وصمة عار تلاحق سائقي صهاريج النضح

وصمة عار تلاحق سائقي صهاريج النضح
الرابط المختصر

يخشى صالح سائق صهريج نضح أن تلاحق وصمة العار طفله الذي دخل عامه الأول في الدراسة، بعد أن لاحقته هذه الوصمة في الماضي بسبب عمل والده أيضا على الصهريج، حيث ورث الأربعينيّ مهنة نضح الحفر الامتصاصيّة عن والده، وورث معها "نظرة تمييزية وسخرية من المجتمع" نظرا لعمله في هذه المهنة.

 

ويستذكر الأب يومه الأول في المدرسة، و كيف تعرض للإهانة من قبل زملاءه الذين سخروا منه ونعتوه بكلمات وأوصاف "مهينة " أقلها "ابن سائق التنك" "ورائحتك كريهة ابتعد عنا".

 

يعتبر صالح هذه المهنة من أصعب المهن لما تحتاجه من قوة تحمل سواء في القيادة أو في مواجهة نظرة المجتمع السلبية لها.

 

ويقدر العاملون في هذا القطاع عدد صهاريج العاملة في العاصمة عمان بـ 100 صهريج بعد أن تقلّص عددها بسبب إيصال خدمات الصرف الصحي، عكسَ مناطق عديدة في المحافظات التي مازالت تعتمد بشكل كامل على الحفر الإمتصاصية.

 

ويشير التقرير السنوي لشؤون الصرف الصحي لعام 2014 في الأردن أن نسبة المخدومين بشبكات الصرف الصحي وصلت في عام 2014 إلى 68 % فيما كانت تبلغ عام 2008 62% .

 

 

مخاطر صحية.. قد يتعرض لها سائق الصهريج

 

ويتعرض العاملون في هذا القطاع لمخاطر صحية وصعوبات عمل في ظل غياب مظلة تحميهم أو توفر لهم تأمينا صحيا أو ضمان اجتماعي.

 

أبو مصطفى سائق صهريج نضح منذ 30 عاماً يتفق مع زميله صالح  بأن هذه المهنة "صعبة و بحاجة إلى أن ينظر لها بتقدير وإيجابية بعكس ما هو على أرض الواقع كونها تقدم خدمة للمواطنين".

 

ويقول "إنه يتعرض دائماً للسخرية التي وصلت لإطلاق كلمات بذيئة بحقه، داعيا المواطن لأن "يعي أن سائق التنك يقوم بتحميل فضلاته ولا يستحق هذه الكلمات".

 

يبين أبو مصطفى بعض "الصعوبات التي يواجهها في عمله كخطر السقوط في الحفرة الإمتصاصية العميقة التي يجب التعامل معها بحذر عند فتحها وإغلاقها، إضافة إلى خطر تعرضه للفضلات الفائضة أحياناً والتعرض الدائم للروائح الكريهة والغازات المنبعثة منها".

 

وعن المخاطر الصحية يشير مدير الأمراض السارية في وزارة الصحة الدكتور محمد العبدللات إلى أن سائق الصهريج يجب عليه توخي الحذر واتخاذ كافة الاحتياطات من غسل الأيدي وتعقيمها، نظراً لما يسببه التعرض لهذه المواد من أمراض.

 

ومن بين الأمراض التي يمكن أن يسببها البراز والإفرازات والتي تعتبر بيئة خصبة لنمو الطفيليات كالانيميا والغارديا والبكتيريا التيفوئيد والسالمونيلا بكافة أنواعها، إضافة إلى التهاب الكبد الوبائي وغيرها من الأمراض.

 

وبيّن العبدللات أن كثيراً من الجراثيم تنمو في هذه البيئة التي تعتبر خصبة لها الأمر الذي يشكل مخاطر صحية لمن يتعرض لها.

 

 

شباب يعملون في هذا القطاع

 

ولا يقتصر عمل سائق الصهريج على الكبار في السن إذ يعمل العشريني طارق في هذ المهنة كمساعد لوالده متجاوزا نظرة العيب، يقول "العمل ليس عيباً إنما الجلوس بلا عمل واللجوء إلى طرق غير مشروعة في جمع لقمة العيش هو الشئ الخاطئ".

 

يقول الشاب إن "هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر والتي "ما بتجيب همها" على حد قوله يجب تقديرها واحترامها".

 

ويتقاضى سائق الصهريج مبلغ يتراوح بين 20-35 دينار على الحمولة الواحدة تحدد بحسب المنطقة وبعدها عن المكب بحسب طارق.

 

وعن المخاطر يشير طارق إلى صعوبة القيادة بحموله متحركة، إضافة إلى الخطر الذي يمكن أن يتعرض له اثناء تحميل وتفريغ الحمولة لعمق الحفرة وشدة انحدارها.

 

من جهته يوضح جهاد أحد مالكي صهاريج نضح منذ 16 عاما أن الإقبال على المهنة ليس كبيراً، مشيراً إلى أن معظم السائقين يتركون العمل بين فترة لا تزيد عن شهرين على أقل تقدير، بالرغم من أن أجورهم مرتفعة.

 

ويضيف جهاد أن تكلفة تشغيل الصهريج مرتفعه عليه، حيث أن يومية السائق 25 دينار، إضافة إلى 15 دينار لمساعده، عدا عن تكاليف الصيانة والترخيص الذي يبلغ نحو 500 دينار.

 

ويشدد جهاد على أهمية اختيار سائقين مناسبين للمهنة باعتبارها حساسة، حيث أن الصهريج يدخل البيوت وعليه يختار السائق الذي يمكنه تحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية، إضافة لحمله رخصة قيادة آليات ذات محورين.

 

من جهة أخرى يشير جهاد إلى أن الطلب على الصهاريج كخدمة تحميل لم تتراجع خلال الــ 16 عاما الأخيرة بالرغم من تطور خدمات الصرف الصحي إلّا أنها لم تصل إلى كافة الأماكن، إضافة لوجود مناطق بعيدة غير مخدومه كالضليل وسحاب وغيرها.

 

إلّا أن تطور وسائل الاتصال وظهور الأجهزة الخلوية حال دون استمرار مكاتب خدمة صهاريج النضح التي كانت تستقبل اتصالات المواطنين وتعمل على إرسال الصهريج لعناوين منازلهم.

 

 

علم الإجتماع.. النظرة الدونية تراجعت

 

خبير علم الاجتماع الدكتور مجدي الدين خمش يشير إلى أن النظرة الدونيّة من المجتمع لبعض المهن الخدماتية كسائق الصهريج وعامل جمع النفايات تراجعت وأصبح المجتمع أكثر وعياً مع تطور التكنولوجيا وسهولة وصول المعلومات.

 

ويضيف خمش أن مهنة سائق الصهريج نادرة وعددها محدود، لذا لا تختلط بشكل كبير مع كافة فئات المجتمع وهو ما يجعلها غير مألوفة.

 

ويؤكد خمش على أهمية هذه المهنة الشاقة والمتعبة والتي تخدم المجتمع خصوصاً في المناطق خارج التنظيم غير المربوطة بخدمات الصرف الصحي.

 

ومن جهة أخرى يشدد خمش على أهمية ألّا يتأثر سائق هذه المهنة بنظرة المجتمع كونه اختارها ويعمل بها ويعرف أهميتها.