مواطنون يفقدون حقهم في الشهادة لاختلاف ديانتهم
*عدم قبول غير المسلم في الشهادة يؤثر على اثبات الحقوق وخسارة الدعوى
*حقوقيون يطالبون بإعادة النظر في المفاهيم الدينية في المعاملات والحياة
*مراد: اجتهاد ديني يجيز لغير المسلم بالشهادة في المحاكم الشرعية
لم يكن يعلم سعيدبأن معتقده المسيحي سيكون عقبة أمام شهادته في المحكمة الشرعية التي فاجئته بأن شهادته "سوف لن تقبُل" بعدما أعلن بأنه يريد الحلفان على الإنجيل كونه مسيحي الديانة
يصف سعيد ما جرى له بالتمييز الذي لا يمكن أن يقبله في الأردن الذي يصف وضع الحريات الدينية لديه "بواحة من الحريات وملاذ" كما تضمن تقريرها الحكومي المقدم لمجلس حقوق الإنسان عند مناقشة واقع حقوق الإنسان في الأردن عام 2013 ضمن الاستعراض الدوري الشامل المعروف اختصارا UPR.
كان المحامي عاكف المعايطة حاضرا في حالة يتابعها في المحاكم الشرعية بعدم اعتماد طبيب نفسي مسيحي متخصص للشهادة على تقرير يتعلق بقوة ادراك الشخص لاثبات فيما اذا كان الشخص يدرك كنة الوكالة وتصرفاته.
"لو اقامت سيدة قضية شقاق ونزاع امام المحاكم الشرعية لا تقبل شهادة جارها غير المسلم المطلع على الحوادث وتفاصيل الشقاق والنزاع مع زوجها"، يقول المعايطةوهو متخصصفيقضايا الأسرة.
كما لا تقبل ترجمة غير المسلم أيضا الخاص باشارات الصم والبكم رغم أنه شخص مهني وخبير في مجال عمله ويؤدي ما لديه بحرفية عالية ولكن يتم استبعادهم سواء خبراء او شهود او محكمين امام المحاكم الشرعية لمجرد أنهم غير مسلمين.
هذا الحال لا يشكل إلا مخالفة للمادة السادسة من الدستور التي تؤكد على ان الاردنيين امام القانون سواء لا تمييز بينهم في اللغة او الدين او العرق.
على أن مرجعية المحاكم الشرعية هي الفقة الاسلامي وقانون الاحوالالشخصية الذي نص صراحة في المادة 325 منهالعودة الى الراجح من مذهب ابي حنيفة فيما لا نص عليه بهذا القانون، فإن المذهب يشترط مفاهيم دينية في شروط قبول الشاهد وان يكون من ذوي العدل والصلاح والتقوى وان يكون مسلماً.
رغم ان قانون الاحوال الشخصية شهد تعديلات في عام 2010 إلا انها لم تتطرق لموضوع شهادة غير المسلم.
أثر ذلك على اثبات الحقوق
انعكاس عدم قبول غير المسلم في الشهادة والخبرة والتحكيم في التأثير على اثبات الحقوق وفوات الفرصة وخسارة الدعوى بسبب عدم تمكن الشاهد من الادلاء بشهادته او الخبير بخبرته.
على أن التمييز الذي يواجهه الشهود من غير الإسلام يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تعتبر مرجعية حقوقية والتي تحث الدول بعدم التمييز بناء على الجنس والدين والرأي.
القوانين الكنسية والواقع العملي للمحاكم الكنسية لا تفرق بين مسلم ومسيحي في الشهادة اوالخبرة والكتاب المقدس والقرآن الكريم موجودين على منصة القاضي في المحاكم الكنسية، على ما يقوله المحامي بشار الديات المتخصص في القضايا الكنسية.
يستشهد الديات بمجموعة الحق القانوني الخاصة في الطوائف الكاثوليكية التي تسمح للجميع ان يكونوا شهودا مالم يرده القانون صراحة ردا كاملا او جزئيا.
