تمكين المرأة بين سنديانة التشريعات ومطرقة المجتمع
يعتبر ملف تمكين المرأة في الأردن أحد أهم الملفات التي لا ينقطع الحديث بها، ويشكل جدلا على مختلف المستويات التشريعية والثقافية والاتجاه المجتمعي، ومع تعدد الجهات المطالبة بتمكين المرأة والمساواة وكل ما يتعلق بالمرأة من تشريعات وتعديلات إلا أن الأرقام الرسمية لمشاركتها الاقتصادية والسياسية تشير إلى أنها منخفضة.
وتشكل النساء ما نسبته 47% من إجمالي سكان الأردن، وبالرغم من ذلك، إلا أن مشاركتهن الاقتصادية ما زالت منخفضة، بحسب المجلس الأعلى للسكان.
وتبين أرقام دائرة الاحصاءات العامة أن معدل البطالة للربع الأول من 2021، 25% حيث بلغ معدل البطالة للذكور 24.2% مقابل 28.5% للإناث فيما بلغت معدل المشاركة الاقتصادية للإناث (قوة العمل منسوبة إلى السكان 15 سنة فأكثر) لنفس الفترة 14% مقابل معدل مشاركة للذكور بلغت 54.8%.
وتقول الأمينة العامة للجنة الوطنية الاردنية لشؤون المرأة الدكتورة سلمى النمس إن الأرقام الرسمية تظهر مشاركة المرأة الاقتصادية منخفضة، مؤكدة أن مشاركتها أعلى بكثير من هذه الأرقام لأن كل بيت على الأغلب هناك مساهمة للمرأة اقتصاديا فيه، اضافة إلى عمل نسبة كبيرة من النساء في القطاع غير المنظم وهذا ينعكس على الأرقام الرسمية .
وترى النمس أن هناك جهودا مبذولة في مجال تمكين المرأة وتحرك حقيقي يشهده الأردن، من خلال الاستراتيجية الوطنية للمرأة، وما قبلها من حملات ضغط في مراحل سابقة بمفهوم ادماج النوع الاجتماعي في العمل الحكومي وهناك تفاوت بالاستجابة فهناك مؤسسات وجهات تأخذ بعين الاعتبار بالمرأة وموازناتها وعمل اجراءات تصحيحية وهذه الجهود منذ حوالي 9سنوات.
وعلى مستوى تأثير الجائحة على مشاركة المرأة الاقتصادية، اشارت دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني بعنوان: أثر جائحة كورونا في مجالات الصحة والعنف الأسري والاقتصاد في الأردن، بحسب النوع الاجتماعي 2020، الى أن 34% من النساء، أثرت الأعباء المنزلية على متابعتهن لأعمالهن عن بعد.
وتعلق النمس أن الاجراءات الحكومية لمواجهة كورونا وما شهدته البلاد من إغلاقات أثرت على قدرة اللجنة في وضع وتنفيذ برامج تتعلق بتمكين المرأة، حيث تمت المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للمرأة قبل عشر أيام من إعلان الإغلاق الكامل، فيما تعتبر أن التشريعات والسياسات غير كافية وموضوع الشراكة بين القطاعين ما زال تحديا كبيرا والاتجاهات المجتمعية والأعباء الواقعة على المرأة داخل الأسرة والتي زادت خلال الجائحة بالتوازي مع زيادة معدلات العنف.
وتقول منظمة العمل الدولية إن معدلات إدماج المرأة في سوق العمل في الأردن من الأدنى في العالم، الأمر الذي يتناقض مع معدلات التخرج الجامعي، إذ تمثل النساء 53% من مجموع خريجي وخريجات الجامعات في البلد.
وهذا يضع الأردن في المرتبة 149 من بين 153 في العالم من حيث مشاركة المرأة في القوى العاملة، وهي مرتبة أقل بكثير من المتوسط العالمي في البلدان ذات الدخل المتوسط-المنخفض.
وبتحديد التحديات والمعيقات التي تواجه تمكين المرأة اقتصاديا يجب علينا العمل على عدة مستويات مثل مستوى الاتجاهات المجتمعية وهذه قضية أساسية حيث لا زالت الأدوار النمطية داخل الأسرة تحديا كبيرا ونعمل في اللجنة الوطنية للمرأة على وضع برامج وحملات للتأكيد على دور النساء والرجال داخل الأسرة، ومساهمة المرأة اقتصاديا وأيضا هناك جانب يجب العمل عليه وهو بناء المهارات الحياتية والفنية ومهارات الاتصال واستخدام التكنولوجيا، اضافة إلى جانب يتعلق بالبنية التحتية سواء توفير مواصلات أو توفر دور رعاية وحضانة، وأضفنا للاستراتيجية ملحق تأثير كورونا على أولويات الاستراتيجية وسيأخذ بعين الاعتبار، بحسب النمس .
وبالحديث عن تمكين المرأة سياسيا يرى مختصون أن المرأة الأردنية حظيت بمكانة لا بأس بها في مختلف المجالات، منها السياسية.
