منتدون: الأسرة.. خط الدفاع الأول بمواجهة التطرف

منتدون: الأسرة.. خط الدفاع الأول بمواجهة التطرف
الرابط المختصر

أكد مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس التربوي، أن الاعترف بوجود خلل في أسس التربية داخل أسرنا هي الخطوة الأولى لمحاربة ظاهرة التطرف الاجتماعي والديني.

 

وأشار المختصون في ندوة نظمها المجلس الأعلى لشؤون الأسرة وحملت عنوان " دور الأسرة في الفكر المتطرف" الاثنين، إلى أن الأسرة هي الخط الدفاعي الأوّل بوجه التطرف، كما أنها تتحمل جزءا من مسؤولية خلق الفرد المتطرف إن لم تبن على أسس تربوية سليمة.

 

وبحثت الندوة بشكل عميق في الأسباب التي قد تشكل فرداً متطرفاً، وما هي آليات مواجهة ذلك والحد منه في مجتماعاتنا، التي تعاني من هذه الظاهرة.

 

ما هو التطرف وكيف ينشأ؟

 

استاذة علم الاجتماع في الجامعة الأردنية رانيا الجبر قالت خلال الندوة "إن فهم ظاهرة التطرف يبدأ من تعريفه ويمكن القول إن التطرف هو مجموعة من الأفكار والمعتقدات يحملها أشخاص تتنافى مع ما هو متعارف عليه اجتماعياً ودينياً واخلاقياً".

 

وأضافت الجبر بأن التطرف مسألة فكرية بالأساس، ويجب التعامل معها بناء على ذلك، مشيرة إلى أن أوّل علامات ظهور التطرف على المجتمع أو الفرد تتمثل بالتعصب الأعمى "للآراء والأفكار".

 

ويبدأ التطرف بالنشوء مع "انعدام الحوار داخل الأسرة والمجتمع"، بحسب الجبر التي أشارت إلى أن التطرف يظهر في مجتمعاتنا بأشكال مختلفة كظاهرة العنف المجتمعي والجامعي، التي تحولت من فكرة قائمة على "إقصاء الآخر" إلى سلوك عنفي.

 

"ورغم ذلك لا يمكن انتزاع الأسرة من محيطها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، الذي قد يترك أثراً كبيراً على مساراها التربوي الداخلي وتربية الأبناء".

 

ووفقا للجبر، فإن المتطرفين يسعون إلى هدم ما هو موجود من قيم ومعايير مجتمعية، ومحاولة الإتيان بقيم ومعايير مغايرة.

 

كيف يتكون وينشأ المتطرف نفسياً ؟

 

يذهب دكتور علم النفس التربوي عاطف القاسم إلى أن الشخصية المتطرفة تبدأ في الظهور في اللحظة التي يقرر فيها الإنسان الانتقام ممن تسبب في عدم تكوين ذاته.

 

ويوضح القاسم بأن الإنسان منذ لحظة وجوده، وهو في سعي نحو تكوين ذاته، لكن فشل الأسرة في تقديم نماذج طبيعية تساعده بالنمو بشكل سليم، وتكوين ذاته، يؤدي إلى خلق إنسان يسعى للانتقام ممن حوله بسبب منعهم نموه نحو "الكمال"، مما يخلق إنساناً معادياً للمجتمع".

 

وتستشهد الجبر بالقول "إن نعت الأطفال بنعوت سلبية، وإحباطهم بشكل دائم، يساهم في تعزيز الكبت الذي لا يمكن التنبؤ بالطريقة التي قد يظهر فيها".

 

ويشير القاسم إلى أن هذا الشخص يتصف بـ"الحدية" أي أنه لا يؤمن بوجود المساحة الرمادية في الحياة، فهي بالنسبة له إما أبيض أو أسود، خير أو شر، ولا توجد حلول وسط، وهذا ما يجعله غير متقبل للآخر.