كما يطبق قانون الاحوال الشخصية لمطرانية القدس للكنيسة الاسقفية في المادة 205 منه قانون اصول المحاكمات المدنية المعمول به في البلد الذي تنعقد فيه المحكمة وبالتالي هذا القانون يجبر الكنيسة الاسقفية عدم التفريق بين المسلم وغير المسلم في الشهادة، ويسري ذلك ايضا على الخبراء حيث تقبل شهادة الخبير غير المسيحي.
ترافع المحامي غير المسلم أمام المحاكم الشرعية
في المقابل فإن المحاكم الشرعية تسمح للمحامي المسيحي وغير المسلم بالترافع امام المحاكم الشرعية اذا كان حاصلا على اجازة في المحاماة الشرعية ويشيد بخبرتهموعملهم كمحامين، الا ان المحاكم الشرعية لاتقبل خبرتهم كمحامين في تقدير قضايا النفقة مثلا ويتم الطعن بها كونها غير صحيحة كون الخبير غير مسلم يقول المعايطة.
تسمح المحاكم الكنسية لغير المسيحين من المحامين بالترافع امامها وفق المحامي الديات. فيما يوضح يعقوب الفار المختص بالقضايا الكنسية، أن المحامي المسجل في نقابة المحامين هو محامي مجاز امام المحاكم الكنسية باستثناء محكمة الكنسية الكاثوليكية التي يشترط قانونها ان يكون المحامي حاصلا على اجازة من الرئيس الديني ويستطيع اي محامي مسلم او مسيحي الحصول عليها.
جواز الشهادة سندا للمواطنة
فيما يذهب الباحث والمفكر الاسلامي حمدي مراد إلى اجتهاد آخر فيما يراه بجواز قبول شهادة غير المسلم على المسلم"انطلاقا ًمن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات"مستشهداً بالاتفاقيات التي عقدها النبي محمد بين المسلمين وغير المسلمين من اهل الكتاب عند ما قال (لهم ما لنا وعليهم ما علينا) واضعاً معيار مايسمى اليوم بالمواطنة.
"لايوجد اجماع مطلق في هذه المسالة الاحولعد مقبول شهادة غير المسلم على المسلم من خارج الوطن كونه مجهول وغير معروف بحياته وباخلاقه لدينا ومدى بغض هو كره للاسلام لكن في المجتمع الاسلام ييعيش المسلمين وغير المسلمين دون عداوة او بغضاء في نظرة ايجابية واخوية ومحبة وصداقة" وفق الشيخ مراد.
"الاجتهاد موجود في فقه الفروع وليس في فقه الاصول في العقائد الثابتة كالجنة والنار والصلاة والصوم"، كما يوضح مراد، ويتابع أن"المذهب الشافع يكانتله فقهيا تم طبق هفي العراق ولما انتقل الى مصر كان تله فقهيا تواراء وتعديل اتتتف او ت عن الفقه ياتوا لاراء التي كانت له في العراق فالشافع ييقول ماصح عندنا يحتمل الخطأ وخطأ غيرنا يحتمل الصواب عندنا".
هناك الكثير من القضايا في قانون الاحوال الشخصية تم تعديلها عن مجلة الاحكام العدلية وهذا يدل على ان بابا لاجتهاد مسموح به في القضايا الفرعية، على ما يقول الشيخ مراد.
اختصاص المحاكم الدينية
في حال حدوث نزاع بين شخصين مختلفي الديانة بين زوج مسلم وزوجته المسيحية يكون الاختصاص للمحاكم النظامية وليست الشرعية الا اذا ارتضت الزوجةغير المسلمة ان يكون الاختصاص للمحاكم الشرعية عندها ينعقد الاختصاص.
يطبق قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة على الطوائف المسيحية المعترف بها وفق القانون حيث لها الحق بتشكيل محاكم سميت بمجالس الطوائف يكون لها صلاحية الفصل في النزاعات الناشئة بين ابناء الطائفة الواحدة المتعلقة بمسائل الاحوال الشخصية.
لكن المشكلة تكمن بالنسبة للمحامي ديات عدم وجود قوانين خاصة لكل طائفة حيث اعطت تعديلات قانون مجالس الطوائف الدينية غير المسلمة الحق لكل طائفة انشاء المحاكم الخاصة بها وكل طائفة الحق في تطبيق القوانين الخاصة بها، لكن للاسف هناك طوائف ليس لها قوانين.
