كيف رفعت كورونا نسبة زواج القاصرات في الأردن؟

الرابط المختصر

في ظل الجهود المشتركة التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان الدولية مع المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان وعلى وجه الخصوص المعنية بحقوق المرأة والطفل إلا أن هناك جملة من الانتهاكات بحق تلك الفئتين كالعنف ضد المرأة وزواج القاصرات.

وبما يتعلق بالعنف القائم ضد المرأة أشارت دراسات إلى أن 46% من السيدات و69% من الرجال يعتقدون أن ضرب الزوجة له ما يبرره، لتؤكد الدراسات بأنه منذ تفشي جائحة فيروس كورونا ارتفعت معدلات العنف الأسري بسبب التعايش المشترك ألقسري  والعزل الكامل مع المعنٍّف.

لترتفع نسبة العنف الأسري في الأردن خلال فترة الحظر بنسبة 33% مقارنة بمعدلاتها في نفس الفترة من العام 2019 بحسب تصريحات مدير إدارة حماية الأسرة لتبلغ  عدد حالات العنف الأسري التي تعاملت معها مكاتب الخدمة الاجتماعية في إدارة حماية الأسرة (1685) حالة خلال أشهر آذار ونيسان وأيار من العام الماضي.

الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس أوضحت أن الأسباب المؤدية لزواج القاصرات متداخلة ولعلى أبرزها في المجتمعات العربية يعود إلى  المنظور الفكري القائم على فكرة أن الزواج المبكر يحفظ الفتاة من أي تصرفات خاطئة في سن المراهقة بالإضافة إلى الخوف من أن التأخر في سن الزواج يقلل من فرصه مستقبلا حسب المنظور والتفكير الاجتماعي السائد في مجتمعاتنا .

كما أوضحت النمس أن هناك جملة من الأسباب السياسية كالحروب والنزاعات والهجرات القسرية التي قد تحوله إلى نوع من أنواع التجارة بالبشر وخاصة في حال تزويج الفتيات لرجال أكبر منهم سناً.

ولزواج القاصرات العديد من الآثار السلبية من أبرزها خروجهن من التعليم وبالتالي ضعف حصولهن على فرص عمل ،لتضيف النمس أن في كثير من الحالات يتم عزل الفتاة اجتماعيا عن من هم في سنها فالمجتمع لا يقبل وجود فتاة متزوجة دون عمر الثامنة عشر مع الطالبات في المدرسة خوفاً من انتشار أفكار وقضايا اجتماعية مرفوضة في مثل هذا العمر .لتشير النمس إن لزواج القاصرات أبعاد صحيحة سلبية قد تؤدي إلى الوفاة في بعض الحالات فكل أربعة وفيات أمهات هناك وفاة لفتاة قاصر إما بسبب محاولات الحمل المتكرر أو حتى الإنجاب بعمر صغير .

وبينت النمس أن نسبة زواج القاصرات ارتفعت في ظل جائحة كورونا والتعلم عن بعد لتصل 11.8% لتتكاثف الجهود الوطنية للتقليل من هذه النسبة عن طريق التوعية بمخاطر هذا الزواج من خلال الشراكة بين كل قطاعات الدولة وخاصة الشراكة مع وزارة التربية والتعليم لتوعية الفتيات بمخاطر هذا الزواج  و الحد منه .

وفي ظل كل تلك الجهود المشتركة بين وزارة التربية والتعليم والمجلس الأعلى للسكان ومؤسسات المجتمع المدني واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرآة أكدت النمس أن هناك خطاب مهاجم لكل تلك الجهود خطاب يشكك بالأسباب والدوافع وراء هذا الجهود فالمجتمعات لا ترى أن هناك أي آثار سلبية وراء هذا الزواج بل هو الحل لتجنب أي تصرفات خاطئة قد تؤدي إلى مشاكل مجتمعية .

