر من الثانوي وهذا دليل على أن السيدات المتعلمات على معرفة بحقوقهن الصحية والإنجابية وحرصهن على الاهتمام بصحتهن وصحة أطفالهن والعمل على تنظيم النسل لتقديم الرعاية والاهتمام النوعي لكل طفل، أما على صعيد المشاركة الاقتصادية أكد العزة أن ما نسبته 63% من النساء غير النشيطات اقتصادياً هُنّ من سبق لهنّ التسرب من التعليم ومستواهم التعليمي أقل من الأساسي وهذا الأمر يفسر انخفاض مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في الأردن إذ تُعتبر من أدنى المشاركات على مستوى العالم.
وأوضح العزة أن التسرب المدرسي يقف عائقاً أمام استثمار تحقيق الفرصة السكانية، فالمركز الأعلى للسكان يؤمن بأن الإنتاجية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية تحتاج إلى تعليم نوعي، فالتعليم هو الأداء الرئيسية لتنمية الموارد البشرية وبناء القوى العاملة الماهرة التي ستُحسن جودة الحياة وتقلل من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الأفراد، فإذا توفر تعليم نوعي جيد وصحة نوعية إلى جانب توفر اقتصاد جيد يساهم في عملية التحول الديمغرافي أو التغير في التركيبة العمرية للسكان للوصول إلى مفهوم الفرصة السكانية التي تؤدي إلى تنمية اقتصادية شاملة. لذلك لابد من الحد والقضاء على ظاهرة التسرب من التعليم للوصول لمفهوم الفرصة السكانية.
ليوضح العزة أن الحل يكمن في خطة وطنية تضع اقتراحات علاجية وحتى وقائية قبل حدوث أي حالة تسرب فهناك مؤشرات تنبه باحتمالية وجود حالة تسرب لذلك اقترح المركز الأعلى للسكان مجموعة من التوصيات أولها وضع نظام للإنذار المبكر الذي يهدف إلى التِقاط الإشارات الدالة على احتمالية تسرب أحد الطلاب مثل التَغيب المستمر عن المدرسة وانخفاض المستوى والتحصيل العلمي للطالب بالإضافة لتعزيز قدرة المدرسة على التعامل مع المشكلة قبل حدوثها.
مع ضرورة العمل على بناء وتعزيز بيئة مدرسية صديقة وجذابة للطلاب تراعي الفروق الفردية بين الطلاب وذلك عن طريق توفير تعليم تمكيني علاجي للطلاب ذوي الأداء والتحصيل العلمي الضعيف حتى لا يصل إلى فكرة التسرب من التعليم بسبب ضعف التحصيل العلمي وعدم قدرته على مواكبة زملائه وخاصة في المراحل العمرية الحرجة كالمراهقة.
وهناك مصطلحات تقف أمام تحقيق خطط التنمية المستدامة لعام 2030 كالهشاشة والطوارئ والنزاع والصراع، التي تؤثر على البيئات الإنسانية عن طريق معايير ومؤشرات تختلف بين الدول وذلك وفق ترتيب صادر عن صندوق السلام "FFP".
مديرة المشاريع في المجلس الأعلى للسكان الدكتورة منال الغزاوي أوضحت مفهوم هذه المصطلحات وترتيب الأردن على كل مؤشر، فمصطلح الهشاشة يرتبط بالدول غير القادرة على تلبية احتياجات السكان الأساسية ولديها ضعف في المحافظة على الأمن وتحقيق مفهوم سيادة القانون والعدالة وتوفير الفرص الاقتصادية لمواطنيها وكانت الأردن في الترتيب "67" من أصل"179" دولة وهو تحذير مرتفع نوعاً ما، أما عن مفهوم الطوارئ فهو مصطلح مرتبط بالأحداث الطارئة، مثل: الظروف المناخية الخطرة كالعواصف والفيضانات.