يتفق الفار والديات بأن القوانين الكنسية هي قوانين قديمة تحتاج الى تعديل لتتواكب مع تطورات العصر، ويضيف الفار ان قانون طائفة الروم الارثوذكس المُسمى بقانون العائلة البيزنطي والعائد للطائفة الاكثر عددا في الاردن هو "قانون قاصر وبالي وضع زمن الدولة البيزنطية لا يلبي متطلبات وحاجات الاسرة المسيحية لابد من الغاءه واصدار قانون جديد، والقانون الكاثوليكي وضع من روما من قبل الكنسية الكاثوليكية".
وهي قوانين غير منشورة وغير متاحة للافراد للحصول عليها كونها نسخ قديمة و نادرة وغير موجودة.
قانون الطوائف المسيحية رقم 28 لسنة 2014 يوجب على كل طائفة معترف بها نشر قوانينها الخاصة واعلانها للمتعاملين معها فضلا عن اصدار قانون اصول للمحاكمات الكنسية مطالباً الضغط على الطوائف المسيحية لتعديل واصدار قوانينها، على ما يوضح الفار.
تواصلت معدة التقرير مع عدد من القضاة الشرعيين للتعليق على جملة من الأسئلة تدور حول معرفة واقع تطبيق المحاكم الشرعية ومدى قبولها لشهادة غير المسلم واثر ذلك لكن لم نتلقى اي رد.
جواز الشهادة
المحاكم الشرعية وفق الدستور تستند على احكام الشريعة الاسلامية بالتالي لايجوز ان تحكم بغير الشرع الحنيف فإذا كان الشرع يجيز شهادة غير المسلم على المسلم فهي جائزة ولكن جمهور العلماء لم يجيزوا شهادة غير المسلم على المسلم، يقول النائب مصطفى ياغي.
وحول مناقشة تعديلات قانون الاحوال الشخصية المعروض حاليا امام مجلس النواب يبين ياغي ان هذه المسألة غير مطروحة امام المجلس بموجب التعديلات المرسلة من الحكومة في اطار التشريعات المتعلقة بالمحاكم الشرعية.
الدفع بالاتفاقيات الدولية
لا تأخذ المحاكم الشرعية بالاتفاقيات الدوليةالموقع والمصادق عليها الاردن والمنشورة في الجريدة الرسمية مستندةً في ذلك على الدستور الذي ألغى تطبيق الاتفاقيات الدولية على المحاكم الشرعية كونها تطبق في قضائها احكام الشرع معتبرا ان الدستور يعلو على الاتفاقيات الدولية،وهذا ما يراه المحامي المعايطة بالعائق الكبير.
ينص البند الثاني من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي دخل في الجريدة الرسمية عام 2006 إلى أن الدول "تتعه د باحترام الحقوق المعترف بها في هو بكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجود ينفي إقليمها والداخلين في ولا يتهادون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أوالدين.
حاول المعايطة الدفع بالاتفاقيات الدولية في قضايا مختلفة غير مرتبطة بنص يخالف الشريعة الاسلامية كموضوع السن في الحضانة للذكر والانثى الا ان المحاكم الشرعية لم تاخذ بهذه الدفوع على الرغم ان الاتفاقيات الدولية تعلو وتسمو على القوانين الوطنية وتكون اولى بالتطبيق اذا تعارضت مع القوانين المحلية.
بالمقابل يرى المحامي يعقوب الفار ان القوانين الكنسية أقرب بالتشدد الى الخصوصية الدينية فعقد الزواج في الشريعة الاسلامية والمسيحية هو عقد ديني وليس مدني تحكمه قواعد الشريعة الاسلامية والمسيحية وبالتالي تصطدم الاتفاقيات الدولية بالقضاء الكنسي.
"نعطي المحاكم الكنسية الاولوية في التطبيق للقوانين الكنسية وليس للاتفاقيات الدولية"، كما لفت المحامي الفار.
يؤكد استاذ القانون الدولي الدكتور عمر أعمر ان المعاهدات الدولية تعلو على القوانين الداخلية ومن ضمنها الدستور وفي حال قيام الدولة تطبيق نص قانوني محلي مخالف للمعاهدة الدولية المصادق عليها تحمل المسؤولية الدولية عن ذلك.
