دعوات لتعزيز البيئات التعليمة لتصبح مكاناً للإبداع والابتكار والريادة
تزامنًا مع عودة التعليم الوجاهي في المدارس، جاء الحديث عن أهمية تعزيز البيئة التعليمية لتصبح بيئة مُحفزة للبحث العلمي والإبداع والابتكار والريادة في المدارس والجامعات.
فما هي السياسات التي تدعم فكرة الوصول لبيئة تعليمية محفزة للإبداع والابتكار والريادة وماذا عن التحديات التي تقف عائقًا أمامها لتصبح واقعًا ومنهجًا تربويًا.
ففي ظل الانتشار الواسع للتطور العلمي والتكنولوجي يرى خبراء في مجال التعليم أهمية دمج مختلف التقنيات الحديثة في المناهج الدراسية بهدف تطوير وتحسين مهارات الطلبة العقلية والإبداعية مما ينعكس ايجابًا على مخرجات التعليم.
أمين عام وزارة التربية والتعليم الأسبق الدكتور هاني الضمور يرى ضرورة النظر الى الإبداع والابتكار كجزء من منظومة التعليم المتكاملة وذلك عن طريق استراتيجيات واضحة من قبل مؤسسات التعليم العالي والمدارس، مع ضرورة أن تكون رؤية هذه الجامعات والمدارس تتجه نحو الإبداع والابتكار والريادة في العملية التعليمية.
ومن أبرز الإجراءات التي يجب توفيرها لخلق بيئة تعليمية تشجع الإبداع والابتكار بين الطلاب تطوير المناهج الدراسية اولًا وذلك عن طريق إيجاد مناهج تركز على الإبداع والابتكار مع إمكانية الاستفادة من خبرات وانجازات الدول الأخرى في هذا المجال، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد بنية تحتية في المدارس والجامعات تسمح باستخدام هذه التقنيات الحديثة في العملية التعليمية وفق الضمور.
الخبير التربوي الدكتور على الحُشكي يرى أن المناهج التربوية على الرغم من حداثتها وتطويرها إلا انها مازالت تفتقر الى التوظيف الحقيقي والجيد لقضايا التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية، ومن أجل الوصول لبيئة تعليمية محفزة للإبداع والابتكار أكد الحُشكي ضرورة وضع اهداف موافق عليها من قبل الدولة اولًا وبعمر زمني محدد تتناسب مع قدرات وامكانيات الدولة.
وعن الانعكاسات المباشرة والفاعلة الناتجة عن استخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية أوضح المهندس جاسر الحراسيس الرئيس التنفيذي لشركه روبوتنا ابرزها فهي تساعد الطلاب في فهم المناهج التربوية بطريقة تحفز الإبداع والابتكار لديهم مما يفتح المجال امامهم للمشاركة بمسابقات في مجال التقنيات الحديثة وعلوم الروبوت والذكاء الاصطناعي بالإضافة الى ارتفاع تحصيلهم العلمي والاكاديمي.
وعلى الرغم من كل تلك الانعكاسات والمخرجات إلا أن هناك تراجع في استخدام تطبيقات التكنولوجيا الحديثة في المدارس على حد قول الحراسيس.
مدير مديرة المناهج في إدارة المناهج والكتب المدرسية في وزارة التربية والتعليم الدكتور أسامة الجردات أكد أنه لا يوجد اي منهاج كامل في العالم يخلو من المشكلات، وأن المنهاج الأردني تم بذل جهد كبير في وضعه وليتم بعد ذلك تعديلهُ وتطويره في السنوات الاخيرة بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير المناهج ليتضمن استراتيجيات حديثة سواء في عملية التدريس وحتى التقويم.
