هل سلم الإخوان جماعتهم للدولة ؟

هل سلم الإخوان جماعتهم للدولة ؟
الرابط المختصر

منذ بداية الأزمة التي توصف بأنها "الأكبر" في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، والتي انتهت بترخيص جمعية تحمل ذات الاسم بقيادة عبد المجيد الذنيبات، كان من المتوقع أن تتخذ الجماعة الأم عدداً من الخطوات لحسم مصيرها بنفسها، أو على الأقل أن تخرج من أزمة "الترخيص" بأقل الخسائر، إلا أن هذه الخطوات تأخرت حتى الوقت الضائع.

 

وبعد اعتقال نائب المراقب العام للجماعة زكي بني إرشيد بعد انتقاده الإمارات في شهر تشرين الثاني نهاية العام الماضي، دخلت الجماعة في نفق مظلم، وكان واضحاً عجزها عن اتخاذ القرارات المناسبة، والتي تجلت في قضية "الترخيص".

 

واكتفى الإخوان باتهام الحكومة بمحاولة تصفيتها والقضاء عليها، إلا أن الدولة التزمت بخط ثابت من التصريحات معظمها جاء على لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني الذي أكد أن الدولة تقف على الحياد في ملف الإخوان، وأنها تتعامل معه بشكل قانوني، رافضةً تناول الموضوع بشكل سياسي، إلا أن هذه التصريحات لم تقنع الجماعة.

 

ملف ترخيص الجماعة لا يعتبر جديداً، رغم إشكالياته القانونية المعقدة، وإصرارها على أنها مرخصة بشكل قانوني منذ خمسينيات القرن الماضي، إلا أن الحكومة خاطبت الجماعة بضرورة تصويب وضعها القانوني أكثر من مرة، كان آخرها في عهد وزير التنمية السياسية السابق بسام حدادين.

 

إلا أن الجماعة لم تقدم على أي خطوة، حتى أنها كانت تعتقد أن ما تقدم به الذنيبات هو محاولة الحصول على رخصة لجمعية تحمل ذات الاسم فقط، إلا أن الحكومة باتت تعتبر الجمعية الجديدة، الشخصية الاعتبارية لجماعة الإخوان المسلمين، بحسب المومني.

 

الكاتب المختص في شؤون الجماعات الإسلامية إبراهيم غرايبة يرى أن تأخر الجماعة في اتخاذ خطوات حاسمة ومهمة جعلها "تسلم نفسها بنفسها للدولة".

 

ويتساءل الغرايبة عن كيفية استدراج الإخوان لأنفسهم إلى هذا التهميش، حيث كانت تعرف أن عليها تصويب وضعها القانوني منذ الانفتاح الديمقراطي عام 1989، مكتفية بترخيص حزب جبهة العمل الإسلامي، وكان عليها أن تشارك الذنيبات بعملية التصحيح.

 

ويشير الكاتب الذي كان عضواً في الجماعة إلى أن مسألة تصويب أوضاع الجماعة ليست مسألة جديدة، إذ عرضت أكثر من مرة على الجماعة، وعرضها الذنيبات كذلك، لكنها رفضت، "ولا أدري كيف كان يعتقد الإخوان أن باستطاعتهم العمل خارج القانون".

 

ويرجح الغرايبة أن تكون الملفات الداخلية والخلافات حول عدد من الملفات المهمة كملف الارتباط بحماس هو من ساهم في اتخاذ خطوات تجاه مسألة تصويب وضع الإخوان قانونياً.

 

يقول الغرايبة “ويبدو أن وقت التصحيح قد انتهى، فقد كان يجب منذ فترة طويلة، اتخاذ عدد من الخطوات التصحيحة والتنظيمة، إلا أن خوف البعض من المحاسبة وبخاصة بوجود ملفات تخفي جرائم فساد وفساد مالي أخرت ذلك”.

 

يتابع “لا أحد يعلم كيف تدخل الأموال إلى خزينة الإخوان وكيف تخرج، ولا أحد يعلم ما حجمها ومن أين أتت”.

 

ويشير الغرايبة أن الجماعة كان تعرف أن عليها أن تصوب وضعها القانوني منذ بداية الانفتاح الديمقراطي عام 1989، لكنها كانت تعتقد بأن ترخيص حزب جبهة العمل الإسلامي كافٍ، التي يرجح أن تصبح واجهة عمل الإخوان خلال الفترة المقبلة، رغم استبعاد الجماعة ذلك.

 

ويرى بأن تأخر الجماعة في اتخاذ خطوات حاسمة في أزمتها الأخيرة، جعلها في موقف لا تحسد عليه، وسيساهم إلى حد بعيد في تفتيها، إلا أن الكاتب رومان حداد يؤكد أن الجماعة ما زالت تمتلك عدداً من الخيارات التي يمكنها اتخاذها، رغم الأفق غير الواضح بالنسبة لمستقبلهم.

 

وعن هذه الخيارات يقول حداد، إن على الجماعة الأخذ بتوصيات مجلس الحكماء داخل الجماعة، الذي اقترح إصلاح البيت الداخلي، أو الذهاب إلى حزب جبهة العمل الإسلامي والعمل من خلاله، خدمة لمشروع الإخوان، أو التفاهم مع الجمعية الجديدة المرخصة.

 

ولا يبدو واضحاً أيٍ من الخيارات التي ستتخذها الجماعة في الفترة المقبلة، وبخاصة أنها تؤكد عدم ممارستها لعملها عبر حزب جبهة العمل، كما أن من المستبعد أن تتفاهم مع الجمعية.

 

ويشير حداد إلى أن ما وصفه بـ"عناد" المراقب العام الحالي للجماعة همام سعيد، هو الذي يؤخر الأخذ بهذه توصيات مجلس الحكماء، "لأنه يأخذ الموضوع بطريقة شخصية ويعتبر أن هناك من يستهدفه"، على حد قوله.

 

ويضيف "لو كنت قريباً من سعيد لنصحته بالتنحي، والسماح لقيادات جديدة بأن تقود الجماعة، وذلك سيوجه رسالة جيدة للدولة، كما للداخل الإخواني".

 

فالجماعة، دخلت، بحسب حداد، "حالة توتر جعلتها تفقد القدرة على التفكير بشكل سليم سياسياً، حيث أظهرت الخطوات الأخيرة التي اتخذتها، أنها لا تملك مطبخاً سياسياً حقيقياً".

 

ولعل الجماعة كانت تعتقد بأن الدولة لن تتجاوز ، التي وإن شهدت بعض مفاصل التوتر منذ تأسيس الدولة الأردنية، إلا أنها لم تصل إلى ما وصلت إليه الآن.

 

ورغم ذلك، يؤكد حداد على ضرورة الحفاظ على جماعة الإخوان المسلمين "لأنها تمثل لوناً ساسياً مهماً في الساحة الأردنية يحافظ على توازنها، ولن تكون خسارتها للمعارضة فقط، وإنما للدولة الأردنية ككل".

 

وفي خطوة قد تكون متأخرة، إلا أن الجماعة أعلنت على لسان الناطق باسمها معاذ الخوالدة، بأنها في مرحلة مراجعة ذاتية للفترة المقبلة، يتوقع أن يتمخض عنها عدد من الخطوات المهمة، التي قد تساعد بإنقاذ الجماعة، لكنها بدون شك لن تعيدها كما كانت خلال فترة قصيرة.