وعلى صعيد آخر أوضحت الدكتورة في علم الاجتماع والناشطة في حقوق المرأة هيفاء حيدر، أن مفهوم العنف ضد المرأة يتمثل في إي نظرات أو أفعال وسلوكيات ينتج عنه أي أثر جسدي أو نفسي أو صحي على المرأة بالإضافة إلى إي تهديد يوجه لها أو إي فعل  يمنع حريتها.

وترى الحيدر إن ذرائع العنف ضد المرأة لا يتم الإفصاح عنها بشكل صريح ليتم إرجاعها غالباً إلى إشكاليات متعلقة بالتعليم والفقر والجهل والضغوط الاقتصادية وخاصة في ظل جائحة كورونا ، مضيفة إن العنف هو سلوك تغذيه البيئات والثقافات المتوارثة حيث ينظر الرجل إلى المرأة نظرة دونية بمعنى إن المرأة ملك للرجل وله الحق في التحكم في حياتها .

وبينت الحيدر انه لا يوجد عقوبات رادعة فيما يتعلق بالعنف ضد المرأة  والدليل على ذلك قيام ، المعنف بتكرار عملية التعنيف أكثر من مرة وذلك وفق أرقام ونسب تورد لإدارة حماية الأسرة  ففي عام 2018 خلال العام كامل سجلت أدارة حماية الأسرة 11923 ألف حالة عنف ضد المرأة .

مؤكدة أن الكثير من النساء يتعرضن للعنف ولكن بدون أي تبليغ عن هذا العنف بسبب ضعف القوانين والإجراءات الرسمية الرادعة للعنف ، لتؤكد الحيدر إن الحل في الحد من العنف ضد المرأة يجب أن يبدأ من تعديل نص المادة السادسة في الدستور الأردني  لتصبح الأردنيون والأردنيات سواء أمام القانون فهذا التعديل يلزم الحكومة بوضع بند بالميزانية لبرامج وخدمات تقوم على حماية النساء من العنف وأيضا ضرورة إقامة مشاريع اقتصادية تمكينية  للمرأة التي تتعرض للعنف لتستطيع توفير حياة كريمة لها في حالات الطلاق أو حتى في حالات الاستمرار في الزواج لتصبح المرأة منتج في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة التي قد تكون سبب من أسباب العنف ضد المرأة مع ضرورة  وجود برامج حكومية تتابع للنساء الناجيات من العنف للتأكد من توفير حياة أمنة وكريمة لهن و لأبنائهن .

وبينت الحيدر أن برامج التوعية من العنف الأسري وخاصة العنف ضد المرأة وإيجاد قوانين رادعة ومشاريع تمكن النساء اقتصاديا أخف كلفة على الحكومة من فتح دور إيواء للنساء المعنفات وأفضل من تسجيل حالات عنف ضد المرأة تعود بأبعاد سلبية على المرأة والأسرة وبالتالي المجتمعات .

مدير مديرية شؤون الأسرة في المجلس الوطني لشؤون الأسرة حكم مطالقة أوضح أن العنف هو استخدام شخص السلطة أو القوة على شخص أخر لتحقيق أهداف معينة  و السيطرة عليه ، ليتضح المطالقة أن للعنف عدة أشكال لا يمكن فصل الجسدي وهو المتعارف عليه ويسهل قياسه عن النفسي منه وهو أصعب أشكال العنف قياساً و أسوأ أنواع العنف الجنسي .

وبين المطالقة انه لا يمكن القضاء على العنف بشكل كامل فهو متجدد ومتغير بمقتضيات الزمان والمكان ولكن التوجه يجب أن يكون للتقليل والحد منه ضمن جهود وطنية حكومية وغير حكومية ، ليوضح ظهور نوع جديد من أنواع العنف المتمثل "بالعنف الإلكتروني أو العنف الجنسي الالكتروني" والناتج عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا من قبل القُصر وغياب الرقابة والمتابعة من الأهل، ليؤكد المطالقة هنا ضرورة التوعية بمخاطر والآثار الناجمة عن الاستخدام الخاطئ لهذه الوسائل فالدور هنا يقع أولا على عاتق الأسرة والمدرسة معاً.