ليتحدث الجرادات عن تجربة وزارة التربية والتعليم مع المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية، فالوزارة بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير المناهج بدأت بالتركيز على مسألة الإبداع والابتكار قبل البدء بتأليف الكتب المدرسية، لتبدأ مع الوثائق المرجعية والتي يقصد بها على حد قول الجردات " مؤشرات الاداء والنتائج الخاصة والعامة بكل مبحث" حيث أنها وجهت المعلم لمجموعة من المعايير تقوده الى كيفية تشجيع الطالب وإكسابه المهارات والقدرات التي تمكنه من الإبداع والابتكار من خلال إيجاد بيئة صفية تشجع على الإبداع والابتكار مع التركيز على التدريس المتمركز حول الطالب.
وتفعيل المختبرات بمختلف أنواعها بالإضافة لاستخدام اللواح الذكية والاستعانة بجميع الوسائل التعليمية التي تطلق طاقات وإمكانيات الطالب، كما تم توجيه المعلم إلى ضرورة أن يكون محور الإبداع والابتكار من ضمن محاور تقيم الطالب أكاديميًا.
و أوضح الجرادات أن عملية الإبداع والابتكار لا تقتصر على المنهاج الدراسي فقط فالمعلم جزء مهم في هذه العملية التكاملية ليشيد بضرورة تدريب المعلم على استخدام التقنيات الحديثة في العملية التعليمية وضمن استراتيجيات حديثة.
وأضاف الجرادات أن ولي أمر الطالب جزء مهم في هذه العملية ليتسأل " هل لدى ولي أمر الطالب القدرة على اكتشاف نقاط الإبداع والابتكار لدى طفله وهل يمتلك الوسائل الإمكانيات الحديثة لتنميتها؟ "
وعن أهمية هذا الدور بين الجردات ان وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع المركز الوطني لتطوير المناهج التربوية أطلقت مشروع "جسور التعليم " وهو مشروع يعالج المباحث الأربعة الأساسية "اللغة واللغة الانجليزية والرياضيات والعلوم " ليشتمل الصفوف من الصف الرابع الأساسي حتى الصف التاسع.
بالإضافة لمجوعة من الأنشطة والإرشادات المقدمة لولي أمر الطالب لتساعدهُ في كيفية التعامل مع طفله بأساليب تربوية حديثة، ليكون الهدف من هذا المشروع عدم الوصول لفكرة إمكانية هدم كل ما تم بناؤه في المدرسة في البيت بسبب افتقار الاسرار لبعض وسائل و تقنيات التكنولوجيا وحتى الاساليب التربوية الحديثة.
وبين الجرادات أن الإبداع والابتكار ليس مقتصرًا على الجانب الأكاديمي والتعليمي فقط يمكن ان يظهر في الجانب الرياضي أو الفني لتقوم الوزارة بوضع ما يقارب المئة نشاط والتي تقوم على الممارسة والعمل الجماعي والتدريب العملي وتم اختيار هذه الاستراتيجيات تحديدًا لأنها تشجع الطلبة على الإبداع والابتكار، ويتم تطبيقها داخل المدارس لتشتمل على معظم مجالات الحياة ليتم تطبيقها تحت اسم "دليل الانشطة التفاعلية" في المدارس الحكومية وعن الخاصة هناك برامج خاصة بكل مدرسة.
وفي ظل اكتظاظ الغرف الصفية بأعداد كبيرة من الطلاب ومع نظام التعلم بالتناوب بين مجموعتين الذي وضعته وزارة التربية والتعليم بظل جائحة كورونا وإجراءات البروتوكول الصحي كان السؤال عن إمكانية تطبيق استراتيجيات الإبداع والابتكار بين الطلاب ليوضح الجرادات أهمية التدريب المسبق للمعلم إذ يتم تدريبه وتأهيله على استراتيجيات بعيدة كل البعد عن التلقين كالتعلم من خلال المجموعات والبحث عن أساليب أخرى تتناسب مع هذه الظروف.
مدير "مركز الريادة والابتكار في الجامعة الأردنية" الدكتور أشرف بني محمد، أوضح أهم خدمات المركز والذي أنشأ في الجامعة الأردنية بقرار من مجلس أمناء الجامعة في نهاية عام 2015 ليخلق حاضنة الأعمال الصناعية والزراعية في الجامعة.