الانطواء تحت القضاء النظامي
وحول الغاء جميع المحاكم الدينية وانطوائها تحت القضاء النظامي يرفض الفار الغاء المحاكم الكنسية والشرعية وانطواءها تحت القضاء النظامي. ويرى اهمية وضرورة وجود قضاء ديني متخصص في مسائل الاحوال الشخصية ومستقل عن القضاء النظامي.
لكن المشكلة تكمن في القوانين ومن يطبق هذه القوانين، مطالباً الفار الارتقاء بهذه القوانين الى متطلبات الاسرة الاردنية وتواكب متطلبات العصر.مشددا على اهمية اجراء التعديل باستمرار على قوانين المحاكم الشرعية وقانون اصول المحاكمات الشرعية.
ويشير الفار ان المطالبات بانطواء القضاء الديني تحت القضاء النظامي مخالف للدستور الاردني الذيقسم المحاكم الى ثلاثة انواع نظامية ودينية وخاصة وتنطوي المحاكم الكنسية والشرعية تحت المحاكم الدينية.
تعديلات المادة 109 من الدستور
يؤكد الفار ان تعديلات المادة 109 من الدستور الاردني المتضمنة اصدار تشريعات لتعيين القضاة واصول المحاكمات امام المحاكم الكنسية جاء ليرفع الظلم الواقع على الاسرة المسيحية امام المحاكم الكنسية من جراء عدم وجود اصول محاكمات وعدم وجود قاضي كنسي مؤهل.
في ضوء هذا التعديل اشترط قانون الطوائف المسيحية رقم 28 لسنة 2014 ان يكون القاضي الكنسي حاملا للشهادة الجامعية في القانون او اللاهوت ويتقن اللغة العربية حيث ان واقع القضاة في المحاكم الكنسية لا يتقنون اللغة العربية ومن يقوم مقام القضاة هم الكهنة.
قانون موحد لجميع الطوائف المسيحية
يطالب الفار بوضع قانوناحوال شخصية موحد لجميع المسيحيين مع مراعاة الخصوصية لكل طائفة، حيث انالخصوصية تكمن فقط في مسألة الزواج عند الطائفة الكنسية الكاثوليكية وما يتبعها من طوائف التي لا تسمح بفسخ عقد الزواج في حين أن الكنيسة الارثوذكسية وما يتبعها من طوائف تسمح بفسخ عقد الزواج لكن باقي مسائل الاحوال الشخصية واحدة في جميع الطوائف.
مطالبات
يطالب المعايطة بضرورة اخضاع هذا الامر للنقاش ولا يعد من التابوهات المحرمة كونه عملا ممارساً في المحاكم الشرعية.
"لابد من اعادة النظر في المفاهيم الدينية في مواضيع المعاملات والحياة اليومية في ظل تطور مفاهيم الدولة العصرية كون السياسية الشرعية تتغير في الزمان والمكان"، وفق المعايطةالذي استشهد بتعطيل حد السرقة في عام المجاعة في عهد عمر بن الخطاب.
إذا قام الشاهد والخبير بالقسَم القانوني امام المحاكم بالمهمة بكل امانة وان يشهد قول الحق فما المانع من وجود الكتب المقدسة في المحاكم الشرعية القرآن والأنجيل وكل يحلف على ديانته كما في القضاء النظامي الذي لايعاني اي مشكلة في هذا الامر، يتسائل المحامي المعايطة.
لا يوجد نسبة ثابتة لعدد المسيحيين في الأردن لكن وفق آخر دراسة أجريت عن حرية المعتقد في الأردن كانت لعام 2013 المنفذة من قبل شبكة الإعلام المجتمعي، رجحت ما بين 2-3% على أبعد تقدير من نسبة السكان في الأردن وهي نسبة قلت عن سابقها من توقعات وذلك بفعل الهجرات المتتالية من المشرق وقلة المواليد لديهم.
*هذا التقرير أعُد بإشراف من منظمة "صحفيون من أجل حقوق الإنسان" وبالتعاون مع العرب اليوم وموقع عمان نت ضمن مشروع "حوار عام حول قضايا حقوق الإنسان"