وأوضح المطالقة أهداف اتفاقية "مشروع أتمتة إجراءات التعامل مع حالات العنف الأسري التي تم توقيعها عام 2016 مع الجهات المعنية" والقائم على إيجاد نظام إلكتروني يهدف إلى الابتعاد عن الاجتهادات الشخصية وإيجاد ملف خاص يحتوي على كافة المعلومات والإبعاد لكل حالة للوصول لنتائج ملموسة ضمن أطار زمني محدد ليتم التعرف على نسب العنف الصحيحة وأماكن بؤر العنف ليتم توجيه الجهود بشكل منظم ومدروس للحد منه، ليتم تطبيق هذا النظام بشكل جزئي والعمل على تطويره ليتم الاعتماد عليه بشكل كامل مستقبلاً .

وانطلاقا من دور المركز الوطني لشؤون الأسرة و الفريق الوطني لحماية الأسرة والذي يوحد كل الجهود الوطنية لمجابهة العنف بكل أشكاله تم وضع مصفوفة تحت اسم "مصفوفة الأولويات الوطنية لتعزيز منظومة الحماية من العنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الأسري وحماية الطفل للأعوام (2021 - 2023) " لتكون الجهود المبذولة منظمة ذات تأثير ملموس وتفادياً للازدواجية في العمل لترفع لمجلس الوزراء في نهاية عام 2020 ليتم تعميمها على كل الوزارات والمؤسسات لمجابهة العنف فهي مسؤولية مجتمعية مشتركة .

وعلى صعيد أخر تحدث مدير معهد العناية بصحة الأسرة الدكتور إبراهيم عقل عن زواج القاصرات ليوضح أن القانون الأردني يعطي استثناء للزواج من عمر خمسة عشر عاماً، بموافقة القاضي الشرعي مما زاد من نسبته في السنوات الأخيرة لتصل إلى 13% في المجتمع الأردني ، ليوضح أن أهم أسبابه هو التسرب من التعليم فالدراسات تؤكد أن ما نسبته 70% من زواج القاصرات يكون للفتيات المتسربات من التعليم بعد الصف العاشر الأساسي، بالإضافة لقضايا أخرى كسوء الأوضاع الاقتصادية وعن نسبته في مجتمعات اللجوء قد وصلت إلى 25% وأعلى نسبة كانت  في مخيمات اللجوء لتصل إلى 46%.

ويقوم المعهد من خلال كوادره والمتطوعين بأنشطة تقوم على توعية الفتيات بمخاطر الزواج المبكر بالإضافة لتوعيتهن بحقوقهن للحد من حالات العنف التي تتعرض لها المرأة وتوعية الأسر بالأبعاد السلبية لكل تلك القضايا وذلك بالشراكة مع كل القطاعات وخاصة مع وزارة التربية والتعليم للحد منها.

و أوضح العقل إن الأردن أنجز الكثير في مجال الحد من زواج القاصرات والعنف ضد المرأة والدليل على ذلك أن نسبة تسرب الفتيات من المدارس اليوم أقل من نسبة تسرب الذكور حسب الإحصاءات الوطنية  وأيضا تم تعديل قانون العنف الأسري عام 2017 للحد من العنف وتعديل الكثير من التشريعات لتمكين المرأة في كل المجالات الاقتصادية والصحية وغيرها من المجالات ليؤكد إن العمل مستمر ومشترك للتعامل مع كل هذه التحديات .

ويعتبر المجلس الأعلى للسكان زواج القاصرات انتهاكاً للعديد من الحقوق الإنسانية المشروعة للفتيات ومنها الحق في التعليم، والحق في تنمية القدرات والاختيار الواعي دون إجبار لشريك الحياة، ومن هذا المنطلق اعد المجلس الأعلى للسكان عام 2017 خطة عمل وطنية لتنفيذ توصيات دراسة زواج القاصرات في الأردن، والتي تضمنت مجموعة من التوصيات الوقائية والعلاجية للحد من هذه الظاهرة وأثارها على المجتمع .