ويهتم المركز بشكل أساسي وكبير على نشر الفكر الريادي والقيادة الريادية بين طلاب الجامعة، وذلك من خلال تقديم الدعم الفني والإداري والمالي اللازم للأفكار والمشاريع الابتكارية والريادية في مجتمع الجامعة والمجتمع المحلي وبالتعاون والتكامل مع القطاع الخاص سعيا لدعم التمكين الاقتصادي لهذه المجتمعات بحيث تصبح قادرة على المساهمة الحقيقية في تحقيق التنمية المستدامة، كما يقوم بمساعدة الطلاب على تأسيس شركات تقنية وليدة.
وتوفير خدمات تسمى "خدمات ما قبل الاحتضان" حيث يتم فيها تجهيز الشباب الريادي ليستطيع الوصول للمستثمرين لدعم مشاريعهم الريادية وتطويرها وحتى الوصول لمختبرات الجامعة الأردنية للعمل على تطوير وتطبيق هذه المشاريع بالتعاون مع مختصين في هذا المجال.
وبين بني محمد أن واقع الأعمال الريادة اليوم مقارنة بالسنوات الخمسة السابقة أفضل فالشباب الأردني أصبح يفكر بطريقة إبداعية، فالشباب اليوم يخلق وظيفة لا يبحث عن وظيفة؛ ليشيد بضرورة التخطيط والتأسيس المبسق لعملية الاهتمام بالريادة والابتكار والشراكة بين القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المحلي لتحتضن هذه المشاريع ضمن استراتيجيات تجعلها واقع وذات عائد مالي.
ودعا بني محمد إلى ضرورة إعادة تعريف كل من القاعة والمحاضرة والغرفة الصفية والمعلم وتطوير مناهج خاصة في الريادة لتقوم على التفكير الإبداعي الذي يقود لأفكار ومشاريع إبداعية.
ليضيف بني محمد ان الجامعات تبني على ما جاء من المدارس فالتعليم عملية تراكمية لذلك أكد على ضرورة دمج وسائل التكنولوجيا الحديثة في المناهج التربوية منذ الصفوف الأولى للطلاب.
وعن استراتيجيات مركز الريادة والابتكار في الجامعة الأردنية أوضح بني محمد انه يقوم على سلسلة من البرامج تبدأ منذُ عرض فكرة المشروع الريادية على المختصين ومن ثم البدء ببرامج التدريب والإرشاد والمتابعة بالإضافة إلى تقديم حوافز مالية كعائد من هذا المشروع ويقوم المركز باستضافة شخصيات وشباب أردني ناجح في مجال الريادة للتعريف بمشاريعهم وتجربتهم الريادة.
وعن دور الجامعات والمساقات الجامعية في التشجيع على الإبداع والابتكار أشاد بني محمد بمجلس التعليم العالي في الجامعة الأردنية الذي اقر مبحثا دراسيا إجباريا سيطرح في الفصل القادم في كل كليات الجامعة الأردنية يتحدث عن الإبداع والابتكار لتصبح هذه المفاهيم ثقافة مجتمعية.
كما أن هناك استراتيجيات خاصة بمشاريع التخرج الريادية في كل الكليات وذلك بجلب مستثمرين من القطاع الخاص للتعريف بهذه المشاريع بمعرض سنوي مع تقديم مكافأة مالية بسيطة كنوع من أنواع الدعم.
وبين بني محمد أن استخدام التكنولوجيا الحديثة في العملية التعليمية وما ينتج عنها من مشاريع ريادية سيكون لها دور إيجابي في تعزيز مفهوم الفرصة السكانية فالعملية تشاركية بين القطاعات العامة والخاصة وحتى مؤسسات المجتمع المدني وتم صياغة ووضع استراتيجيات لدعم الشباب ليؤكد بني محمد أن الأهمية تكمن في تطبيقها لنخلق شباب وخبرات ومهارات نستطيع تصديرها لكل العام.