هل تستدير عمّان نحو دمشق؟
يعيد الأردن في هذه الفترة حساباته من علاقاته بالمعسكر الشرقي (روسيا، إيران، الصين) الذي كان بعيداً عنه خلال السنوات الماضية بسبب تقاربه من الموقف الأمريكي الخليجي في قضية الأزمة السورية، خصوصاً بعد التغييرات في الواقع الميداني والتمدد الكبير لتنظيم الدولة الاسلامية عدم وجود أفق لحسم عسكري على الأرض، وتفاقم أزمات التطرف الووجوء التي طالت غالبية دول العالم.
لم يكن المجتمع الدولي معنياً بالحل السياسي للأزمة السورية قبل أن تبدأ أفواج اللاجئين بالوصول إلى الشواطئ الأوروبية، ولكن ارتفاع أعداد القادمين إلى اوروبا هرباً من جحيم المعركة بحثاً عن ملاذ آمن وازدياد أعداد الخارجين من القارة العجوز للمساعدة في إذكاء نار ذاك الجحيم عبر انخراطهم بالتنظيمات الإرهابية فرض معطيات جديدة على جميع الدول التي تعاملت مع الأزمة السورية بفتور خلال السنوات التي تغيرت فيها ملامح الدولة السورية.
ومع هذا التوجه الدولي نحو الحل السياسي خرجت من الأردن إشارات توحي برغبته بإعادة العلاقات التي باتت مشدودة بينها وبين النظام السوري إلى ما قبل الأزمة السورية التي بدأت عام 2011، حيث أرسل مستشار الملك للشؤون العسكرية ورئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق اول مشعل الزبن برقية تهنئة بعيد الأضحى لنظيره السوري ووزير الدفاع بالحكومة السورية.
البرقية التي تم توجيهها قائد الجيش في الأردن إلى سورية، لم تنسحب على بقية مؤسسات الدولة الأردنية، فلا الحكومة ولا مجلس النواب ولا حتى القصر قام بحركة مشابهة أو قدّم تهانيه للنظام السوري، الأمر الذي يشير إلى اهتمام الأردن بالعلاقات العسكرية أولاً، خصوصاً مع قيام روسيا بتشكيل غرفة عمليات عسكرية (روسية عراقية ايرانية سورية) من المنوي أن يتعاون معها الأردن استخباراتياً، وهي موازية لغرفة الموك العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، للتخطيط على الأرض في سورية.
أكثر ما يثير اهتمام الأردن وفقاً للنائب هايل الدعجة هو مكافحة الإرهاب، حيث يرى أن تدخل العامل الروسي سيكون له تأثير مزدوج على القضية السورية أولها هو بتفعيل الجبهة المحارِبة بشكل جاد وفاعل للإرهاب، والثانية هي إجبار النظام السوري على الانخراط بالحل السياسي للتمهيد لمرحلة سياسية انتقالية شاملة يتم فيها تمثيل جميع الأطراف.
وينفي الدعجة ان يكون الأردن قد غيّر موقفه نحو سورية، فالبرقية تأتي انسجاماً مع دعوات الأردن المتكررة للحل السياسي استناداً لقرارات جينيف 1 حسب الدعجة الذي يضيف ان الأردن هو من يأخذ المجتمع الدولي نحو الحل السياسي لا العكس خصوصاً بعد تداعيات الأزمة التي بدأت تضرب بالمجتمع الغربي.
أما النائب مصطفى شنيكات فيعتبر أن التقارب الأردني الروسي السوري أصبح ضرورة بعد ثبوت عدم جدية الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب والقضاء على داعش، ومع الضغط الذي يفرضه ملف اللاجئين الضخم على الأردن فلا بد من السعي إلى حل سياسي سريع.
ولا تخفى رغبة الأردن بالوقوف مع من يحارب الإرهاب، فتصريحات الملك بعد زيارته لموسكو أكدت على لمسه لتعاون كبير جدا من الرئيس الروسي بوتين في التعاطي مع الملف السوري وفقاً لحل سياسي ومحاربة التنظيمات المتطرفة.
ويستنكر الشنيكات مواقف بعض الدول العربية الشقيقة التي كانت في بدايات الأزمة تسعى لجر الأردن نحو الاشتباك المباشر مع سورية، والتي تستمر في الدعم المادي للقوى المعارضة في سورية في حين ترفض استقبال اللاجئين السوريين وغير جادة بدعم الأردن مادياً لتمكينه من النهوض بملف اللاجئين.
النائب ياسين بني ياسين يصف البرقية بـ"بادرة خير" متأملاً أن يكون هناك رسائل مشابهة من الملك للقيادة السورية وتبادل التهاني بالمناسبات المختلفة، حيث يؤكد أن أي تقدّم نحو الاستقرار في سورية ينعكس بشكل إيجابي على الاستقرار الأردني.
ومع بحث الدول العظمى عن مصالحها في الأراضي السورية، تبحث الأردن بينها عن مصلحتها بتأمين حدودها من المعركة المستعرة شمالاً وشرقاً وتعاظم قوى التطرف التي قد تطالها يوماً ما، بالإضافة إلى حاجتها الملحة لتخفيض الأعباء الاقتصادية التي أثرت عليها بسبب موجات اللاجئين الهاربين بأرواحهم من سورية والعراق.
إستمع الآن