 

ويضيف بأن هذا الشخص قد يظهر بأنه يتقبل قيم المجتمع، وذلك ربما بسبب قدرة المجتمع على فرضها بالقوة، إلا أن ذلك يدفعه إلى الانكفاء على نفسه ويكون في حالة تفكير تأملي دائمة، مما يساهم في تكوين أفكاره الخاصة حول قيم الحياة، والتي قد تختلف بشكل كبير عن الواقع، مما يساهم في "اغترابه" عن المجتمع.

 

فـ"المتطرف تلميذ نفسه ولذا فإن فرصة هذا الإنسان في إصلاح مفاهيمه للحياة تبقى ضيئلة جداً"، يقول القاسم.

 

ويتابع" كل هذه الأسباب تنتج في النهاية شخصية "متمركزة حول ذاتها، لم تتلق الحب في الطفولة لذلك لديها سعي للانتقام، ولا تؤمن بالحل الوسط، وتفشل في التفكير الناقد"، وهو يتسبب بانفصال هذا الشخص عن المجتمع.

 

وهذه الشخصية تسعى دائماً إلى البحث عن جماعة تشاركه أفكاره حول المجتمع، وخاصة أنها "تملك رغبة داخلية بارتكاب الفعل الإجرامي تجاهه"، وعندما تغذى هذه الشخصية إيدولوجياً وفكرياً تنتمي لجماعات "إرهابية".

 

 

التربية الدينية وتغذية التطرف

 

استاذ الأديان المقارنة في جامعة آل البيت الدكتور عامر الحافي يؤكد على أنه لا يمكن إنكار وجود مشاكل في التربية الدينية التي تعذي التطرف،  فـ"هناك تفكير خاطئ على المستوى الفردي والأسري ويعود سببها إلى قدسية الأب عندنا، والذي يجعلنا لا نعترف بسهولة بأخطائه مع أنه قد يحملنا أفكارا خاطئة عن الآخر".

 

ويرى الحافي أن هذا الواقع خلق ثقافة متأثرة بمفاهيم دينية خاطئة، لا تقبل النقد، حتى من قبل أشخاص قد لا يمارسون الطقوس الدينية، بسبب إشباع ثقافتنا بالمفاهيم الدينية الخاطئة من قبل متطرفين.

 

ويشدد على أن "الاعتراف بوجود خلل أسري وتربوي في بناء المفاهيم والقيم الدينية، هو الخطوة الأولى لمواجهة التطرف".

 

كيف يعالج التطرف؟

 

"التربية التسامحية" هي واحدة من الأساليب التي تساهم بشكل كبير في إبعاد أفراد الأسرة عن التطرف، يقول الدكتور القاسم.

 

ويؤكد على ضرورة  تقبل الطفل وأفكاره وأخطاءه ومنحه المساحة الكافية للتعبير عن آرائه دون توجيهه بطريقة سلبية، والابتعاد عن القيم المطلقة في تربيته، وهو ما يساهم في خلق إنسان وسطي.

 

بينما يشدد الحافي على أهمية تعزيز التدين الروحي، لأن التدين "الطقسي" يعزز التطرف، وكان السبب وراء أوّل صراع في التاريخ الإنساني بين قابيل وهابيل، كما يذكر القرآن الكريم.

 

ويشير إلى أهمية زرع المفاهيم الدينية السليمة في الفرد منذ الطفولة عن الطريق السلوك السليم، كما كان يفعل الرسول محمد وليس عن طريق التلقين.

 

ولا يُعد الاهتمام بمسألة التطرف جديداً على المجتمع الأردني، إلا أن الاهتمام بهذه المسألة ازداد في الفترة الأخيرة مع ازدياد خطر التنظيمات الإرهابية في الدول المجاورة والتي كان الأردن أحد منابع مقاتليها.

 

ورغم التأكيد على أهمية الأسرة في التنشئة السليمة التي تبعد الإنسان على التطرف، إلا أن هُناك أصوات تؤكد بأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدول هي المؤثر الأكبر في مسألة تنامي التطرف، فإن لم تكن تلك السياسات سليمة، اكتوت المجتمعات بناره.