وكان ترتيب الأردن"57" من "171" لتكون فرصة حدوث كوارث طبيعة منخفضة،اما مصطلح الطوارئ المرتبط بالأوبئة أوضحت الغزاوي بأنه مصطلح جديد ظهر بنهاية عام 2019 بسبب فايروس كوفيد19، وكان ترتيب الأردن 80، اما التغيُّر المناخي أصبح جزء من مؤشر الطوارئ لكن الأردن غير مُدرج تحت هذا المؤشر، ليشتمل فقط على الدول الصناعية المسؤولة عن انبعاث الغازات وكيف تخفف منه،اما الصراع أو النزاع فقد بينت الغزاوي أنه يتمثل في أيّ نوع من أنواع الدخول في قتال لسبب ما سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي للدولة ليكون ترتيب الأردن 63 من أصل 163 دولة.
وبينت الغزاوي أن الصراع والنزاع والطوارئ يؤدون لهشاشة في الدولة، على عكس الهشاشة فهي لا تؤدي بالضرورة لحدوث نزاع أو طوارئ.
لتؤكد الغزاوي أن هذه البيئات الإنسانية تؤثر على تحقيق الرفاه والرعاية الصحية والجنسية والإنجابية للمرأة، وتحقيق الفرصة السكانية.
ففي حالات النزاع والصراع والطوارئ يحدث هجرات وحالات لجوء في دول أخرى لتكون الأولوية لقضايا أخرى كتوفير الاحتياجات الأساسية من توفير الطعام والشراب والنجاة من الصراعات وفي حالات الأوبئة كجائحة كورونا فالأنظمة الصحيحة تهمل جانب الرعاية الصحية والانجابية نوعاً ما.
وأوضحت الغزاوي أن منظمة الصحة العالمية وضعت مجموعة من الآليات الخاصة بإدارة الصحة الجنسية والإنجابية في بيئات الهشاشة والطوارئ والنزاعات، منها ضرورة دمج الصحة الجنسية والإنجابية في سياسات وخطط إدارة المخاطر والطوارئ الموجودة على الصعيد الوطني مع ضرورة تخصيص موارد بشرية حتى تنجز هذه الخطط بالإضافة لتوفير موارد مالية، وأيضاً ضرورة إدماج مجموعات حزمة الحد الأدنى من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية والتي لم تكن موجودة في الأردن، لتوضح العزة المقصود بهذه المجموعات وهي حزمة خدمات تقدم فقط في حالات الطوارئ وخاصة في حالات الهجرات والنزوح من الحروب أو الكوارث الطبيعية
ودعت الغزاوي إلى ضرورة توعية الإعلاميين بقضايا الصحة الجنسية والإنجابية ليقوم المركز بتدريب الإعلاميين بكيفية تناول هذه القضايا كونها قضايا حساسة.
وبينت الغزاوي أن المجلس الأعلى للسكان ينظر للصحة الجنسية والإنجابية كحق من حقوق الإنسان وليست فقط نوع من الرفاهية، فهي عبارة عن مجموعة من الخدمات الصحية والعلاجية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى كونها هدف من أهداف التنمية المستدامة فالهدف الثالث للتنمية المستدامة أكد على ضرورة حصول كل الأفراد على هذه الخدمات بشكل عادل وبكفاءة عالية ،لذلك قام المجلس الأعلى للسكان بوضع نظام متابعة وتقيم لمحاسبة كل جهة معنية بتقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية لتحقيق أهداف التنمية لعام2030 .
وكان للهجرات المتتالية التي تعرض لها الأردن منذ عام 1948إنعكاسات على النظام الصحي، فالأردن اليوم يستضيف1.27مليون سوري منهم23%نساء وفتيات بعمر الإنجاب وهم فئات هشة تحتاج إلى عناية صحية أكثر مما زاد الضغط على النظام الصحي لذلك دعت العزة إلى ضرورة وضع خطة استجابة سريعة تحتوي الخدمات الصحية الجنسية والإنجابية مع نظام مسائلة للاستجابة السريعة لتقديم هذه الخدمات للفئات الهشة كونها حق أنساني وأساسي لكل فرد وفي كل مكان.