يقول المحامي الدكتور صخر الخصاونة " المرأة في الأردن استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تحقق تقدم في مجال المساواة وخاصة في المجالات العمل والسياسة والاقتصاد والاجتماع ومن وجهة نظري الشخصية فإن النساء استطعن أن يحققن مكانة سواء كانت في الحصول على مقعد وزاري أو النيابة أو القضاء، واستطعن أن يثبتن وجودهن على الساحة الأردنية كشريكات للرجل وليس بحقوق منقوصة.
وتتفق مع الخصاونة أمين سر شؤون المرأة والشباب في حزب النهج الجديد لينا خليل العطيات بوجود حالة ملائمة لتمكين المرأة وتقول "المجتمع الأردني بالعرف والدين والعادات والتقاليد هو مجتمع ممكّن للمرأة بطبيعة الحال مع وجود بعض التحديات الناجمة عن بعض الأفكار والممارسات المغلوطة من بعض النساء التي ربما تسيء للمجموع العام .
ومن الناحية التشريعية والتمثيل النسائي يرى الدكتور الخصاونة أن التعديلات والتشريعات التي حصلت مؤخرا هي من دعامات تمكين المرأة واكتسابها حقوقها ويضيف "البيئة التشريعية والتعديلات التي حصلت على القوانين أعطت للمرأة حقها وكفلت لها حقها وعملت على الكثير من القضايا التي من شأنها المساواة بين المرأة والرجل ، ويجب أن يكون هناك منافسة ما بين الرجل والمرأة بحيث أن تتبوء النساء مقاعدهن من خلال الانتخاب والمنافسة".
وتعلق العطيات أنه يجب السعي لتجاوز نظام الكوتا والمحاصصة في مختلف المجالس لوصول المرأة إليها عن طريق التنافس وتقول" رغم تحفظنا على بعض التشريعات والقوانين المعززة لوجودها تحت مظلة البرلمانات المختلفة ومجالس المحافظات المحلية سواء بالبلديات أو اللامركزية وحتى مجلس الرقابة والتشريع البرلماني فهي موجود لكن ضمن نظام المحاصصة والكوتا، نسعى في ظل القوانين الجديدة أن يكون للمرأة دور واضح وتنافس وتتصدر القوائم القائمة على التنافس بعيدا عن التحيز لفكرة الجندر.
ومع وجود التشريعات والقوانين والتعديلات المستمرة عليها لضمان مشاركة أكبر للمرأة في مختلف المجالات يجب أن يكون هناك نظرة شمولية مرافقة للوصول إلى تطوير مشاركة المرأة.
وتقول رئيس لجنة المرأة في مجلس الأعيان هيفاء النجار " يجب أن ننظر لكل ما يتصل بمشاركة المرأة نظرة شمولية تكاملية، لا تكفي التشريعات المتعلقة بالمرأة ولا تكفي الأنظمة والسياسات، لا يكفي تعديل الموروث الاجتماعي الذي له جواني ايجابية ولكن يؤثر على المشاركة لأسباب تتعلق بأمان النساء في الأردن، فعلينا أن ننظر لقضايا المرأة بمنحى شمولي تكاملي .
وبحسب التحليل الذي قام به تحالف"عين على النساء" الذي تقوده جمعية معهد تضامن النساء الأردني، ذكر أن عدد الفائزات في المجلس النواب المُنتخب وفقا لنظام الكوتا بلغ 15 سيدة، فيما لم تنجح أي مترشحة في الوصول إلى البرلمان عن طريق التنافس على عكس انتخابات عام 2016، حيث حصلت النساء على 5 مقاعد عن طريق التنافس إلى جانب مقاعد الكوتا ليصل المجموع الكلي لمقاعد النساء في المجلس السابق إلى 20 مقعداً.
وتعلق وعضو مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب الدكتورة عبير دبابنة أن معدل مشاركة المرأة في البرلمانات عالميا لا يزيد 20% وفي العالم العربي حوالي الـ15%. مشيرة إلى أن الأردن يتميز بوجود إرادة سياسية حقيقية واعتراف بحق المرأة الدستوري وشرعية وجودها كمواطنة من الدرجة الأولى وشريكة حقيقية في التنمية وبناء الدولة الأردنية، وهذا ما يشهد التاريخ الأردني على مشاركة المرأة في النضالات السياسية وأن المراحل التي تشهدت ارتفاعا أو انخفاضا لمشاركة المرأة الأردنية السياسية تكون نظرا للظروف السياسية بالمنطقة.
وترى دبابنة أن معيقات مشاركة المرأة سياسيا تتمثل بالإشكالية ما بين الأطر النظرية من تشريعات وقوانين وسياسات وبين التطبيق الفعلي لها، وحقيقة التطبيق الفعلي قد تسيطر عليها الثقافة الذكورية على من يتولى الانفاذ دون أن يعي ذلك في كثير من الأحوال. اضافة إلى معيقات تتعلق بعدم تمكن المرأة من الولوج إلى الموارد وما زال العمل السياسي يتمحور حول أشخاص وليس قضايا.